على الرغم من المكتسبات الهامة لبيداغوجية الأهداف التي تم اعتمادها في
منظومتنا التربوية في مرحلة سابقة،
بتمركزها حول سلوكات المتعلم، إلا أن ذلك لم يمنع من بروز بعض النقائص
و الحدود لهذا النموذج المرتبط بالتيار السلوكي، التي قلصت من مقومات
الفعل التعلمي المتمركز حول المتعلم بسبب الاهتمام المفرط بالقياس
الكمي للمعارف لتحقيق الأهداف و بروز علاقة ميكانيكية بين المثير و
استجابة التلميذ في إطار البحث الحثيث عن سلوكات قابلة للملاحظة و غير
ذلك من الأسباب. و انطلاقا من هذه الإنعكاسات السلبية لهذه النقائص،
انصب اهتمام الباحثين و البيداغوجيين على البحث عن طرق جديدة للتفكير و
العمل في سياق التحولات المختلفة التي عرفها المجتمع الإنساني، فظهر
مفهوم بيداغوجية الإدماج و المقاربة بالكفايات لتطوير مسارات الفعل
التعليمي-
التعلمي،
و للتخلص من النموذج المتمركز على نقل المعارف إلى نموذج آخر متمركز
حول المتعلم باعتباره الفاعل الأساس في كل نشاط تربوي و محور العملية
التعليمية التعلمية التي تجري داخل الفصل.
ضمن هذا الصدد، يندرج إحدى البحوث المخصصة لنيل شهادة الأهلية التربوية
برسم السنة التكوينية
2005-2004،
و المودع لدى أرشيف إدارة المدرسة العليا للأساتذة الكائنة بمرتيل
بمدينة تطوان، و الذي وسمه أصحابه الطالبتين الأستاذتين :
فاطمة بزبكي و سعيدة أوزن،
بوسم «
تشغيل التلميذ في درس الفلسفة » بإشراف الأستاذ مصطفى بلحمر
إختار أصحاب هذا البحث أن يدور على قسمين،
واحد نظري و الآخر عملي، و الذي تقع فصوله في غضون إثنين و خمسين صفحة،
كان المدار الأساس الذي دارت عليه هو إشكالية تشغيل التلميذ في درس
الفلسفة و علاقة ذلك بالتوجيهات الرسمية الخاصة بمنهاج الفلسفة و الفكر
الإسلامي. و من خلال ذلك تساءل أصحاب البحث عن مدى إلمام التوجيهات
الرسمية بحساسية مادة الفلسفة و خصوصيتها الفريدة في سعيها إلى تكريس
مبدأ تشغيل التلميذ داخل الدرس الفلسفي.
و قبل وضع الفرضيات الأولى للإجابة عن هذه التساؤلات، تم تصدير هذا
البحث بمقدمة و قسم نظري تم التطرق فيه لأهمية هذا البحث و الإشكالية
التي يعالجها و تحديد المفاهيم الرئيسة المؤثثة له. و قد تم رسم أهداف
آنية و أخرى بعيدة المدى لهذا البحث، تمثلت أولاها في الكشف عن مجالات
تشغيل التلميذ من خلال التوجيهات الرسمية بمادة الفلسفة و التعرف على
آليات هذا التشغيل و لفت الإنتباه لأهمية دور التلميذ في بناء الدرس..و
الأهداف البعيدة المدى فقد تجلت في التطلع نحو الإستفادة من التقنيات و
المهارات المعتمدة في تشغيل التلميذ داخل درس الفلسفة.
و لإنجاز القسم الميداني فقد اعتمد أصحاب هذا البحث على تقنية
الإستمارة، بعد أن وضعوا فرضيتين أساسيتين تمثلت الأولى في أن التلميذ
يشتغل في درس الفلسفة حسب التوجيهات الرسمية، و الثانية تجلت في أن
التلميذ لا يشتغل في درس الفلسفة. و قد تم من خلال هذه الاستمارة،
استهداف فئة التلاميذ من كلا الشعبتين الأدبية و العلمية . كما تم
إجراء مقابلة مع الأساتذة تم خلالها الاستفسار عن مسألة تشغيل التلميذ.
و قد أسفرت النتائج التي تم التوصل إليها من خلال الاستمارة و
المقابلة مع الأساتذة عن نفي الفرضية الأولى المتمثلة في أن التلميذ
يشتغل في درس الفلسفة حسب التوجيهات الرسمية و بالتالي تأكيد الفرضية
الثانية.
إذن فالتلميذ لا يشتغل في درس الفلسفة حسب التوجيهات الرسمية، فقد نص
الأساتذة الذين تم إجراء المقابلة معهم أن مجالات تشغيل التلميذ التي
نصت عليها التوجيهات غير كافية و تحتاج إلى المزيد. و في هذا الصدد، تم
تذييل هذا البحث بمجموعة من الاقتراحات و الحلول التي قد تمكن من تشغيل
التلميذ في درس الفلسفة تمثلت أبرزها في ضرورة تمكن الأستاذا معرفيا من
مادة تخصصه و الإحاطة بالدرس من خلال الإلمام بمختلف حيثياته و قضاياه
الأساسية حتى يتمكن من إيصال فحوى الدرس إلى المتعلم بشكل سليم، و كذا
ضرورة توفير جميع التقنيات و المهارات التي تم تحديدها في التوجيهات
لصياغة الدرس الفلسفي، و عدم الإستخفاف بقدرة التلميذ المعرفية مع عدم
الضغط عليه بالأسئلة المباشرة و إشراكه في المناقشة للوصول إلى النتائج
المطلوبة مع أخذ مسألة الوقت بعين الاعتبار...
هكذا فقد أدى مطاف إنجاز هذا البحث إلى التأكد من حقيقة مفادها أن
التلميذ لا يشتغل في درس الفلسفة، الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل عن
سبب ذلك، هل هو مرتبط بالمادة في حد ذاتها أم بطريقة تدريس الأستاذ أم
بالتلميذ ؟