لعل قارئ هذا البحث، ليجد نفسه أمام مسارين يتناولهما كلا الطالبين
"عبد الرحيم عازم ومحمد بويخرفين"، وذلك من خلال أول رؤية عينية لعنوان
هذا البحث "التمثلات المتبادلة بين أساتذة مادة الفلسفة ومتمدرس
الثانوي التأهيلي". وأول مسار تناوله هذا البحث هو الجانب النظري، وضمن
فيه صاحباه إشكالية البحث، وفرضياته ومنهجيته. وأما المسار الثاني تم
التناول فيه الشق الميداني والتطبيقي، وذلك من خلال الاستعانة
بالاستمارة من اجل تمحيص وتفحيص فرضيات الشق النظري.
إننا في هذا البحث إزاء دعامتين أساسيتين، أول دعامة يمثلها
أستاذ مادة الفلسفة ونظرته المسبقة للتلميذ، وأما الدعامة الثانية وهو
أساس هذا البحث، تمثل التلميذ في المرحلة الثانوية التأهيلية لمادة
الفلسفة.
في بادئ الآمر وبعد تصفحنا لأول ورقة بعد العنوان وكلمة الشكر،
يجد قارئ هذا الموضوع نفسه أمام مقدمة عامة، تناول فيه الباحثان أهمية
المدرسة، باعتبارها مركزا تصب فيه كل المجالات السياسية والثقافية
والاجتماعية وحتى العلمية، وذلك اعتبارا أن المدرسة تمثل الدعامة
الأساسية لكل مجتمع في بناء الصرح التعليمي التعلمي للناشئة المتمدرسة.
ففي هذه الأهمية والخصوصية التي تحضا بها المدرسة داخل المجتمع
(المغرب)، تسارع الباحثون والمهتمون خصوصا بالمجال التربوي من دراسة
المتمدرس المراهق في كل جوانبه ورؤاه.
وفي هذا البحث نجد أن جانبا من جوانب هذه الاهتمامات والدراسات،
والتي انصبت في دراسة تمثلات كل من المتمدرس المراهق، وأستاذ الفلسفة
خصوصا، بعضهما لبعض.
وفي نهاية هذه المقدمة يجد الباحثان أنفسهما أمام مفهوم وجب
تحديده والوقوف عليه، وهو "التمثل" فماذا يقصد بهذا المفهوم؟
يحدد باحث هذا الموضوع "التمثل"، «بأنه نشاط ذهني يرتبط بذات
الفرد السيكولوجية، كما انه يظل نتاجا للتفاعلات الحاصلة داخل الفضاء
السوسيوثقافي تأسيسا لبنيته وتفعيلا لوظيفته».
وكما قلنا سابقا أن هذا البحث يتضمن بين طياته جانب نظريا وآخر
تطبيقيا. فأما ما هو نظري فقد احتوى على الجوانب اللغوية والانطباعية.
وأما على المستوى العملي فقد اتصف بالإجرائية والمباشرة.
ومن البديهي لدى أي باحث أن يتخلل بحثه مجموعة من الإشكالات.
وإشكال هذا البحث بالذات، استهدافه فئة جد حساسة داخل أي مجتمع إنساني.
فالفئة التي انطبعت في صفحات هذا البحث، هي فئة تمثل المجتمع المغربي،
وهي فئة الشباب المراهق.
وقد بني أساس البحث على إشكالية مفادها كيفية تمثل المراهق لأستاذ
مادة الفلسفة، خصوصا وان مفهوم التمثل هو مفهوم يلفه الغموض واللبس،
خصوصا لما ترغب العلوم الإنسانية من مثيل علم النفس وعلم الاجتماع وعلم
التربية... في تحديده؟.
المهم هو أن أستاذ المادة يجد نفسه أمام تمثل قد ترسخ في ذهن المراهق،
وكيف لا يجد صعوبة في تغيير هذا التمثل من شكله السلبي إلى شكله
الايجابي، ونحن نرى أن هذه المادة أي الفلسفة وقد ترسخت بسلبيتها
وغموضها في اللاشعور الجمعي.
من هنا جاء البحث ليرصد هذه التمثلات التي يحملها المتمدرس المراهق
بالثانوي التأهيلي على أستاذ مادة الفلسفة، وحتى يتم كذلك تحديد طبيعة
التمثلات هل هي سلبية تنتقص من صورة أستاذ الفلسفة، أم أنها ايجابية
ولها ما يبررها. واستخلاص المرجعيات والمصادر والعوامل التي أطرت تصور
المتمدرس المراهق لأستاذ مادة الفلسفة. والوقوف كذلك على انعكاس هذه
التصورات في التحصيل النهائي لهذه المادة. ولا ننسى أن هذا البحث قام
كذلك على رصد تمثلات أستاذ مادة الفلسفة للمتمدرس المراهق بالمرحلة
الثانوية التأهيلية.
وتكمن أهمية هذا البحث في تعرفنا على المعاناة التي يلقاها أو يواجهها
أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي مع متمدرسيهم بفعل الحمولة المسبقة
السلبية التي تلقونها خارج المدرسة أو داخلها عل مادة الفلسفة، الشيء
الذي يقف عائقا أمام كل التصرفات الايجابية داخل الفصل.
إضافة إلى هذا، فان أهمية البحث تكمن أيضا في بيان مدى الأحكام الجاهزة
والمسبقة التي تثير ردود فعل التلميذ المراهق (الثانوي التأهيلي) من
صفات وخصائص إزاء مدرسيهم.
ومن خلال تصفح ورقات البحث نجد أن الطالبين قد تناولا مفهوم "التمثل"
من عدة جوانب، سوسيولوجيا مع الباحث الفرنسي "دوركايم"، وقد حدده هذا
الأخير في ثقافة المجتمع التي تتضمن المعرفة والعلم والايدولوجيا
والأساطير... والتي تشكل الوعي الجمعي. وسيكولوجيا مع "جون بياجي"
وكذلك علم النفس الاجتماعي ... وكل من هذه التخصصات وكيف تناولت مفهوم
"التمثل". حيث نجد أن "جون بياجي" اعتبر أن "التمثل" بمثابة «استحضار
لموضوعات غائبة أو إعادة الإدراك خلال حضورها لإكمال ما ينقصها من
معارف، بالرجوع إلى موضوعات أخرى ليست مدركة حاليا».
ففي هذا المحور نجد أن الطالبين الباحثين تناولا مفهوم "التمثل" من كل
جوانبه وتعاريفه، من علم الاجتماع إلى علم النفس إلى علم النفس
الاجتماعي وهكذا ... مما يدل على أن هذا المفهوم يحض باهتمام نخبة
العلماء الذين يدرسون الظواهر الإنسانية، بما فيها ظاهرة التمثلات التي
تنصب على فئة معينة من المجتمع، وهي فئة التلاميذ المراهقين في المرحلة
الثانوية التأهيلية لمادة الفلسفة وأستاذها.
ومن خلال متابعتنا في تصفح ورقات البحث، وجدنا على أن صاحباه قد تطرقا
إلى مفهوم أساسي، حيث يعتبر من ركائز البحث، لأنه يستهدف هذه الفئة
المتعلمة الناشئة - المرحلة الثانوي التأهيلي - من حيث خصائصها
الفيزيولوجية والسيكولوجية. وهذا المفهوم هو مفهوم "المراهقة".
ورغم أن هذا المفهوم يحيل إلى ما هو سيكولوجي، فقد تناولته حتى العلوم
الأخرى مثل علم الاجتماع وعلم التربية. بكونها (المراهقة) ظاهرة تمثل
بؤرة الاضطرابات بامتياز، سواء على المستوى الخارجي – الأعضاء – أو على
المستوى النفسي والسلوكي، حيث نجد أن في هذه الصفحات نقاشات حادة بين
علماء النفس وعلماء الاجتماع والتربية في تحديدهم لسن المراهقة
وتغيراتها وتطورها ثم نتائجها.
لقد سبق وان قلنا في البداية، أن هذا البحث انقسم إلى فصلين، الأول
تناول الشق النظري، والفصل الثاني تناول الشق التطبيقي.
فأما الشق النظري، فقد سبق وان تطرقنا فيه إلى مفهوم التمثل والمراهقة،
باعتبارهما مفهومين أساسيين يمثلان إحدى الجوانب الأساسية من شخصية
المتمدرس في المرحلة الثانوية التأهيلية وعلاقته بالأستاذ خصوصا بأستاذ
مادة الفلسفة.
أما الشق الميداني أو التطبيقي فقد اعتمد صاحبا هذا البحث ملء
الاستمارات من اجل إحصاء كلا التمثلين سواء من طرف التلميذ أو الأستاذ،
أو هما معا في علاقة تفاعلية. وهذا هو الإشكال الأساس الذي يطرح في هذا
البحث.
ولكن ما يلاحظ في هذا البحث، هو انه يقدم مجموعة من الأجوبة المفترضة
على أسئلة هي بمثابة مفتاح هذا البحث. والتي سيتم التحقق من صحة
إجابتها من خلال المستوى الميداني المعتمد.
لعل ما يمكن ملاحظته في الجانب العملي، ومن خلال تفريغ الاستمارة
الخاصة بالأساتذة على المستوى الأقدمية في العمل والشواهد المحصل
عليها، وحتى على المستوى الحالة العائلية، أن هناك نسب مختلفة حاول
البحث أن يكشف عنها. وان يكشف عن حقيقة تمثلات أساتذة مادة الفلسفة.
ففيما يخص أساتذة مادة الفلسفة، فإن أدنى نسبة تمثل 10٪ والتي تتراوح
أقدميتها مابين 8 و12 سنة، بينما أعلى نسبة تظهر في الفئة 16-20، وهي
30٪.
أما فيما يتعلق بالشواهد المحصل عليها، فتختلف من إجازة وعددها 13 إلى
دكتوراه واحدة، مرورا بشهادة
DEA
وDESS
بشهادتين. وهذا ما يعكس المستوى الثقافي الجيد لهذه الفئة من الأساتذة.
وإما فيما يخص الحالة العائلية، فان جل المستجوبين متزوجون، وان نسبة
70٪ منهم يعيش في شقة في عمارة، وعددهم 14 أستاذ، بينما 30٪ أي 6
أساتذة يعيشون في منزل مستقل من طابق واحد، وهذا يؤشر عن الدخل المحدود
لرجل التعليم بشكل عام وأستاذ الفلسفة بشكل خاص.
وإذا ما شققنا طريقنا في البحث الميداني، وجدنا بالإضافة إلى ما قلناه
سابقا، رصد تمثلات أساتذة الفلسفة حول المتمدرس الثانوي التأهيلي، وذلك
بنسب مختلفة.فقد كانت نسب تمثلات أستاذ مادة الفلسفة من الناحية
المعرفية للمتدرس تقارب 30٪ أي 6 أساتذة والتي ترى على أن التلميذ لا
يمتلك إلا الحد الأدنى من المعرفة الفلسفية، وهذا إن دل على شيء إنما
يدل على صعوبة المادة من جهة، وعدم القدرة على الإلمام بمفاهيمها
المجردة من جهة ثانية. بينما نجد أن نسبة 25٪ تعبر عن تصور سلبي
للمتمدرس المراهق له خصوصياته النوعية، التي تجعله يستهزئ بالمادة
وأستاذها. وهذه إشارة على جهل أستاذ الثانوي آو تغاضي عن هذه المرحلة
الطبيعية التي تحمل معها القلق والرغبة في الاستقلالية واثبات الذات.
ليس بوسعنا إلا أن نقول، أن هذا البحث قد تناول كل الجوانب التي تخص
المتمدرس في المرحلة الثانوية التأهيلية، وهي مرحلة لعلنا القول فيها،
أنها مرحلة حرجة يمر منها التلميذ وهي مرحلة المراهقة وما تصطحب معها
من تصرفات وسلوكات يريد منها المراهق إثبات ذاته أمام المجتمع، حيث
اثبت البحث أن نسبة 30٪ من مقترحات الأساتذة تؤكد أن ما يشغل المتمدرس
المراهق في هذه المرحلة هو الموضة والمستلزمات الذاتية، وهذا السلوك ما
هو إلا رد فعل طبيعي وسليم عن التغيرات التي ترافق هذه الفترة، والتي
يريد منها المراهق تأسيس عالمه الخاص والمستقل والمتميز كذلك عن
الراشدين.
ان ما قد ينتج عن هذه المرحلة – المراهقة – داخل الفصل، وما استخلصه
البحث الميداني، هو الشغب والضجيج، وذلك بنسبة 30٪. ولعل الشغب والضجيج
الذي استخلصه البحث الميداني بنسبة 30٪، ناتجة عن المرحلة الطبيعية
التي يمر بها التلميذ في المرحلة الثانوية التأهيلية، وهي مرحلة
المراهقة.
بعد ما تم توجيه الاستمارة لمدرس الثانوي التأهيلي، وبيان مختلف
تمثلاته، سواء على مستوى سن المتمدرس الثانوي، آو على مستوى المشاكل
والعراقيل التي تنتج عن هذا الأخير، أو حتى اهتمامات وميولات التي
ترافق مرحلة المراهقة. فانه الآن، تم توجيه الاستمارة لمتمدرس الثانوي
التأهيلي. ولقد اعتمد الباحثان في هذه الاستمارة على 50 تلميذ من الجدع
المشترك، ويتقاسم هذا العدد كلا الجنسين الذكور والإناث، ونفس هذا
التقسيم تم اعتماده في القسم الثاني باكلوريا علوم. وفي نفس البحث
الميداني تم دراسة المستوى التعليمي للآباء التلاميذ، حيث تم الخروج في
الأخير، بان هناك ارتفاع نسبة المستوى الابتدائي ب 26,5٪، يليه المستوى
الثانوي ب 22,5٪، بينما الآباء الذين لم يلجؤوا المدرسة بلغت نسبة 22٪
يعقبه المستوى الإعدادي بنسبة 18,5٪، وأخيرا مستوى التعليم العالي
بنسبة 10,5٪ وهذا ما يدل على التحسن النسبي لمستوى الآباء التعليمي،
وهو ما يعكس لا محالة على المسار التعليمي، والتربوي للأبناء، وذلك من
خلال المتابعة والتوجيه.
من خلال طرح مجموعة من الأسئلة لتلاميذ الثانوية من الجدع المشترك
وثاني باكلوريا علوم، وذلك بهدف رصد تمثلاتهم، تبين لنا أن النسب
المحصل تتفاوت من قسم لآخر. فمثلا عند طرح السؤال: من هو أستاذ الفلسفة
في الفكر؟ لاحظنا أن أعلى نسبة مثلها قسم الجذع المشترك ب 38٪ والتي
رأت أن أستاذ مادة الفلسفة لا يعدو عن كونه "أحمقا"، و28٪ عن كونه
"ملحدا" وما تبقى إما لكونه منتج لكلام فارغ، أو انه باحث عن الحقيقة،
أو انه مفكر.
أما قسم ثانية باكلوريا علوم، فقد اختلفت الرؤية مما هو عليه في الجدع
المشترك، حيث نجد إن أستاذ مادة الفلسفة هو أستاذ مفكر أو انه باحث
للحقيقة، ونسب قليلة ترى على انه ملحد أو أحمق ...
وثمة هناك أسئلة أخرى بالإضافة إلى هذه الأسئلة، مثلا ما دور أستاذ
مادة الفلسفة؟ وكما قلنا بعد قليل أن التمثلات تخلف من قسم إلى آخر،
حسب المستوى الدراسي، فتمثل الجدع المشترك مثلا لهذا السؤال يظهر أن
هناك نسبة كبيرة تمثل 80٪ ليس له دور. في حين أن 80٪ بالنسبة لثانية
باكلوريا علوم ترى أن أستاذ مادة الفلسفة له دور معرفي مهم.
واهم هذه الأسئلة التي يمكن التركيز عليها هو مدى استيعاب المتمدرس
لمضامين الفلسفة؟ وقد تبين لنا أن نسبة 84٪ بالنسبة للجدع المشترك
ونسبة 52٪ من ثانية علوم باكلوريا ترى أنها لا تستوعب بالشكل الجيد
مضامين ومفاهيم فلسفية. وذلك راجع إما إلى البعد التجريدي للفلسفة، أو
الغموض الذي يلف شرح أساتذة المادة.
أخيرا وليس آخرا، يمكن للباحث أن يخرج من خلال هذه الاستمارات التي
وجهت للأستذة ومتمدرسيهم بخلاصات يمكن حصرها على الشكل التالي:
-
أن كلا التمثلات، سواء أستاذ مادة الفلسفة أو التلميذ كانت في أولها
سلبية.
-
أن مجمل التمثلات هي تعبير عن مجمل التصورات المشكلة للنسيج المجتمعي
خصوصا في طبقاته الأمية.
وأخيرا ليس هناك من حل إلا بتجاوز التمثلات النمطية الجاهزة في اتجاه
تأسيس تصورات مبنية على قاعدة الانفتاح آخذة خصوصية كل طرف وفق منظور
متجدد وهادف.