في فضيلة التفلسف

" وكنت أبغي بعد ذلك  أن أوجه النظر إلى منفعة الفلسفة و أن أبين أنه ما دامت تتناول كل ما يستطيع الذهن الإنساني أن يعرفه ، فيلزمنا أن نعتقد أنها هي وحدها تميزنا من الأقوام المتوحشين و الهمجيين، و أن حضارة الأمم  و ثقافتها إنما تقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها ، و لذلك فإن أجل نعمة ينعم الله بها على بلد من البلاد هو أن يمنحه فلاسفة حقيقيين. و كنت أبغي أن أبين فوق هذا أنه بالنسبة إلى الأفراد، ليس فقط من النافع لكل إنسان أن يخالط من يفرغون لهذه الدراسة، بل إن الأفضل له قطعا أن يوجه انتباهه إليها و أن يشتغل بها، كما أن استعمال المرء عينيه لهداية خطواته و استمتاعه عن هذه الطريق بجمال اللون و الضوء أفضل بلا ريب من أن يسير مغمض العينين مسترشدا بشخص آخر..."           ديكارت


 

 التدريس بالكفايات في المغرب؛ نموذج درس الفلسفة

فؤاد بوحلوبة

 

 مدخـل :

يفترض أن يقوم الباحث بدراسة التحولات التي يشهدها النظام التعليمي والتربوي والانتقال النوعي في التدريس من الأهداف إلى الكفايات مركزا على الدرس الفلسفي بالخصوص مع إثارة الإشكالات التي تصاحب عادة كل انتقال.

ومادام الأمر يتعلق بمادة دراسية داخل مؤسسة تمارس عليها سلطتها وتنزح عنها كل خصوصية وهمية، فهل يمكن أن نكيف خصوصية الفلسفة مع قوانين المؤسسة ؟. وإذا ما تم إخضاع الفلسفة للمؤسسة، ألا تكون قد سلبنا منها نزعتها النقدية والتحررية، ونحولها بالتالي إلى فلسفة مدرسية مبتذلة ومدجنة ؟. تلك هي الإشكالات التي حركت الباحث نحو طرح هذا الموضوع والذي حاول الإجابة عنها.

يضم البحث تقديم وثلاث فصول تتخللها محاور إضافة إلى مقاربة ميدانية وتقرير ختامي، إضافة إلى لائحة المصادر والمراجع.

Ãالفصل الأول: الفلسفة والمؤسسة:

يضم الفصل الأول تعريفا للمدرسة باعتبارها مؤسسة ودارا للتربية، ثم يقوم الباحث بإثارة العلاقة بين المؤسسة والفلسفة، هذه العلاقة التي تنطوي على نوع من التلازم، فالفلسفة وتدريسها لا يكون إلا داخل مؤسسة تعليمية تخضع لتوجيهات رسمية تحدد مسارها وأشكال تدريسها ومضامينها.

 

? المتمدرس: المؤسسة تحدد "عمر الفلسفة" وأهداف تدريسها:

يلتقي تدريس الفلسفة بالتعليم الثانوي سن مناسبة للتلاميذ الذين يصبحون قادرين على تجاوز التشخيص والتمثيل وإدراك القواعد والقوانين والقدرة على التحليل والتركيب، وهي أهم ركائز التفكير الفلسفي. إذ يلتقي التلميذ بالفلسفة ابتداء من الجذع المشترك أي في سن 16 و17 سنة.

أ- أهداف تدريس الفلسفة:

أن يكون التلميذ قادرا:

«   قادرا على تحقيق ذاته وإنماء شخصيته.

«   التشبع بروح النقد والبناء والقدرة على اتخاذ القرارات المناسبة والتعامل مع الآخرين على أساس الحوار والتواضع والتسامح والمسؤولية والدقة والصرامة والوضوح في التفكير.

ب- بالنسبة للشروط :

تدريس الفلسفة تتطلب شروطا، أهمها التبسيط وتحبيب المادة بجعلها قابلة للتعلم.

µ الفلسفة، البيداغوجيا والديداكتيك:

طرح الباحث في هذا المحور بعض التحديدات المتضمنة للعنوان وهي البيداغوجيا والديداكتيك، فكيف عرف البيداغوجيا إذن؟.

ينطلق الباحث من اعتبار مصطلح البيداغوجيا ذا تعاريف متعددة ومتنوعة، نظرا لارتباطه ونهله من علوم أخرى أهمها علوم التربية (علم النفس، علم الاجتماع)، بحيث يأخذ بعض المبادئ وبعض نتائج التطبيقات لرسم مسارات العملية التعليمية التعلمية (تحديد الهدف ثم الانطلاق إلى التطبيق العملي).

 

µ أما الديداكتيك:

كذلك الشأن بالنسبة للديداكتيك فصعوبة تعريف المفهوم يكمن في علاقاته وتداخلاته مع باقي العلوم التي ينهل منها كالسيكلوجيا والبيداغوجيا وحتى الابستيمولوجيا، ويكفي أن نورد هنا تعريف للأستاذ مصطفى بلحمر: «الديداكتيك علم تطبيقي موضوعه تحضير وتجريب استراتيجيات بيداغوجية تهدف إلى تسهيل إنجاز مشاريع... فهي الدراسة العلمية لتنظيم وضعيات التعلم التي يعيشها المتعلم لبلوغ هدف عقلي أو وجداني أو حسي حركي».

Ãالفصل الثاني:

I. الفلسفة والبيداغوجيا :

حاول الباحث في هذا الفصل الوقوف عند مقاربة مفهوم الكفايات على أنها محاولة تصحيحية للأغراض الذي أصاب بيداغوجيا الأهداف وانتشالها من النزعة الضيقة التي اتخذت من القدرات الإبداعية الفردية، ليقوم بعد ذلك بتتبع لمفهوم الهدف نشأته وتطوره، كمفهوم متجذر في الزمن وله أصول عميقة في التربية، أما التدريس بالأهداف فهو حديث ظهر على يد الأمريكي رالف تايلر سنة 1949 كسلوك يقوم به المتعلم بعد كل عملية تعلمية مباشرة، تركز هذه النظرية على خلفيتين أو متغيرين أساسيين، لماذا؟ وكيف؟.

II. أما مستويات الأهداف:

1) الغايات.

2) المرامي.

3) الأهداف العامة

4) الأهداف الخاصة.

5) الأهداف الإجرائية.

 

في حين أن تصنيفها فقد قسمها الباحث إلى ثلاث صنافات:

1)    صنافة بلوم ومجالها المعرفي ذو الأهداف العلمية.

2)    صنافة كراتول ومجالها العاطفي الانفعالي ذو الهدف القيمي.

3)    صنافة هارو ومجالها الحس حركي ذو الهدف المهاراتي.

III. درس الفلسفة وإشكالية الأهداف :

تتبع الباحث في هذا المبحث التطور التاريخي لدرس الفلسفة بالمغرب وكذا الخطط والبرامج لتنفيذه:

1940-1970 : خلق شهادة الباكالوريا، كانت الفلسفة تدرس في السنة الثالثة ثانوي باللغة الفرنسية.

1971-1974 : تعريب الفلسفة والاهتمام بالموروث العربي.

1975- بداية التسعينات : عقلنة الدرس الفلسفي (ديداكتيكيا وبيداغوجيا) وكذا التجديد في البرامج والمقررات.

نهاية التسعينات : مرحلة الانتقال من بيداغوجيا الأهداف إلى بيداغوجيا الكفايات.

لقد احتضن الديداكتيك الدرس الفلسفي وأخضعته لبيداغوجيا الأهداف، وتم تنظيم وتصنيف الأهداف والوسائل التي يجب الاشتغال عليها في مذكرات وزارية تم تعديلها فيما بعد.. ومن أهم الأهداف المسطرة لذلك: تأطير المواطن وجعله يندمج مع مجموعة من القيم والاستعدادات الثقافية والاجتماعية وكذا التغير الإيجابي للذهنيات والوضعيات الفكرية والمعرفية السائدة، فرد قادر على التحليل والتركيب وإعادة البناء والإنتاج والتعامل مع كل الوضعيات بشكل إيجابي عن طريق الحوار والحجاج والربط العقلاني والمنطقي بين القضايا والظواهر المتفاعل معها.

ينتقل الباحث بعد ذلك إلى الحديث عن الانتقال البيداغوجي من تدريس بالأهداف إلى تدريس بالكفايات، إذ اعتبر أن التدريس بالأهداف منزلق يتم التركيز على جانبه الحسي الحركي وإغفال جوانب أخرى من شخصية التلميذ، وهذا الانتقال اعتبر بمثابة امتداد.

وهو امتداد لإصلاح المنظومة التربوية من خلال ميثاق جديد هو الميثاق الوطني للتربية والتكوين، إذ اعتمدت الدولة على المقاربة بالكفايات كمدخل لإصلاح هذه المنظومة، فمن خلال الإطار المرجعي العام أصبح التعلم في قلب الاهتمام والفعل في العملية التربوية التكوينية من أجل إدماجه في الحياة العملية وكذا فرصة مواصلة التعلم كلما استوفى الشروط والكفايات المطلوبة.  

IV. المضمون النظري لبيداغوجيا الكفايات :

قام الباحث في هذا المحور بتتبع مفهوم الكفاية والذي لاحظ انتقاله من ميدان الشغل والمقاولات ليلج عالم التربية والتكوين، مقدما تعاريف مختلفة ومتنوعة كتعريف فولكييه الذي جعل من الكفاية هي القدرة المكتسبة لإنجاز بعض المهام والقيام ببعض الأعمال. أو تعريف تشومسكي اللساني بأنه: معرفة لغة معينة لا ينحصر في مجموعة من الإنجازات بمعنى القدرة على إعادة الجمل اللغوية وغيرها من التعاريف المختلفة.

أما أنواعها تنقسم إلى :

- كفاية خاصة أو نوعية ترتبط بنوع محدد من المهام وتندرج في إطار مادة دراسية معينة.

- كفايات عامة: لا ترتبط بمادة دراسية معينة، وإنما تمتد إلى مجالات ومواد دراسية مختلفة وإلى خارج المؤسسات التعليمية، وتسمى كذلك بالكفايات النهائية لأنها تمثل حدا أقصى يضمن الضبط والإتقان.

ومن مميزات الكفاية أنها متعددة حسب زاوية النظر سواء كانت سلوكية أو معرفية، وتتميز بالخصائص التالية:

1)    خاصية الحشد لمجموعة من المواد المندمجة.

2)    خاصية الغائية.

3)    خاصية الصلة بين مجموعة من الوضعيات.

4)    خاصية هيمنة التخصص.

5)    خاصية قابلية الكفاية للتقويم.

وقد حلل أ.موران خصائص العلاقة بين الكفاية والممارسة من خلال ثلاث أبعاد:

البعد الأول: البحث عن حلول للمشكلات التي نصادفها أثناء أداء مهامنا التربوية.

البعد الثاني: السعي إلى بلوغ أهداف عن طريق التنسيق بين مجموعة من القرارات والإجراءات.

البعد الثالث: إبداع تنسيقات جديدة عند أداء نوع من المهام.

لبيداغوجيا الكفايات تقاطعا معرفيا مع بعض البيداغوجيات الحديثة، ونقصد بالأساس بيداغوجيا حل المشكلات والبيداغوجيا الفارقية.

والكفايات المراد تحقيقها في النشاط التعليمي الفلسفي يمكن حصرها في أربع مستويات:

1- المستوى التواصلي: الإصغاء الفلسفي، القراءة الفلسفية، الكلام الفلسفي، الكتابة الفلسفية.

2- المستوى المنهجي: ويتعلق بما يعرف بالأهداف النووية المتمثلة في: بناء المفاهيم، استخراج الإشكاليات، المعالجة (الحجج والبراهين).

3- المستوى المعرفي: إكساب التلميذ كفايات ذات مضمون معرفي.

4- المستوى الفقهي الوجداني: التشبع بالقيم الوجدانية (حرية التفكير، استعمال العقل، الحوار...).

 

Ãالفصل الثالث :

                             I.      إشكالية العلاقة بين الفلسفة، الديداكتيك:

يعتبر الأستاذ مصطفى بلحمر بأن العلاقة القائمة بين الديداكتيك كعلم تربوي وبين الفلسفة كمادة تعليمية يعتريها نوع من التوتر، فالزوج: فلسفة / ديداكتيك ليس زوجا متجانسا، والحديث عنه ليس بسيطا، ذلك أن الديداكتيك تسعى إلى أن تتأسس كعلم، وحتى ولو كانت علما إنسانيا، لا تخفي تطلعها إلى العقلنة والموضوعية والتقنين والحتمية، والحكم في النتائج وما إلى ذلك من سمات العلوم. وأول صور التوتر هي بين علم مضبوط بقواعد وقوانين، وفلسفة متحررة لا تقبل سوى بالتفكير الحر بعيدا عن إكراهات الضبط الزمني والمنهجي.

يعتبر إذن الأستاذ بلحمر هذه التوترات تهديدات كبيرة لدرس الفلسفة والتي إن تحولت إلى مادة دراسية فإنها تظل مرتبطة بصورة وثيقة بالفلسفة كفكر يقوم على الاختلاف والتعدد في الأقوال لذا فإن مدرسها يتطلع بطبعه إلى نوع من الحرية، التي قد تتعارض أحيانا مع المؤسسة والديداكتيك.

إن قيادة الديداكتيك تسمح برسم مسارات العملية التعليمية كما تقطع الطريق أمام أشكال العفوية والاعتباطية ومن ثم بلوغ الأهداف المسطرة من قبل الدولة والمدرس وأن الانضباط لقواعد الديداكتيك وإملاءاته قادر على تحقيق المرجو من كل المواد بما فيها الفلسفة.

II. مقاربة ميدانية : بين الإملاءات الرسمية والواقع الفعلي للتدريس:

سجلت هذه المقاربة بخصوص أساتذة التعليم الابتدائي ضعف التأطير أو غيابه، فرغم الكتب والمطبوعات فمن الأساتذة من لا يعرف من الكفايات غير الاسم، بالأحرى مستويات الممارسة.

? أما بخصوص أساتذة السلك الثانوي:

نموذج أساتذة الرياضيات: لازال الاشتغال بمنهاج مادة الرياضيات لسنة 1996 يحدد طرائق التدريس كما يحدد الأهداف العامة. وبالنسبة للأساتذة من الصعب الحديث عن تدريس بالكفايات حيث تغييرا لم يحدث على مستوى المقررات يستوجب تغييرا في المناهج.

? مقابلة أساتذة الفلسفة: تأسف الأساتذة على غياب البرامج السابقة والتي كان النقاش الحر للمذاهب والمدارس المشهورة فأصبح التعامل مع النصوص في الوقت الذي لا يزال التلميذ لا يمتلك آليات مقارعة النصوص. إضافة إلى مشكل طول المقرر وافتراضه لمدة زمنية أطول من أجل إنجازه.

ليختم الباحث بحثه بتقرير عام عن تدريس الفلسفة بالمدارس وتطلعه لمستقبل أفضل للمادة. 

 

مع تحيات موقع تفلسف

tafalsouf.com

---

من نحن | راسلونا | بحث

---

عودة إلى صفحة البحوث

---

رجوع إلى صفحة الاستقبال