يتضمن هذا البحث الذي سنحاول
تلخيصه، على بابين أساسيين، باب نظري والآخر ميداني، فقد شمل الأول
فصلين: الفصل الأول عالج تعريف الطرق البيداغوجية، والفصل الثاني تطرق
للطريقة المعتمدة في التوجيهات الرسمية، وذلك بالاعتماد على منهاج مادة
الفلسفة والفكر الإسلامي الصادر سنة 1996 في ارتباطها ببيداغوجيا
الكفايات. في حين أن الباب الثاني فقد احتوى على فصل واحد، وتم فيه
القيام بتفريغ الاستمارة المعتمدة وعرض النتائج وتحليلها وللخروج
باستنتاجات.
ففي الشق النظري وخلال الفصل
المخصص للإطار المنهجي، قام فيه الطلبة الأساتذة بعرض دوافهم نحو
اختيار الموضوع والتي تتجلى في رسم وجهة ذاتية قصد تجديد بداية الطريق
حسب قولهم في مسار معرفي تربوي مليء بالتشابكات ذات الصبغة المعرفية
المرتبطة بطبيعة مادة الفلسفة. كما أبرزوا أيضا أهمية الموضوع المعالج
والتي تكمن في كونه مناسبة يتعرف من خلالها على الطرق البيداغوجية، ليس
في كونها على حد تعبيرهم كيفية للتبليغ ولكن كمقاربة ذات بنية معرفية
ثقافية، سوسيولوجية، وسياسية تعكس فلسفة تربوية ذات مرجعيات معينة
ليستحضروا فيما بعد إشكالية البحث المتمثلة في الكيفية التي سيتم عبرها
تمرير الخطاب الفلسفي كدرس وكتفكير بارتباطه بالمستوى الانفعالي
والاجتماعي والمعرفي للتلميذ وبالأهداف العامة للنظام التربوي من جهة
أخرى. كما وضح الباحثين في هذا البحث عن حدود هذا الأخير التي تتجلى
بعدم تقديم عرض مفصل عن الطرق البيداغوجية، وأيضا محاولة عدم الخلط بين
هذا المجال ومجالات أخرى كمجال علوم التربية مثلا. وفي نفس الفصل تم
عرض تاريخ تعليم الفلسفة كمادة بالثانوي التأهيلي بالمغرب، بحيث أنجزت
دراسات اهتمت بهذا الموضوع، من بينها دراسة الأستاذ العربي الوافي،
والذي قام بجرد الوثائق الرسمية المتعلقة ببداية تدريس الفلسفة بالمغرب
حتى حدود سنة 1987 مدعما دراسته هاته ببحث ميداني اهتم بأساتذة الفلسفة
بكونهم الفئة المعنية بالأطر. وقد أسفر هذا الجهد العلمي للتوصل إلى أن
الفلسفة عرفت طريقها إلى جدران المدرسة المغربية سنة 1940، وهي السنة
التي شهدت إحداث شهادة البكالوريا بالمغرب، وبقي الأمر على حاله إلى
سنة 1960 مع استقلال البلاد. وخلق بكالوريا معربة، ليؤكدوا في نهاية
هذه الفترة على أن عملية تعليم الفلسفة ظل حبيس الاعتباطية أي في
السنوات التي أتت في ما بعد، لكون المسؤولين لم يهتموا بالتكوين
التربوي للأساتذة، ليتم تدارك الموقف بإحداث المدرسة العليا للأساتذة،
لأنه حتى حدود الثمانينات كان الأساتذة يعينون بشكل مباشر، كما أن هذا
النهوض بتدريس الفلسفة تعدى أسوار الثانوية، ليصل ويمس الحرم الجامعي،
أي أصبحت الفلسفة كشعبة داخل الجامعة. وبالتالي فإن البرامج المتبناة
في الثانوي تؤثر لا محال في التكوين الجامعي للطلبة الدارسين للفلسفة.
كما تم التطرق أيضا في هذا
الصدد من البحث عن تدريس الفلسفة في المرحلة الثانوية والجامعية، بحيث
أبرز الطالبان الأستاذان، على أن الوضعية التي تعانيها مسألة تدريس
الفلسفة في المرحلتين التعليميتين جعل الكثيرين يرون أن الحل يكمن في
تبني ديداكتيك خاص بالفلسفة، على الرغم مما يعرفه هذا الطرح من معارضة
تسديدة على حد قولهم. مما دفع بالباحثين إلى تقديم تعريف للمقاربة
الديداكتيكية، وما يعرفه هذا التعريف من تداخلات، ولكن هذا لم يمنعه من
الانتشار خاصة في البلدان الأنجلوساكسونية. وهذا أدى إلى التركيز عن
نشأته و.منهجه وموضوعه. كما أنه ويتقدم الأبحاث في هذا الشأن فقد تطور
علم الديداكتيك، ورغم استمرار الاختلاف حول تعريفه، فهناك شبه اتفاق
على أنه يتحدد بالطابع العلمي والعملي التطبيقي في العلمية التربوية،
وهذا ما نجده في تعريف La vollée
في معجم علوم التربية[i].
كما أن طبيعة مادة الفلسفة رغم ارتباطها بمقاربة ديداكتيكية معينة،
يجعلها صعبة وهذا ما يبين على أن الفلسفة بيداغوجيتها مضمرة فيها، وهذا
ما يجعل الأستاذ يعاني ويدفعه نحو الاحتماء بالعلوم الإنسانية بما فيها
علم النفس وعلم الديداكتيك وسوسيولوجية التربية وغيرها. وهذا كله يطرح
سؤال حول علاقة طرق التدريس بالديداكتيك، ويجيب البحث عن هذا السؤال
بالقول على أن تعريف الديداكتيك في معجم روبير "على أنه كل ما له علاقة
بالتعليم والتثقيف، وفي معجم لالاند" على أنه الجزء من البيداغوجيا
الذي يتخذ موضوعا له. من خلال هذين التعريفين نجد على أن هناك تداخل أو
ترابط لا يمكن الفصل فيه.
وفي الفصل الثاني، الذي يبدأ
به قدمت حول الطرق البيداغوجية لينتقل إلى تحديد تعريف لمفهوم الطريقة
Méthode المشتق من
الكلمة الإغريقية Méthodos
والأصل Odos أي
الطريق والمسار Chemin.
في حين أن Meta
فتعني نحو vers أي
أن كلمة الطريقة تعني تتبع الطريق أو مسار بحث أو الوجهة التي نسلكها
عند القيام ببحث ما.
أما البيدوغوجيا، فارتبطت
كمفهوم عند اليونان حسب تعبير البحث عن تلك الإجراءات التي يتم
بمقتضاها تأهيل الطفل للانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة الثقافة. كما
اقترن هذا لمفهوم بالعلاقة بين المدرس والتلميذ بغرض التربية والتعليم.
ومن هنا، فالطريقة
البيداغوجية هي تلك الطريقة التي تمكن من بلوغ نتائج وغايات باتباع
خطوات معقلنة محددة سلفا.
كما قام البحث الذي نلخصه
بالتمييز بين الطريقة والمفاهيم المتداخلة معها، مثل المنهجية والتقنية
والأسلوب... وحدد الاختلاف الحاصل بين الطريقة والوسيلة، على أساس أن
الوسائل هي وسائط ومعينات تربوية يستعين بها المدرس لإحداث عملية
التعلم[ii]،
كما أن الأستاذان الطالبان حاولوا إبراز دواعي وظروف استعمال الطرق
البيداغوجية.
في حين أن ارتباط التعليم
بالطابع المؤسسي الذي يهدف إلى تبليغ معرفة حسية أو عقلية أو قيمية أو
وجدانية... للتلميذ. هذا التبليغ يتطلب لإنجازه تدخل مدرس قادر على
تأدية مجموعة من المهام، وبالتالي فإن الغايات المرجعية المحددة التي
تهدف نحو تحقيق أغراض سياسية واجتماعية معينة تبقى هي من أبرز الدوافع
الموجهة لتحديد واستعمال طرق معينة.
ولهذا فإن هناك أصنافا من
الطرق وأيضا معايير لتصنيفها. وهذا يلاحظه كل مطلع على كتب علوم
التربية بحيث يلاحظ على أن هناك زحما كبيرا من الطرق والأصناف تبعا
لاختلاف المدارس المنبثقة عنها، والمنظرين لها. حسب خلفياتهم، ويمكن
تصنيفها عموما إلى إطارين كبيرين: يطلق على الأول طرق تقليدية، والثاني
الطرق الفعالة النشطة. فالأول يعتمد على الإلقاء والإملاء ويهدف إلى
إكتساب التلميذ أكبر قدر من المعلومات. ونجد أشهر ممثليها المربي
الألماني هربارت. في حين أن الطرق الثانية أي الطرق الحديثة، فإنها
ركزت على الطفل باحترام مراحل نموه وقدراته، ويمكن اعتبار ماريا
نونتيسوري وأوفيد ديكرولي وحجون ديوي من أبرز ممثلي هذه الطريقة،
وعموما إن تصنيف الطرق قد يتحدد بنوعية الغايات والأهداف المتوخاة من
التربية والتعليم في المجتمع.
غير أن الفصل الثالث، دائما
في الجانب النظري بدأ بالتطرق أو الحديث عن الطرق الحديثة وذلك بتوضيح
الثورة الانتقالية التي عرفتها النظرة نحو الطفل والمدرسة انطلاقا من
التصور الذي قدمه روسو واستفاد منه بياجي، لتطوره الدراسات المعاصرة
وإثباتها للفعالية التي تحتويها شخصية الطفل النمائية واعتباره كائنا
فاعل ومؤثرا في وسطه التربوي والاجتماعي، وتجاوزت كل التطورات
والنظريات السابقة من بينها السلوكية. وإذا كان المغرب قد تجاوب مع هذه
الطرق الحديثة فأين يتجلى هذا التجاوب في التوجيهات الرسمية المرتبطة
بمادة الفلسفة اعتمادا على منهاج الفلسفة والفكر الإسلامي الصادر سنة
1996 ص 6. نجده قد تم اعتماد تقنيات بيداغوجية وديداكتيكية تراعي
خصوصية هذه المادة واعتبرها المشرع المغربي أنها تحمل بيداغوجياتها...
في ذاتها نظرا لطبيعتها
"الحوارية الصريحة والمضمرة" وأيضا لخصائص آلياتها في التفكير ويمكن أن
نستخلص من هذا أن الفلسفة تتضمن بيداغوجيتها وديداكتكيتها في ذاتها، إذ
أنها ليست معرفة بل هي فعل وأكثر تحديدا هي حفل التفكير[iii]
كما أن أكد المنهاج على هذين رئيسين من تعليم وتعلم المادة ألا و هو
خلق توازن بين تعليم آليات ومهارات التفكير الفلسفي ومضامين القضايا
الفلسفية[iv]
عوما يخلص البحث في هذه الفقرة بالقول على أن ما يحدد نهج هذه الطريقة
أو تلك قد لا يخضع فقط لمختلف العوامل التي ذكرناها سالفا، بل وحتى إلى
التوجيهات والاختيارات التربوية المراد تحقيقها والتي تتمثل في جملة
الكفايات المحددة في المنهاج والتي تتوخى تحقيق أهداف محددة مرتبطة
بها.
وعلى سبيل ذكر مفهوم
الكفايات، فقد تم تقديم الطريقة المعتمدة وبيداغوجيا الكفايات وتعريفها
انطلاقا من الجدل الواسع الذي يطرحه هذا المعنى في مختلف المهتمين بحقل
التربية والتعلم وعموما ينتهي تعريفها في كونها نظام داخلي للفرد تتحقق
بفعل قدرات ومهارات واستعدادات يكتسبها الفرد من خلال مواجهته لمختلف
الوضعيات والمشكلات. ويبقى من ضمن الأسباب التي دفعت بالمسؤولية التي
تبنيها هو سعيهم نحو خلق مؤسسات متفتحة وصالحة وتكوين أفراد مكتسبين
لعقلية قابلة للتطور والتغير بشكل دينامي. كما أن حضور الكفايات كبديل
لبيداغوجيا الأهداف، إن العضوية والحسبة التي كانت تطبع درس الفلسفة
إلى حدود التسعينات ثم اعتماد الأهداف بارتكازها على الجانب الواقعي في
عملية التربية والتعلم والتزام العقلانية العرفية، كل هذا على حساب
انفعالات التلميذ وأحاسيسه. وهذا يتنافى مع عملية التفلسف باعتبارها
نشاطا ذاتيا مصدره الذهن، وبالتالي فإعادة الاعتبار لهذه الجوانب
الفاعلة في ذات التلميذ هو ما عجل بالعمل بنظرية الكفايات. وفي هذا
الصدد من البحث يتم التطرق للعلاقة القائمة بين الكفايات وطرق تدريس
الفلسفة. إن بناء كفاية معينة يقتضي تأسيس خطاطات قياسية واستكشافية
تساعد على الكشف وتحديد نمط المشكلة وحلها. كما أن الطرق الفعالة
النشطة تهدف إلى تنشئة تلميذ متفتح على العالم، وقادر على مواجهة مختلف
مشاكل الحياة العملية واكتساب القدرة على التعامل معها والتأثير في
المجتمع وتغييره. وبهذا فإن بيداغوجية الكفايات تتقاطع بشكل واضح مع
طرق التدريس الفعالة، لأن كلاهما يولي أهمية للتعليم بدل التعلم، وهذا
ما يستدعي حسب "تيرنو".[v]
أما في الإطار الميداني أي
الفصل الرابع من البحث فقد انطلق من إبراز الإشكالية العامة التي يجيب
عنها هذا الشق من الدراسة، وذلك بطرح مجموعة من الأسئلة من قبيل: إلى
أي حد تفرض الفلسفة طرقا بيداغوجية خاصة؟ وما مدى وضوح التوجيهات
الرسمية بهذا الخصوص؟ وهل يمكن أن نكتفي بطريقة دون غيرها؟ وما
المحددات الأخرى التي يتظافر لفرض هذه الطريقة أو تلك؟
كما تم تحديد فرضيات البحث
بالقول على أن خصوصية مادة الفلسفة تطرح صعوبة في تدريسها، تفرض طرقا
خاصة تتماشى مع طبيعتها، أو أنها كباقي المواد، مما يدفعها للانصياع
لمقاربة بيداغوجية توازي منهاج التربية والتعليم، وهذا يطرح على
الأستاذ صعوبات من حيث الممارسة مما يجعله أو يوجب عليه التسلح بأكثر
من طريقة في تلقين أو تبليغ المحتوى المعرفي.
وللإجابة عن كل هذا، فقد
ارتقى البحث إلى اعتماد منهجية تتجلى بتوظيف تقنية الإشارة على الرغم
من افتقارها أو الأكثر فقرا حسب تجهيز الأستاذين، غير أن هاجس الوقت
وسرعة الإنجاز دفعهم إلى اعتمادها في الميدان. هي عينة ممثلة للمجتمع
الأصل، أي لأساتذة مادة الفلسفة في التعليم الثانوي وعددهم عشرون
أستاذا. وقد تم إنجاز هذا الإطار التطبيقي في مجموعة من المدن ابتداء
من تطوان إلى بعض ثانويات مدينة الداخلة والعيون وطاطا وابن سليمان.
وخلال تفريغ محتوى
الاستمارات، تم الحصول على نتائج أسفرت على تأكيد صحة الفرضية التي تم
الانطلاق منها، ووضحت على أن الفلسفة تفرض لا محالة طرقا بيداغوجيا
خاصة وفقا وتماشيا مع طبيعتها، كما أن التوجيهات تبقى غير واضحة بخصوص
كيفية تطبيقها مما يجسد الهوة الفاصلة بين التنظير البيداغوجي
والممارسة العملية، وهذا يضع المدرس أمام المزاوجة بين أكثر من طريقة
واعتماد تجاربه الخاصة.
[i]
- مجزوءة الفلسفة والديداكتيك . دروس
الأستاذ مصطفى بلحمر. ص 3.
[ii]
- سلسلة علوم التربية العدد 5 ص 11.
[iii]
- مارتن هيدجر
Qu'appelle –t-on penser ص 161.
[iv]
- منههاج الفلسفة.والفكر الإسلامي في
التعلم 1996 ص 10.
[v]
- بيرنو عالم اجتماع مزداد سنة 1944 منشغل
ببيداغوجيا الكفايات وله كتب في هذا الصدد.
[i]
- مجزوءة
الفلسفة والديداكتيك . دروس الأستاذ مصطفى بلحمر. ص 3.
[ii]
- سلسلة علوم
التربية العدد 5 ص 11.
[iii]
- مارتن
هيدجر Qu'appelle –t-on penser
ص 161.
[iv]
- منههاج
الفلسفة.والفكر الإسلامي في التعلم 1996 ص 10.
[v]
- بيرنو عالم اجتماع مزداد سنة
1944 منشغل ببيداغوجيا الكفايات وله كتب في هذا الصدد.