في فضيلة التفلسف

" وكنت أبغي بعد ذلك  أن أوجه النظر إلى منفعة الفلسفة و أن أبين أنه ما دامت تتناول كل ما يستطيع الذهن الإنساني أن يعرفه ، فيلزمنا أن نعتقد أنها هي وحدها تميزنا من الأقوام المتوحشين و الهمجيين، و أن حضارة الأمم  و ثقافتها إنما تقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها ، و لذلك فإن أجل نعمة ينعم الله بها على بلد من البلاد هو أن يمنحه فلاسفة حقيقيين. و كنت أبغي أن أبين فوق هذا أنه بالنسبة إلى الأفراد، ليس فقط من النافع لكل إنسان أن يخالط من يفرغون لهذه الدراسة، بل إن الأفضل له قطعا أن يوجه انتباهه إليها و أن يشتغل بها، كما أن استعمال المرء عينيه لهداية خطواته و استمتاعه عن هذه الطريق بجمال اللون و الضوء أفضل بلا ريب من أن يسير مغمض العينين مسترشدا بشخص آخر..."           ديكارت


 

 تلخيص بحث طبيعة اللغة في درس الفلسفة

بشرى فرحان

 

أهداف البحث:يتعلق هذا البحث ببعض الجوانب المتعلقة بفهم عنصر اللغة داخل درس الفلسفة؛ومدى الصعوبات التي تشيرها هذه اللغة في تحقيق فهم  سليم وتواصل فلسفي بين اطراف العملية  التعليمية.

إلا أن البحث في خصائص وطبيعة اللغة الفلسفية يرتبط أساسسا بوجود نص فلسفي  ؛له مقوماته وخصوصياته ويمكن التمييز في هذا الصدد بين نوعين من النصوص ؛هناك النص  المترجم ويقصد هنا نصوص الفلاسفة الغربيين والنص المكتوب أصلا باللغة العربية أي نصوص الفلاسفة المسلمين .

وعملية التواصل معه تتم انطلاقا من عنصرين أساسين هما القراءة والكتابة؛بعنى آخر؛هل اللغة التي كتب بها الفيلسوف نصه غامضة ومعقدة تثير النفور لدى القارئ.(التلميذ)  أثناء عملية القراءة ام أنها عكس ذلك ؛تساعد على الفهم وإدراك المعنى المطلوب في معالجة النص الفلسفي من هذا النوع تقودنا إلى مستوى آخر من اتحليل ؛يتعلق الامر بالمفهوم في الفلسفة ؛والكيفية التي تنشأ بها المفاهيم في حقل الفلسفة ؛ومدى النقاش والجدال الكبير التي تنشأ بها المفاهيم في حقل الفلسفة ؛ ومدى النقاش والجدال الكبير الدائر حول ولادة المفاهيم بين العلم والفلسفة فكان لابد من الوقوف على هذه النقطة لأن درس الفلسفة بالنسبة لتلاميذ الباكلوريا تأهيلي؛يدرس ويقدم في صيغة مفاهيم منها ماهو رئيس ؛ويمثل عناوين الموضوعات4الرئيسية4في4الكتاب4المدرسي؛(اللغة؛الحقيقة؛النظرية؛السعادة؛العقل؛الشخصية؛الحق؛الغير؛الشغل)ومنها ماهو ثانوي كالأنا ؛الذات؛الموضوع ؛الهو......الخ؛وقد ركز الطالبين الأستاذين في هذا البحث اثناء مسائلتهما للثلاميذ اعتمادا على تقنية الاستعارة؛على المفاهيم الرئيسية – لسبب بسيط  هو أنه إذا فهم التلميذ المفهوم الرئيسي فهما سليما ؛فهذا معناه أنه لابد له أن يحيط بالمفاهيم الثانوية المرتبطة به ؛وما دام المفهوم في الفلسفة يرتبط إما ارتباط باللغة فإن ذلك  يعني أنه لا توجد مفاهيم في الفلسفة خارجإطار اللغة ؛أي خارج  الاشتغال الفلسفي على اللغة والكيفية أو الطريقة  التي يستعمل بها كل فيلسوف اللغة؛لإيصال ما يريده إلى القارئ.

إلا أن معالجة هذه المفاهيم وعلاقتها بالنصوص الفلسفية؛وعلاقتها باللغة داخل درس الفلسفة ؛أدت إلى ادراك أنواع مختلفة من الخطابات تؤطر دروس ونصوص الكتاب المدرسي والسمة البارزة التي تحكم هذه الخطابات هي التداخل والتشابك؛بحيث ان التلميذ ومعه المدرس يجد نفسه أمام مجموعة من الخطابات تتقاسم؛نفس الدرس ؛وذلك يرجع بطبيعة الحال إلى طبيعة الفلسفة.

بوصفها معرفة تنفتح على باقي  المعارف الأخرى كالسيميولوجيا والسوسيولوجيا والسيكولوجيا والأيديولوجيا؛والعلم ..الخ؛وقد ركز الطالبين الأستاذين على علاقة الفلسفة بالعلم والأيديولوجيا باعتبارها أنها الوجه البارز والطاغي على مختلف الأوجه الاخرى من العلاقة – في معظم النقاشات والحوارات الفلسفية.

لكن السؤال الأساسي الذي شغل الطالبين الأستاذين هو كالتالي؛إذا كانت اللغة الفلسفية تمتاز بهذا الغموض واللبس على مستوى مفاهيمها ؛فماهو دور المدرس داخل هذه العملية؟ألا يملك مدرس الفلسفة لغة خاصة باعتبارها الوسيط الذي من خلاله تقدم لغة الفلسفة و فلسفتهم داخل درس الفلسفة ؛بالنسبة لتلميذ الباكالوريا تأهيلي بالمغرب؟

إنه لابد إذن من استحضار دور المدرس لكي يكون هناك التواصل داخل درس الفلسفة ؛بمعنى آخر إن المدرس هو ذلك الجسر الذي يمر منه التلميذ نحو الفلسفة إن دور المدرس يبدأ حين ينتهي دور الفيلسوف.

وقد تكون هذه البداية نهاية (نهاية بالنسبة للفيلسوف)  إذا أخفق المدرس في إيصال وتبليغ ما أراد الفيلسوف تبليغه وقد تكون عكس ذلك .

إذن ؛فمن خلال التعرف على طبيعة اللغة الفلسفية وماتثيره من صعوبات سواء لدى القارئ بوجه عام ؛أو لدى اطراف العملية التعليمية فإن الباحثين قاما بتقسيم هذا البحث إلى فصلين :تناول الفصل الأول ؛إشكالية اللغة والتواصل في الدرس الفلسفي ؛أما الفصل الثاني فكان بحثا ميدانياحول طبيعة اللغة في درس الفلسفة.

من أهم الأفكار التي تناولها الفصل الاول هي أن اللغة آتارث اهتمام الإنسان مند زمن طويل مما جعله يطرح أسئلة من قبيل ماأصل اللغة ؛ما طبيعتها وكمالها ونقائصها وقوتها وضعفها وتفوق لغة  عن أخرى وعوامل ذلك التفوق.

أي أن البحث في اللغة آنذاك كان يغلب عليها الطابع التأهي الميتافيزيقي واللاهوتي والأسطوري إلا أن ما يهم الباحث في هذا العمل ليس هوالبحت عن البدايات والأصول إذ أن  ذلك سيسقطنا في الميتافيزيقا  وإنما اهتم هذا العمل بجانب ماهو بيداغوجي ؛في عملية التواصل داخل درس الفلسفة؛ويقصد هنا إشكالية التواصل اللغوي في الدرس الفلسفي.بمعنى آخر هل طبيعة اللغة في الدرس الفلسفي تحقق التواصل بين أطراف التعليمية التعلمية؛أم أنها تحقق حاجزا أمام ذلك.

وهذا الفصل عني بالخصوص لإبراز بعض هذه الجوانب  اذن فماذا يقصد باللغة؟اهتم هذا العمل بتحديد اللغة تحديدا إجرائيا ؛والذي يتمثل في كون اللغة ظاهرة إنسانية بالدرجة الاولى؛وهي قائمة على أسس فيزيولوجية ونفسية واجتماعية وفكرية؛ومن وظائفها الأساسية  كونها أداة للتواصل والتفاهم بين البشر ؛بينهم وبين محيطهم ؛ثم كونها وسيلة لفهم ومعرفة الواقع في شموليته ؛وايضا أداة معرفة ذاتها.

لكن مادور اللغة في عملية التواصل ؟فكل تواصل وتفاهم بين الأفراد والجماعات قد يتم بطرق مختلفة ؛تقاليد ؛عادات؛إشارات ؛علاقات ؛رمزية ؛...الخ.ةلكن تبقى اللغة هي أهم وأرقى شرط للإتصال البشري فاللغة أداة ووسيلة يتصل الناس عن طريقها ببعضهم البعض الآخر.ويتبادلون أفكارهم؛ويتوصلون إلى التفاهم إن الرموز اللغوية بمضامينها ومعانيها تمكن الإنسان دون غيره من الكائنات من الاتصال اجتماعيا بين أفراد نوعه؛وبينه وبين الاشياء الواقعية ؛إن وظيفة التواصل إذن في اللغة هي وظيفة عملية تتم شفاهيا أو كتابيا ؛والتواصل اللغوي يمر أساسا  بالرمز اللغوي .

والرمز اللغوي من الزاوية اللسنية علامةوالعلامة في المجال اللسني هي تلك الوحدة بين مايصطلح عليه بالدال والمدلول وهي – أي العلامة- تركيب بين صورتها الصوتية الفزيولوجية؛الفزيائية وبين صورتها الذهنية المجردة التي تتجلى في رمزيتها المفهومية هذا التركيب بين الصورتين؛بين الدال والمدلول هو مايصطلح  إذن بالعلامة:

إن للرمز اللغوي صيرورته المادية والتاريخيةالخاصة؛ومن هنا جاء ذلك التمايز بين الانسقة اللغوية ليميز الرموز اللغوية من مجتمع لآخر ؛ويميز الوظيفة الرمزية من لغة إلى أخرى.

هذا بشكل عام حول دور اللغة في التواصل بين أفراد المجتمع ؛ومادام الدرس الفلسفي  لا يخرج عن نطاق التواصل اللغوي أي عبر رموز وعلامات ....الخ ؛فهل عملية التواصل بين مدرس الفلسفة والتلميذ تتم كمثل ماتتم  عملية التواصل بين عامة الناس ؛أم أن خصوصية الفلسفة تقتضي إنتاج لغة خاصة بها من أجل تحقيق التواصل بين أطراف العملية التعليمية داخل درس الفلسفة؟

إن التواصل في درس الفلسفة ذات طبيعة خاصة فهو يتم بناء على معرفة منظمة ذات بعد عقلي ؛يتطلب نباهة وحرصا شديدين حتى لا ينزاح الفعل التواصلي عن معناه وهدفه.

يمكن القول أنه لا علم من العلوم يعاني كما تعاني الفلسفة فلو بحثنا في كل الأعمال الرياضية والبيولوجية والفيزيائية ؛فإننا سنجد نفس الموضوع .نفس اللغة؛تتدوال بين العلماء ؛في حين لو أخذنا نفس الشيء بالنسبة للفلسفة ؛سنجد أن "الأعمال الفلسفية توضح احيانا بوضوح واحيانا أخرى بغموض"ويزداد الأمر تعقيدا خصوصا إذا ما ترجمة إلى لغة أجنبية وكانت الترجمة رديئة.

فحينما نقرأ "ما البرانش أو بركلي ؛كما يقول    فإننا نجد أنفسنا امام لغة عادية   لغة نتكلمها كل يوم ؛لا تثير أي مشكل في الفهم وإيصال المعنى المطلوب؛على العكس ذلك تماما ؛لما نقرأ "هيجل أو هيدجر فإننا نستوقف أمام معجم تقني؛نظرا لما تحمله لغتنا من تعقيد مفاهيمي كبير ؛بسبب صعوبات جمة للقارئ والباحث معا ؛وحتى لوكانت لغة الفلاسفة واضحة ؛فإنها تطرح مشاكل كثيرة ؛وتوقفنا في أحابيل وفخاخ وخدع  لغوية كالبلاغة مثلا ؛يتضح ذلك في كتابات نيشته مثلا ؛حتى أننا نجد صعوبة في فك  رموز نيشه الفنان l’artiste   عن نيشه المفكرle penseur   ."

ونفس الشيء لهيدجر؛فنظرية اللغة عنده ترتد إلى الشعر؛والقول الشعري لغة أولية أصيلة بالنسبة إليه ؛هي لغة الاصول وإنما هي التي تؤسس قرارات الشعب التاريخي يقول هيدجر إن القول الشعري ليس الا تفسيرا لصوت الشعب.

وهنا تنتقل اللغة مع هيدجر من وجود الإنسان إلى وجود الشعب؛من زمن الوعي إلى زمن التاريخ ؛إن عدم الإقرار بوجود لغة فلسفية ؛يحيل في جانب آخر إلى عدم وجود مصطلح تقني في الفلسفة "ولإن كان المعجم الفلسفي   يتشدد ويؤكد على وجود مثل هذا المصطلح؛وقد ادى به هذا المنحى إلى إعطاء وتقديم تحديدا متعددة للمصطلح الواحد ؛إن المصطلح الفلسفي لا يحمل معناه في ذاته ؛بحيث يمكن نقله من تحليل فلسفي لاخر؛أو من مذهب لآخر كما هي حال المصطلحات الرياضية التي تحتفظ بنفس التحديدات في كل البرهان ؛إن السيما نطيقا الفلسفية ليست من النمط المعجمي بل الفكري ؛فالمعجم لا يمكن أن يعنينا أبدا عن البحث عن معنى المصطلحات من خلال فكر فيلسوف والصيغ التي عبر بها عن ذلك الفكر ".

معنى هذا أنه علينا أن نرجع إلى نصوص الفلاسفة ؛ففي الفلسفة لايكون الفهم ممكنا إلا إذ ا عدنا على التفكير بلغة النص ؛وعليه فالفلسفة تعبر عن أفكارها من خلال اللغة العامية ؛وهذا يعني أن النص باعتباره قصدية دالة بالفعل يقتضي هنا بالضرورة تنظيم عملية فهمه انطلاقا من لغة يجب أن تكون  مشتركة بيننا بما فيه الكفاية ؛بين الكاتب والقارئ وعند الاقتضاء عبر المترجم ؛ إنه لمن المستحيل أن نقترب من معنى النص ؛إذا كانت تمة مسافة بين اللغة التي يستعملها النص وبين استعمال القارئ نفسه لهذه اللغة انطلاقا مما سبق ؛يمكن أن نستخلص أن طبيعة اللغة في الدرس الفلسفي مزدوجة ؛تتوزع بين لغة الفلاسفة – ثم هناك المدرس ؛الذي يتدخل كطرف رئيسي في العملية التعليمية ؛بمعنى آخر أن  الانشغال الفلسفي أو الاستخدام الفلسفي للغة في الكتاب المدرسي ؛وهذا يحيل إلى أن التواصل اللغوي في الدرس الفلسفي للغة في الكتاب المدرسي ؛وهذا يحيل إلى أن التواصل اللغوي في الدرس ؛فالمعالجة اللغوية لكل مفاهيم الكتاب المدرسي ؛تتم انطلاقا مما أنتجه الفلاسفة من خطابات من جهة ثم  النقل أوعملية التحوير ؛التي يقوم بها المدرس من اجل خلق جسر التواصل مع التلاميذ .

أما الفصل الميداني:

فقد عني ببحث طبيعة اللغة في درس الفلسفة توصل إلى خلاصات مفادها:

أولا: أن طبيعة اللغة في درس الفلسفة مزدوجة، فهناك لغة الكتاب المدرسي(النصوص المفاهيم)، وهناك لغة المدرس الذي يعتبر بمثابة الوسيط في تبليغ الفلسفة إلى التلاميذ ومد جسور التواصل بينهم و بينها,

ثانيا : هناك تعدد في الخطاب، بين خطابات الفلاسقة وما تحمله من تداخل وتشابك.

ثالثا: من خلال هذا البحث أثبث الدراسة الميدانية على أن اللغة الفلسفية ومعها كذلك لغة الأستاذ تتير صعوبات عميقة على مستوى الفهم.

وانطلاقا مما سبق وإذا كانت طبيعة اللغة في درس الفلسفة لا تحقق التواصل المنشود – ألا يتحمل التلميذ مسؤولية عدم الفهم ،بغياب ذلك الأساس الفلسفي الذي يجب أن يرافقه منذ بداية الدراسة حتي الباكالوريا، وكنتيجة لدلك الثمتل السلبي الذي يسود في المجتمع حول الفاسفة؟

 

 

مع تحيات موقع تفلسف

tafalsouf.com

---

من نحن | راسلونا | بحث

---

عودة إلى صفحة البحوث

---

رجوع إلى صفحة الاستقبال