تقديم عام
حول البحث:
يحمل
البحث موضوع التلخيص عنوان "تطور تدريس الفلسفة بالتعليم الثانوي في
المغر" وهو بحث مشترك من إنجاز الطالبين الأستاذين رشيد لعروسي ويوسف
زيدان بإشراف الأستاذ مصطفى بلحمر وهو بحث لنهاية سنة التكوين بالمدرسة
العليا للأساتذة بتطوان برسم الموسم الدراسي 2003/2004 شعبة الفلسفة،
ويتكون هذا البحث من إهداءين وتقديم ومدخل وثلاثة فصول وقائمة وملخص
للبحث، كل ذلك في 45 صفحة، فلنفصل في هذه المكونات كما يلي:
التقديم:
لقد تناول
الباحثان في هذا التقويم أهمية الموضوعية والتدقيق العلمي في كل بحث
معرفي مبرزين أن هذا البحث رغم طابعه التاريخي فإنه لا يهدف أن يكون
بحثا توثيقيا صرفا بل يهدفان بالإضافة إلى ذلك إلى البحث عن التطورات
الحاصلة في هذا المسار وإحكام أسبابه الباطنة المتحكمة فيه وذلك قصد
الاستيعاب الشامل للماضي واستشراف المستقبل، وهذا ما يقتضي كشف مواطن
الاستمرار والتغير في هذا المسار.
إن
الدراسة التاريخية لموضوع مثل تطور تدريس الفلسفة ليتداخل فيه مستويان
اثنان: مستوى ديداكتيكي مرتبط بمجال التدريس، ومستوى ثان مرتبط بدرس
الفلسفة، لكن تحقيق هذا الأمر قد واجهه صعوبات عديدة من أبرزها: ضيق
الوقت المخصص للبحث بالمدرسة، وقلة المصادر والمراجع المتخصصة في هذا
المجال، وأبرز الباحثان في نهاية هذا التقديم الإطار الشكلي العام
للبحث، وعملا على تأطير كل مبحث في الفصل بأسئلة المراد الإجابة عنها
في البحث، مبتدئين بالمدخل فثلاثة فصول وخاتمة.
المدخل:
لقد عمل
الباحث الباحثان على الكشف على العلاقة بين تدريس الفلسفة والديداكتيك
مبرزين بداية إشكالا هاما من متعلق بدى إمكانية قيام ديداكتيك خاصة
بالفلسفة، خاصة أن كلا منهما يتعامل بطريقة متعالية عل كل خطاب آخر،
فإذا كان الخطاب الديداكتيكي يقدم نفسه خطأ ـ قادر على إخضاع كل معرفة
لسلطته، فإن الفلسفة نفسها تدعي الأمر نفسه، وهذا ما جعل من الديداكتيك
إلغاء لفعل التفلسف واستقلاله.
لدق اقترح
الباحثان طريقا وسطا لمحاولة تجاوز تلك المفارقة، فالديداكتيك له أهمية
كبرى في العملية التعليمية التعلمية، لكن هذه الأهمية تنحصر في الجوانب
الجارجية فقط، وبالتالي فهي وسيط ووسيلة لإنجاح الدرس الفلسفي، إلا أن
هذا الأمر يجب أن يأخذ بعين الاعتبار ضرورة تكييف الديداكتيك الوضوح
كما ندت بذلك "جاكلين روس" وديداكتيك مفتوحة كما دعا إلى ذلك "جراتلوب"
وذلك حتى يتماشى وروح التساؤل والتأمل والبحث الفضولي.
الفصل الأول:
تناول
الباحثان في هذا الفصل مسألة المقارنة بين تدريس الفلسفة بالمغرب
وتدريسها بفرنسا على اعتبار أن تدريس الفلسفة بالمدرسة يعتبر تقليدا
فرنسيا نقل إلى المغرب في فترة الحماية مما جعل هذا المشروع مرتبط
بثقافة وتاريخ خارجيين، وقد عملا على تحقيب تدريس الفلسف من بداية
وضعها إلى الثانويات بالمغرب في فترات الحماية سنة 1940 إلى آخر إصلاح
تعليمي بالمغرب ابتداء من سنة 1996 فتم بذلك وضع هذا التاريخ في خمس
حقب تاريخية.
المرحلة
الأولى:
تبدأ هذه
المرحلة سنة 1940وتنتهي سنة 1970، ومن أهم ما ميز هذه المرحلة هو كون
تدريس الفلسفة بها قد اعتمد على اللغة الفرنسية، وقد كانت المقررات
المعتمدة فرنسية، وكذا الأساتذة المؤطرون لهذه المادة إلى غاية 1965
إذ تم اعتماد مقرر معرب بالمدارس الحرة من تأليف مصري وبعده بسنين تم
اعتماد مقرر مغربي سنة 1967. وكان الهم الأساس في هذه المرحلة هي بناء
الوطن المستقل والعودة إلى الارتباط بالتراث العربي الإسلامي.
المرحلة
الثانية:
زمنيا
تبدأ هذه المرحلة سنة 1971 وتنتهي سنة 1974، وقد عرفت هذه المرحلة
تعريب تدريس الفلسفة بشكل نهائي، واعتماد أطر مغربية ذات تكوين معرب،
وتوحيد المقرر المدرسي على المستوى الوطني، وعاد تدريس الفكر الإسلامي
إلى أستاذ الفلسفة رغم الفصل بينها على مستوى المقرر والحصص الزمنية،
لكن تم التركيز على المقاربة التاريخية للدرس الفلسفي وتهميش الأشغال
على الإشكالات.
المرحلة
الثالثة:
لقد اتسمت
هذه المرحلة بالتجديد على عدة مستويات: من أهمها اعتماد المدرسة العليا
ممرا أساسيا لتكوين أساتذة الفلسفة والفكر الإسلامي، وقد أصبح هذا
الأمر معمقا انطلاقا من سنة 1980، وعلى مستوى الكتاب المدرسي فقد تم
دمج الفلسفة والفكر الإسلامي في مقرر واحد يعمل على إشكالات ومفاهيم
بدل السرد التاريخي. كما بدأ العمل ابتداء من سنة 1978 بالعمل بالمقرر
مجهول المؤلف.
المرحلة
الرابعة:
تمتد هذه
المرحلة من 1991 إلى 1995 وهي مرحلة طغى عليها التدريس انطلاقا من
النصوص لإبعاد كل إيديولوجية للمدرس عن الدرس الفلسفي، وتمت مقاربة هذه
النصوص انطلاقا من مفاهيم على شكل أزواج اقتباس من النموذج الفرنسي كما
تم تعديل هذا النمط سنة 1995 بإضافة طريقة الدرس إلى النمط.
المرحلة
الخامسة:
قد ارتبط
الدرس الفلسفي في هذه المرحلة بتغير على مستوى طبيعة التدريس إذ تم
الانتقال من التدريس بالأهداف إلى التدريس بالكفايات، وتم على مستوى
المقررات التركيز على المفاهيم المؤطرة بالتوجيهات التربوية الخاصة
بمادة الفلسفة الصادرة عن وزارة التربية الوطنية.
انطلاقا
من هذا السرد التاريخي سينطلق الباحثان إلى مرحلة أخرى تحليلية.
الفصل الثاني:
يعتبر هذا
الفصل كشفا عن مظاهر أزمة مسار الدرس الفلسفي بالتعليم الثانوي بالمغرب
رغم ما تحقق من إنجازات لا يمكن لأحد إنكارها، وقد حدد الباحثان هذا
الخلل في ثلاثة عوائق أساسية:
العائق
الأول:
عائق الانطلاقة.
إن مسار
الدرس الفلسفي قد عرف أزمة مع بدايته التي لم تكن نابعة من متطلبات
اجتماعية داخلية حقيقية، بل كان مرتبطا برهانات خارجية لها علاقة
بالمستعمر، ومن هنا سيطر على الدرس الفلسفي سؤال الهيمنة والتبعية منذ
البداية، وقد تجلت هذه الهيمنة في التبعية المطلقة إلى حدود السبعينات
حيث كان المقرر الدراسي ووسائل التدريس كلها فرنسية، وقد ترسخت هذه
التبعية بشكل أكبر مع بداية التعريب، حيث لم يكن هذا الأخير إلا نقلا
للمضمون الفرنسي كما هو متصور في فرنسا ومن هنا كان التعريب تعميقا
للتبعية وترسيخها. ولم تستطع المدرسة المغربية التخلص من التقليد
الفرنسي نسبيا إلا ابتداء من 1972، لكن المشكل الذي طرح في هذه المرة
هو كون الدرس الفلسفي يشكل رد فعل ضد الفكر الفرنسي دون أن تكون له
الاستقلالية التامة بل هيمن عليه الفكر المادي التاريخي. وبذلك أصبح
الدرس الفلسفي آلة إيديولوجية تعبوية بدل أن يكون وسيلة للإبداع. ولم
يتحرر هذا الدرس نسبيا إلا مع اختيار التدريس انطلاقا من الإشكالات
الفلسفية المرتبطة بالمفاهيم.
العائق
الثاني:
عائق سياسي.
إن فعل
التفلسف باعتباره فعلا نقديا بالأساس لم يعرف المجتمع المغربي له
تقليدا عبر تاريخه الطويل، بل كانت الفلسفة دائما محاربة من طرف
الفقهاء، وذلك للعلاقات التي ترتبط بين الدين والفلسفة من جهة وبين
الفلسفة والسياسة من جهة ثانية، ولهذا الاعتبار الأخير قد نهجت الفلسفة
بالمغرب مجالا للشك والريبة من قبل سلطات الدولة حفاظا على الوضع
القائم واستمراره، وهذا راجع إلى كون تدريس الفلسفة يقتضي بالضرورة
اتخاذ مواقف اجتماعية وسياسية معينة، وقد ساهم الواقع المغربي في جعل
الدرس الفلسفي يقع في معارضة المؤسسة الرسمية وتعبئة التلميذ ضد
النظام. وهذا ما جسده مقرر 1972-1976 ذي النزعة المادية القائمة على
ضرورة تغيير العالم لا تفسيره. هذا الوضع قد جعل الدولة تحاول جاهدة
إضعاف تعلم الفلسفة بالمؤسسات إذ عملت على خلق اتجاهات معارضة للفلسفة
من جهة، وفرضت وصايتها على برامج مادة الفلسفة من جهة أخرى، رغم احتياج
الدولة للفلسفة فإنها تجندها كفر وتحاربها كمحاولة لممارسات نقدية
معينة.
العائق
الثالث:
عائق التلقين.
رغم ما
أنتجه واقع التعليم بالمؤسسة الحديثة من انتشار تعليم الفلسفة وفك
حصارها من طبقة خاصة فإن تدريسها بالمغرب لازالت تعترضه عوائق المنهج،
وذلك للطابع التوجيهي للدرس الفلسفي، فانطلاقا من التدريس بواسطة شرح
الأفكار الفلسفية مرورا بالتدريس بالإشكاليات وصولا إلى التدريس
بالنصوص وتعريجا على التدريس بالموضوعات فإن الدرس الفلسفي قد طغى عليه
طابع التلقين من طرف الأستاذ والحفظ من قبل التلميذ، ومن هنا غابت
الروح الفلسفية الإبداعية نظرا للمنهج القائم على التلقين بدل إدراج كل
من الأستاذ والتلميذ في العملية التعلمية التعليمية. ورغم أن التدريس
بالموضوعات الذي تم اقتراحه والعمل به في بداية التسعينات يعتبر منهجا
مهما لكنه أغرق في الجوانب الشكلية والتقنية، وأهمل المضامين الفلسفية.
فما هي إذن التوجهات الفعالة التي ينبغي تبنيها للارتقاء بالدرس
الفلسفي بالتعليم الثانوي بالمغرب؟
الفصل
الثالث:
إذا كان
الفصل الثاني قد عمل على إبراز مواطن الخلل في مسار الدرس الفلسفي فإن
هذا الفصل قد عمل على إعادة بناء هذا المسار واقتراح مجموعة من
المبادرات لتقويم هذا المسار مستقبلا. وقد حدد الباحثان ثلاث خطوات
أساسية لهذا التقويم:
الخطوة
الأولى:
ضرورة التجديد
إذا كانت
مؤسسة التعليم الثانوي وليدة الاستعمار في المغرب فإن تقليدها شكلا
ومضمونا قد جعل هذه المؤسسة عقيمة غير منتجة، ومن وهنا وجب التعامل
معها وخاصة على مستوى المضمون بشكل تجديدي. وبما أن أهم مكونات الدرس
الفلسفي هي: الأستاذ والتلميذ والمقرر والبيداغوجيا فإن التجديد يوجب
أن ينصب على كل العناصر.
فبالنسبة
للأستاذ وجب أن يتوفر على تكوين متكامل يجمع بين التكوين الديداكتيكي
والتكوين التخصصي: فلسفة عامة، علم اجتماع، وعلم النفس. أما بالنسبة
للتمليذ فينبغي أن يرتبط بالدرس الفلسفي ليس بشكل وظيفي صرف بل
باعتباره درس للدهشة والسؤال المولد للإبداع، وأن يشعر مع هذا الدرس
بالانتقال من عالم مألوف إلى علام يبدعه بنفسه، أما بالنسبة للمقرر
المدرسي فأولب ما يجب الاهتمام به هو محاولة تنظيمه ووضعه باعتباره
يمثل وحدة فكرية وأن يتم تجاوز المنظور التجزيئي الذي ارتبط به منذ
البداية، أما بالنسبة للطرق فغن الاهتمام بالبيداغوجيا يجب أن يكون
مرنا حتى لا يتحول إلى عائق أمام الإبداع الفلسفي، وينبغي الاهتمام
كذلك بطريقة بناء المفاهيم التي رغم نطقها باللغة العربية فإنها لازالت
ذات حمولة غريبة عن المجتمع المغربي.
الخطوة
الثانية:
ضرورة تأسيس تدرس الفلسفة للمؤسسة
إن الدعوة
إلى تأسيس تدريس الفلسفة على أسس جديدة لها يعني إلغاء دور المؤسسة لأن
هذا الأمر لم يعد مطروحا الآن على اعتبار أن المدرسة هي الحاضن للدرس
الفلسفي منذ أمد بعيد، وداخلها أنتجت الاتجاهات والتيارات الفلسفية
الكبرى، لكن ما ينبغي التنبيه إليه هو أن المؤسسة قد تجعل من الفلسفة
مادة خادمة لأهدافها فقط وهنا تغيب أهداف الدرس الفلسفي، لذلك وجب
العمل على التقريب بين أهداف المؤسسة من جهة وأهداف الدرس الفلسفي من
جهة ثانية، وأن تكون أهداف الفلسفة نابعة من خصائصها المتمثلة أساسا في
التربية على قيم الحرية والمسؤولية والنقل والمساءلة والاختلاف
والتسامح، وبتحقيق هذه القيم يمكن للنظام الاجتماعي والسياسي أن يحقق
أهدافه دون أن يلغي أهداف الدرس الفلسفي.
يقتضي
الإبداع تفكيك الدرس الفلسفي حتى يمكن الإمساك بعملية التفلسف، ويقتضي
هذا التفكيك السير في اتجاهين: اتجاه داخلي وآخر خارجي، فبالنسبة للبعد
الخارجي فينبغي أن يسير في اتجاهين: اتجاه مرتبط بالكتاب المقرر الذي
يجب أن يكون متعددا حتى لا تنحصر الرؤية في بعد واحد، والاتجاه الآخر
مرتبط بالتأليف الفلسفي بالمغرب بصفة عامة، وانطلاقا من هاتين
العمليتين تنتج عملية المقارنة بالنسبة للتلميذ مما يجعله منفتحا فكريا
ومكونا بذلك حسا نقديا متعددا وقائما على الاختلاف.
أما
بالنسبة للبعد الداخلي فيتجلى في ثلاثة مستويات: مستوى المفهوم الذي
يجب وضعه في سياق كوني إنساني دون الوقوع في الاغتراب أو الانطواء على
الذات ثم مستوى التعريف وكذا مستوى الدليل وضرورة تمييز الدليل الفلسفي
عن الدليل العلمي، وبهذا يمكن نقل التلميذ من مجرد الحفظ إلى مستوى
الإبداع.
خاتمة:
لقد بين
الباحثان في هذه الخاتمة محدودية المقاربة النظرية لهذا الموضوع وأكدا
على ضرورة إشراك كل الأطراف التي لها علاقة بالموضوع لتكون الرؤية
شمولية ومتكاملة، وهكذا وجب تظافر جهود أصحاب القرار التربوي والمدرسين
والتلاميذ والمحيط الاجتماعي ليؤتي هذا العملأكله، ويتبوأ الدرس
الفلسفي مكانته التي تتمثل في عقلنة الواقع والتحرر من كل الإكراهات.
وختم
الباحثان دراستهما بفهرس للمصادر والمراجع وفهرس للموضوعات، وفي
النهاية ملخص موجز جدا حول البحث.