يتناول البحث مسألة ارتباط تعليم منهجية
إنجاز الإنشاء الفلسفي داخل القسم بعملية التصحيح، ذلك أن الطريقة التي
يكتسبها التلاميذ من أستاذتهم تنعكس في آخر المطاف على النقط المحصل
عليها بعد تصحيح مواضيع إنجازاتهم في الامتحانات أو فروض المراقبة، وإن
كان لمستوى التلميذ ومدى اجتهاداته دخل في نتائج التقويم، فهذا لا يعني
أن المدرس لا دخل له في نتائج التقويم، سواء على مستوى طريقة التدريس
أو على مستوى موضوعية التصحيح.
وقد حاول توضيح هذه المسألة من خلال فصول ثلاث، على النحو التالي:
الفصل الأول، يحمل عنوان: الإطار الدوسيمولوجي للتقويم والتصحيح:
في هذا الفصل تم التطرق كمرحلة أولى إلى تحديد أوجه الفرق بين
مجموعة من المفاهيم المرتبطة بعملية التصحيح، كالتقويم والتنقيط
والقياس، كما تناول كمرحلة ثانية واقع تصحيح الإنشاء الفلسفي والمشاكل
التي تؤثر على موضوعيته، على الشكل التالي:
1- التقويم/التصحيح والقياس/ التنقيط:
- التقويم ومشاكل التصحيح:
يتناول هذا الجزء من الفصل مسألة التقويم ومشاكل التصحيح، فرغم
تقدم صيغ التقويم الحديثة، حيث أصبحت تستند إلى مقاييس تابثة حول
التكوين المدرسي، إلا أن الانتقادات لا زالت توجه لطريقة الامتحانات
وعملية التصحيح، مما يجعل من الضروري التساؤل حول الأسباب والعوامل
المؤدية لذلك، وهذا ما حاول صاحب البحث القيام، من خلال تأكيده على
وجود مجموعة من العوامل الاجتماعية والسياسية هذا بإضافة إلى مشوشات
أخرى، كأثر هالو على سبيل المثال، والتي تؤثر على عملية التصحيح، لكن
على الرغم من ذلك يبقى العامل الذاتي المسؤول الرئيسي عن ظهور مشاكل
المرتبطة بالتصحيح، وهذا ما أوضحته الدراسات التي أقيمت حول
الامتحانات، والتي تؤكد على أن العامل الذاتي يتدخل في تقدير أجوبة
التلاميذ بشكل يزعزع الثقة في مصداقية التنقيط وموضوعية عمليات
التصحيح، ولذا كان أهم درس استفادته البيداغوجية الحديثة من الأبحاث
الدوسيمولوجية الأولى مع وغيره هو ضرورة إقامة تصور علمي ما أمكن عن
التكوين المدرسي، وهذا فعلا ما تحقق داخل الدراسات البيداغوجية الحالية
التي أدرجت عمليات التقويم داخل برنامج إجرائي للتكوين، لكن ذلك لم
يحرر ممارسات التقويم الحالية من مشاكل التصحيح خصوصا في ووجهها
الأساسي المتعلق بالقياس والتنقيط.
القياس والتنقيط:
القياس والتنقيط عمليتان أساسيتان في كل تقويم، خصوصا الإجمالي الذي
يلعب دورا أساسيا في حركية النجاح المدرسي، ومن جهة أخرى يكون أمرا
ضروريا جدا في إصدار قرارات عملية ومؤسسية ذات أثر اجتماعي، إلا أن
العمليات القياسية تثير – داخل التقويم- إشكالات عديدة تمس موضوعية
التقويم في أساسها، إذ أن ما يميز القياس في المجال البيداغوجي أنه
دائما غير مباشر لأنه ينصب بالذات على قدرات ومهارات أو معارف وليس على
موضوعات مادية، لهذا تكون أخطاء القياس كثيرة وملازمة في كل عملية
تصحيح وتحصل من دون قصد وبدون وعي واضع الامتحان أو مصححه، مما يجعل
منه خطرا متخفيا يصعب الحذر منه، إلا أن إدراك أصوله والوعي بها يمكن
أن يقلل من خطرها سواء على المتعلم، أو المدرس أو المنظومة التعليمية
ككل، ويمكن إجمال بعض أصول هذه الأخطاء القياسية
في:
المعارف والمهارات الأكاديمية وكذا الصفات
النفسية
الامتحان أو أداة الاختبار المعتمدة في قياس المكتسبات والتعلمات
المعنية
طبيعة الشخص الممتحن- تلميذ، طالب، مترشح- من حيث صفاته النفسية وسلوكه
المتحول وغير المستقر على درجة معينة من التردد من امتحان إلى آخر على
الرغم من تشابه الأدوات المستعملة في
القياس.
ظروف إجراء
الامتحان
من أهم العوامل أيضا التي تؤدي إلى تسرب أخطاء قياسية أثناء
التصحيح – كما تمت الإشارة إليه سابقا- ما يعرف بذاتية المصحح أو
المقوم.
هذه العوامل الخمسة المشار إليها أعلاه، تنبثق من نوعين
اثنين:
أخطاء القياس العشوائية:
تلك التي ترتبط بعوامل طارئة وغير مستقرة، كالمرض والعياء
الخفيفين....إلخ مما يخلق فوارق وهمية في نتائج الممتحنين سرعان ما
يظهر زيفها إذا ما روعي في إجراء الامتحان عاملا الزمان
والمكان.
الأخطاء القياسية المنظمة:
لا ترتبط بالزمان ولا المكان، وإنما يكون وراءها عوامل متخفية بطبيعتها
تنفلت من كل عملية قياس.
هذه الأخطاء هي حاضرة في كل نقطة، نظرا لكون النقط المحصل عليها
لمجموعة من التلاميذ تحمل إلى جانب القياس الحقيقي مؤشرات لا علاقة لها
بما نحن بصدد قياسه، وهي مؤشرات لأخطاء قياسية من النوعين العشوائية
والمنتظمة، ومن الأصول المتعددة السابق ذكرها، وبالتالي ينبغي الحد من
هذه الأخطاء أثناء عملية تصحيح أوراق تحرير التلاميذ وإيجاد تفسير
موضوعي لها حتى نتجنب السقوط في تقديرات وأحكام ذاتية لا تنطبق على
حقيقة
الأمور.
واقع التصحيح في مادة الفلسفة:
يتخلل واقع التصحيح في مادة الفلسفة جملة من المفارقات، لعل من
أبرزها اختلاف المصححين حول تقييم ورقة واحدة، حيث يتسع فارق التنقيط
بانتقالنا من مصحح لآخر، وهذا ما يجعل مادة الفلسفة تحتل الرتبة الأولى
على مستوى التباين الحاصل بين المصححين في تقويم الورقة الواحدة على
الرغم من كونها ظاهرة معممة على جميع المواد، إذ يصل عدد المصححين
الذين تحتاج إليهم عملية التقويم في مادة الفلسفة من أجل الوصول إلى
نقطة قارة بالنسبة للورقة الواحدة، هو 127 مصححا، مما يستدعي التساؤل
عن الأثار المشوشة على عملية التصحيح، حيث يظهر مشكل الذاتية ليفرض
نفسه بقوة – كما تمت الإشارة مرارا وتكرارا- كأحد أهم المشاكل المرتبطة
بالتصحيح، بإضافة إلى مجموعة من الآثار، تم استعراضهاعلى النحو
التالي:
أثر الانجذاب المركزي:
يفهم انطلاقا من عدم التزام بسلم تنقيطي موحد، إذ لكل مصحح سلم خاص به،
في حين يظل السلم التنقيطي المفروض، يدخل في المجال
النظري.
أثر المفارقة أو التضاد:
يقصد به التأثير الذي يمكن أن تخلفه الأوراق المصححة قبلا على الورقة
المراد
تصحيحها.
أثر العدوى:
معناه التأثر بآراء الزملاء سواء بالنظر إلى موضوع الاختبار أو بنظرتهم
إلى سلم
التصحيح.
أثر التعب:
ما يرتبط به من عياء المصحح وقصر مدة التصحيح وتسليم
الأوراق.
مرجعية التصحيح: يقصد بها نوعية جداول سلالم التصحيح والشبكات
المعتمدة عليها كأدوات لقياس الإجابات وتنقيطها.
المرجعيات الوحيدة تتمثل في المذكرات الوزارية، والتي تفصل القول في
مطالب الإنشاء الفلسفي، مما قد يقلل من عامل الذاتية والصدفة، لكن لا
يفهم من ذلك أن بمقدورها لوحدها حل المشاكل الأساسية المتعلقة بالتصحيح
الموضوعي.
من خصوصيات مادة الفلسفة أن مرجعيات التصحيح فيها حرة و ليست
ملزمة للجميع، إذ لا يمكن الحكم على قيمة ورقة الامتحان انطلاقا من
قواعد ومعايير موضوعة مسبقا، وإنما يستوجب التأمل في مضمونها تأملا
فلسفيا باعتبارها تمثل إبداعا خاصا، ليس من الضروري أن يشابه مضامين
الأوراق الأخرى، مما يضعنا أمام المفارقة التالية: كيف يمكن للمصحح أن
يوفق بين ضرورة احترام معايير التصحيح الموضوعة سابقا، وبين ضرورة
احترام حرية الإبداع الفلسفي، ومن أجل الخروج من هذا الإشكال لا بد
أولا من تعريف الإنشاء الفلسفي موضوع الحكم أو التصحيح، وهذا ما تم
التطرق إليه في الفصل
الثاني.
الفصل الثاني: المواصفات البيداغوجية لعمليات الكتابة الإنشائية
الفلسفية
يقدم مجموعة من التعاريف نذكر من بينها التعريف التالي: " الإنشاء
الفلسفي، هو كتابة فلسفية تقوم على تحديد مشكلة فلسفية ومعالجتها،
وتتطلب بحثا يستند إلى الذاكرة ويستدعي مهارات تأملية ومنهجية متعددة"،
كما يسجل ملاحظات حول تناول الإنشاء الفلسفي داخل التوجيهات الرسمية،
حيث يرى أنه كان من الأولى مادامت الكتابة الإنشائية هي الموضوع
الأساسي للامتحان الدوري أن يتم الحديث عنه في الفقرة المخصصة للتقويم،
وأن يفرد لها خطاب مفصل حول علاقتها بالتقويم وشروطه وأهدافه، ثم حول
التمارين والأنشطة المهيئة لها داخل الدرس، وهذا ما يفسر جزء من الغموض
الذي يسود موضوع الإنشاء، إذ كل ما نجده داخل التوجيهات إشارتان
مقتضبتان، هما: - خضوع الكتابة الإنشائية لشروط محددة.
- ليس من الضروري أن يكون الإنشاء بالشكل الأسمى للكتابة، إنما هو شكل
ذو سمات تخصه وتميزه عن الأشكال الأخرى للكتابة التي تعرف سماتها
الخاصة.
2- عمليات الكتابة الإنشائية الفلسفية:
أولا: البناء الإشكالي وعمليات الفهم:
الأشكلة في جانبها البيداغوجي، ليست عملية متجانسة في بنيتها
الإجرائية، بل هي عملية منهجية ويقصد بها حركة للفعل تنطلق من السؤال
وتنتهي ببناء الإشكال مرورا بتأسيس حقل استفهامي له مؤشراته الأسلوبية
والتركيبية، إذ تمثل مقولة الفهم لحظة أساسية في عملية الأشكلة، بحيث
تخضع هذه الأخيرة في بنائها داخل الكتابة الإنشائية لفهم مزدوج: - فهم
السؤال المذيل: يبتدئ بإجراءات أولية كإدراك تيمة السؤال، وينتهي
بصياغة المفارقة الكامنة في ذلك السؤال.
- فهم النص: لا يقف فهم النص عند الأفكار الأساسية، بل لابد أن ينتهي
إلى تحديد أطروحته حول الإشكال الفلسفي الذي يتم تحديده عبر عمليات فهم
السؤال.
ثانيا: بناء المفاهيم:
يخضع الإشتغال على المفاهيم في درس الفلسفة لهدف الدرس الفلسفي
ذاته، وإذا كان أحد الأهداف العامة لذلك الدرس هو تدريس قضايا عامة
تتضمن إشكالات، فإن المقصود من ذلك بناء علاقات إشكالية بين مفهوم
وآخر، من هنا كان الاشتغال على المفاهيم يبتعد عن مجرد شرحها وتفسيرها
بالاكتفاء بالمعطيات القاموسية العامة والفلسفية، التي لا تعطي سوى
امكانيات قديمة لاستعمال المفهوم، وكل مفهوم فلسفي يحمل تراثا فلسفيا
ساهمت فيه أنساق فلسفية عديدة لذلك كانت قصدية الإشتغال على المفاهيم
في درس الفلسفة هي اكتشاف تقاطعات المعنى بين فلسفات عديدة حول نفس
الموضوع.
وتترجم عملية بناء المفاهيم اجرائيا من خلال مقولة التحليل التي تمثل
الإطار الإجرائي الثاني بعد الفهم داخل بنية الإنشاء الفلسفي، حيث ينصب
عمل التحليل داخل التحليل على ثلاثة عناصر
أساسية:
1- المفاهيم: يمكن لتحليل المفاهيم أن ينطلق من الدلالات
التداولية والمعجمية والقاموسية الفلسفية الممكنة للمفهوم على أساس أن
يكون ذلك مجرد بداية لصياغة الدلالات الفلسفية للمفهوم داخل السياق
الذي يتم تناوله فيه.
2- التيمة: الاشتغال على المفهوم يجب أن يتجه نحو بناء تيمة
فكرية، أي علاقات فكرية بين المفهوم ومفاهيم أخرى مرتبطة به إشكاليا،
ومن هنا كان التحليل الداخلي لمفهوم ما يتطلب تحليلا تيمائيا يربطه
بمفاهيم أخرى بواسطته نحاول اكتشاف العلاقات الإشكالية وما أفرزته هذه
العلاقات في تاريخ الفكر الفلسفي من مواقف
فلسفية.
3- المواقف: تحليل المواقف الفلسفية الأساسية، ابتداءا من
الموقف المتضمن داخل النص موضوع
الاشتغال.
هذه المستويات الثلاث يمكن تحويله إلى عمليات إجرائية داخل الكتابة
الإنشائية، على النحو
التالي:
- القيام بتفسير النص: يبتدئ التحليل باكتشاف النظام الداخلي، بعرض
أفكار النص التي سبق للتلميذ أن فهمها ولخصها بأسلوبه
الخاص.
- تحليل المفاهيم أو بنائها: يتم التركيز على المفاهيم الواردة في
السؤال والنص، وينطلق تحليل المفاهيم- كما رأينا- بتحليل مختلف
الدلالات العامة للمفهوم على أساس أن ينتهي بتعريفه انطلاقا من معطيات
النص.
- بناء العلاقات: تنصب هذه العملية على إقامة علاقات إشكالية بين
المفاهيم التي سبق تحديدها وتعريفها، وقد تكون هذه العلاقات يحكمها
الاتصال أو الانفصال، أو قد تجمع بينها معا، لأنها قائمة أساسا على
الأشكلة أو المفارقة.
- ثالثا
الحجاج:
يعتبر الحجاج أحد الأهداف النواتية الأساسية في الفلسفة، وفي
تدريسها، كما أن الخطاب الفلسفي – كمادة معرفية يتم وفقها إنجاز أعمال
الأساتذة، وذلك لكونها تشكل وسيطا بين المتعلم والمدرس- لا يقوم إلا
بواسطة الحجاج الذي يشكل الهيكل الخاص لكل البناءات الفلسفية الواردة
في تاريخ الفلسفة، ومن هنا يأتي الاهتمام بالجانب الحجاجي في الممارسة
الفلسفية، فالتعامل مع البنيات الحجاجية للنصوص الفلسفية، وتدريب
التلاميذ على استخراج تلك البنيات، يعد أمرا بيداغوجيا لابد من إكسابه
للمتعلمين.
من هذا المنطلق، حاول صاحب البحث تقديم نظرة موجزة تغيى منها الإحاطة
بمختلف مكونات الحجاج الفلسفي، بحيث يمكن إجمال ما تناوله في مجموعة من
النقط الأساسية، على هذا
النحو:
- تقديم مجموعة من التعريفات المستقاة من المعاجم والقواميس الفلسفية،
من بينها معجم لالاند الذي حدد معنى الحجاج انطلاقا من تمييزه بين
مجموعة من المفاهيم ( المحاجة، الحجة،
الدليل).
- ربط التساؤل بالحجاج: طرح التساؤل يعني بالضرورة الحجاج، فالحجة تعني
الإتيان برأي أو موقف حول سؤال ما، وهكذا فإن الحجاج ينبثق من نظرية
التساؤل ومن صلبها.
- أنواع الحجاج:
يعرض البحث لبعض أنما ط الحجاج من قبيل : الحجاج بالسلطة، الحجاج
بالقيم، الحجاج المعتمدة على أمثلة.
- أنماط البرهان: البرهان هو مجموعة من الحجج توضع لإقناع شخص
ما، ولإثبات أو إبراز شئ ما، وهكذا فهو يبني سلسلة أو متوالية من
القضايا المرتبطة فيما بينها، والتي تنتهي إلى نتيجة، وفي هذا الإطار
يحيطنا البحث علما بمختلف أنواع البرهان ( البرهان الاستنباطي، البرهان
الاستقرائي، البرهان الإضرابي).
- البلاغة والحجاج: وضع بيرلمان البلاغة في صلب مجالات الحجاج،
فهذا الأخير لا يمكن تعريته من الأثر البلاغي، وبالتالي فهو مرتبط
بالبلاغة ارتباطا وثيقا، فعلاقة المتكلم/ الناطق بالمخاطب هي البحث عن
موافقته ورضاه عبر التقنيات البلاغية التي يستعملها ( الحوارات
السقراطية)، تبعا لذلك يستعرض لنا الباحث بعض التقنيات البلاغية التي
يستند إليها الحجاج الفلسفي ( المجاز، السخرية والتهكم)، هذا بإضافة
إلى سرده لمجموعة من المبادئ المنطقية (مبدأ عدم الإطناب، مبدأ عدم
تحصيل الحاصل، مبدأ تحديد الهوية)، وقواعد البلاغة الفلسفية والحجاج
الفلسفي كقاعدة التناظر أو
التقابل...
- الحجاج في الفلسفة من خلال بعض النماذج: يعتمد هنا بشكل أساسي على
جاكلين روس التي تدعوا إلى ضرورة اعتبار القواعد والمناهج التي
تستعملها الفلسفة والتي تشكل جزءا هاما من جهازها الحجاجي، ومن ثمة كان
التطرق للقواعد العامة والأساسية للمنهج في الفلسفة من خلال استعراض
الباحث – بشكل تفصيلي نوعا ما- لمجموعة من المناهج سواءا العامة
(المنهج التحليلي، التركيبي، المنظم...إلخ) أو الفلسفية الخاصة (
التساؤل والأشكلة).
الفصل
الثالث:
1- مشكل معايير صياغة موضوعات
الامتحانات:
يبرز هذا المشكل من خلال أحد المفارقات الأساسية في تدريس
الفلسفة حاليا، والتي تتجلى في التفاوت الملاحظ بين الوحدة النسبية
لمعايير صياغة موضوعات الامتحانات، والاختلاف الكبير في صياغة الأسئلة
المذيلة للنصوص، حيث لازالت تلك الأسئلة خاضعة لاختيارات ذاتية أو
جهوية على مستوى الصياغة التعبيرية، أي استعمال هذا الفعل أو ذاك (
بين، حلل)، فإذا كانت المعايير الصورية المصاغة في شكل توجيهات عامة
موحدة، فإن المعايير الفعلية للجن وضع موضوعات الامتحانات تختلف من
لجنة لأخرى.
هذا المشكل لا يقف عند هذا الحد، بل يتجاوز ذلك إلى مستوى عناصر
الإجابة المتخذة كدليل للتصحيح، وهذا الاختلاف ليس شكليا فقط، بل يمس
في نظره تصور اللجان للكتابة الإنشائية، فإذا كانت كلها تتفق على بنية
صورية محددة للإنشاء (مقدمة، عرض، خاتمة) فهذا الاتفاق يظل بدوره شكليا
فقط، لأن المعطيات المقترحة في عناصر الإجابة تختلف من لجنة إلى أخرى
في تصورها لمكونات الإجابة الإنشائية وبنائها الداخلي، هذا بإضافة إلى
أن غياب مرجعية موحدة يؤثر من جهة أخرى على عمليات المراقبة المستمرة
داخل الفصول الدراسية التي من المفروض أن تهيئ المتعلم للامتحانات
الدورية.
ومن أجل الحد من تفاقم هذا المشكل هدف صاحب البحث إلى دراسة
إمكانية اعتماد مرجعية موحدة للتصحيح تساعد على توجيه وتوحيد مبادئ
ومقياس تصحيح أوراق امتحان الإنشاء الفلسفي، من خلال تركيزه على مجموعة
من العوامل التي تمس أساسا عمليات التدريس وأنشطة التعلم، نذكر من
بينها:
- يجب التحديد الدقيق للكفايات المرجوة من تدريس الفلسفة، وتجنب أن
تكون صياغتها عامة وفضفاضة جدا.
- يجب أن يتحول التقويم التكويني إلى واقع فعلي داخل الفصول الدراسية،
مما يتطلب التركيز على التمارين الفلسفية التي ينبغي أن تهتم بالكفايات
المحورية باعتبارها تمثل موضوع تقويم داخل الكتابة الإنشائية، وبالتالي
يتوجب التفكير في صيغة أكثر عملية للربط بين تمارين وأنشطة التكوين
وبين بنية الكتابة الإنشائية التي ينبغي أن تكون إجراءاتها مطابقة
لأنشطة التكوين، وهذا ما يحقق المرجعية الواحدة للتكوين والتقويم، لكن
ذلك يفترض التفكير في بنية إجرائية واحدة للكتابة الإنشائية تكون
عناصرها قابلة للتصنيف والتنظيم داخل برنامج موحد للتعلم، كما ينبغي أن
تكون البنية الإجرائية للتكوين والتقويم قاعدة لإقامة شبكة للتصحيح
تتضمن مختلف عناصر تلك البنية، هنا يكون مرجع التصحيح كمبدأ موحد يتضمن
مقاييس إجرائية حاضرة بوصفها أهدافا لتكوين ومقاييس للتصحيح، مع وجوب
استحضار خصوصية مادة
الفلسفة.
2- معايير التصحيح:
ترتبط عملية التصحيح بمعايير، فمن يصحح لابد له من الارتكاز على
معيار ولو افتراضي، إلا أنه من المحبذ تسطير هذه المعايير والتأكد من
اشتمالها على كل العناصر المراد تقويمها، فهي قادرة على خلق انسجام بين
المصححين، ومن ثمة التقليص من الذاتية، كما يمكن استخراج سلم التنقيط
منها، حيث تسمح عبره بتوسيع دائرة التنقيط، كما تجعل المصحح قادرا على
تبرير حكمه أو النقطة التي منحها.
يبقى في الأخير التشديد على مسألة أساس – في منظور الباحث- تكمن
في أن ضبط التصحيح يعود إلى ضبط برامج التعلم والتكوين، فما يصحح داخل
الكتابة الجزئية أو التركيبية، وما يراقب ويقوم داخل مختلف إنجازات
التلاميذ هو مختلف أنشطة التعلم والتكوين التي تنصب عليها عمليات
التدريس داخل درس الفلسفة.