البحث بعنوان" الحوار في الدرس الفلسفي" من انجاز الطالبين
الأستاذين محمد هتاف وسعيد البركة تحت إشراف
الأستاذ مصطفى بلحمر في إطار البحث النهائي للمدرسة العليا
للأساتذة تطوان لسنة الدراسية 2003-2004. والبحث يحاول الوقوف عند
مفهوم الحوار وماله من أهمية سواء على المستوى الفلسفي من خلال إعطاء
نماذج فلسفية اعتمدت على الحوار من اجل إيصال المعرفة والوقوف عند
أهميته الآنية من خلال استغلاله من الناحية البيدغوجية و الديداكتيكية،
وأيضا تحديد هذا المفهوم من الناحية المعجمية والوقف على مختلف
التباينات المعجمية لهذا المفهوم . أما في الجانب الميداني فقد حاول
البحث الانتقال بهذا المفهوم من المستوى النظري إلى مستوى الممارسة
البيدغوجية و الديداكتيكية وذلك بمعالجة الظاهرة عن قرب لمعرفة ما إذا
كان يتم هذا الحوار فعلا داخل القسم ويحترم الأستاذ لخصوصيته ومقتضياته
أم لا؟ وكذا أيضا الوقوف على بعض الصعوبات التي تعترض التلاميذ من جهة
والعوائق التي تحول دون تحقيقه في كامل دروس مادة الفلسفة من جهة أخرى.
انطلق صاحب البحث من تحديد معنى الحوار لغويا وبدغوجيا ومن
الناحية الفلسفية. لنتقل إلى الحديث عن مستويات الحوار وأشكاله حيث
حددها في الحوار الداخلي أو ما يعرف بالحوار الذاتي تم الحوار مع الأخر
حيث حدده في الحوار بين الأفراد والحوار بين جماعات أو حضارات وهو ما
يعرف بحوار الحضارات أو الثقافات تم تحدث صاحب البحث عن الحوار الحر
وهو الطريقة التي قد يعمل بها أستاذ الفلسفة حيث يكون بمثابة مسير
للحوار الذي يدور بين الطلبة ويقتصر دوره على طرح موضوع الحوار
والتوجيه وتصحيح الأخطاء اللغوية حيث أنه لا ينتصر لموقف دون آخر بل
يبقي الباب مفتوحا للنقاش لتمكين الطلبة من أسلحة الدفاع عن مواقفهم
وتعلم أدبيات الحوار وأيضا تعلم تقبل فكرة الآخر والانفتاح. فالفلسفة
خطاب ينشد الحرية وستظل كذلك مثيرة للقلق. " لأنها الفضاء الذي يرفض
الديكتاتورية أو الهيمنة لأي فكر وتوقي فهي مجال لحرية التفكير،
وممارسة الاختلاف والإقرار بمشروعية الاختلاف.
ينتقل صاحب النص إلى تقديم أحد أبرز الأمثلة على استخدام الطريقة
الحوارية في التعليم، هذا المثال هو محاورة سقراط لمينون التي
من خلالها يهتدي كل من سقراط ومينون تحديد معنى الفضيلة
عن طريق تبادل الحديث حول قضية الفضيلة وكيف أنها تكتسي طابع سديمي
يصعب الإحاطة به فهي ليست كباقي العلوم والفنون يمكن تعلمها عن طريق
معلم بل أن أكثر الناس ادعاءا للفضيلة لا يمكنهم تعليم الفضيلة لأقرب
المقربين لهم غير أن هذا لا يعني أن الإنسان لا يمكنه تعلم الفضيلة،
ويبقى السؤال هو كيف نتعلم الفضيلة؟
ينتقل صاحب البحث للحديث عن الحوار من الناحية الديداكتيكية حيث
لا يتجادل اثنان في أهميته في دروس الفلسفة ومادة الفلسفة بشكل عام،
فالعلاقة التعليمية التعلمية بين الأستاذ والتلميذ لا يمكنها تحقيق
الأهداف المرجوة منها باعتمادها على الطريقة العمودية في التعليم أي
أستاذ مالك للمعرفة ومتعلم متلقي هذه المعرفة بل يجب الاعتماد على
الطريقة الأفقية في التعلم حيث أن كل من التلميذ والأستاذ لديهم معارف
يمكن البناء عليها وتطويرها والتوسع فيها عبر تبادل الأفكار عن طريق
الحوار.
أما في الجانب الميداني فإشكالية البحث تتأسس على السؤال مركزي هو:
إلى أي حد يعتبر الحوار ضروريا في درس الفلسفة وهل تحققه أو عدم تحققه
ينعكس سلبا على مردودية التلاميذ أم لا ؟ وعن هذه الأسئلة نخرج بمجموعة
من التساؤلات منها.
·
هل الأسئلة التي يطرحها الأستاذ تناسب مستوى التلميذ أم لا؟
·
ألا توجد بعض الصعوبات تعترض التلميذ في النقاش؟
·
هل يتم النقاش في الفلسفة كما في المواد الأخرى؟
·
هل الأستاذ يحترم بعض خصوصيات الحوار والمناقشة داخل الفصل أم لا؟
انطلاقا من هذه التساؤلات حدد صاحب البحث. الفرضيات في كون عدم إجراء
الحوار بشكل فعال داخل درس الفلسفة تتدخل فيه عوامل متعددة إما طريقة
شرح الأستاذ من جهة أو تصور التلميذ للأستاذ المدرس لمادة الفلسفة.
وإما عدم قدرة التلميذ على استيعاب بعض المفاهيم الفلسفية ورؤى بعض
الفلاسفة باعتبارها كلاما تجريديا بعيدا عن الواقع والحقائق التي
تؤكدها الأبحاث العلمية.
انطلاقا من طبيعة الموضوع يعترف صاحب البحث بصعوبة تحديد منهجية
بشكل دقيق كما الشأن في البحوث العلمية واعتبر هذا البحث بمثابة إطلالة
متواضعة على هذا الموضوع فاتحا الباب لذوي الاختصاص من أجل تقديم
دراسات وبحوث أكثر تعمق.
واعتمد صاحب البحث على تقنية الاستمارة لما لها من أهمية من الناحية
العلمية في الوقوف على أراء وتمثلات الفئة المستهدفة أي التلاميذ حول
موضوع البحث. هذا فضلا عن كونها تمكننا من التعامل مع المبحوثين بطريقة
عفوية وتلقائية وتشرك لهم الحرية التامة للتعبير عن أرائهم وتصوراتهم
دون أية حساسية .
أما بخصوص عينة البحث فقد اقتصرت على عينة تستوفي الشروط التي يتطلبها
موضوع البحث والمرتبطة بالإشكال الأساسي وبالفرضيات المقترحة وقد تم
اختيار عينة تتكون من مئة تلميذ تم توزيع هذه العينة إلى مجموعتين حسب
الشعب (العلمية، الأدبية) .
انطلاقا من إشكالية البحث ومجموع التساؤلات والفرضيات التي
حاولت أن تقدم أجوبة استباقية عن الفرضيات ومن خلال الدراسة الميدانية
المتمثلة في استعمال تقنية الاستثمار للتأكد من الفرضيات من خلال
إجابات الفئة المستهدفة والمتمثلة تحديدا في العينة المبحوثة خلص صاحب
البحث إلى أن الحوار أهمية بالغة فكما يبين ذلك في الشق النضري عبر
الاستدلال بأبرز تجارب استعمال الطريقة الحوارية ، أو عبر الدرس
الفلسفي المؤطر في نطاق العملية التربوية بكونه طريقة بدغوجية فعالة ،
كما ركز صاحب البحث على أهمية الحوار بشكل شمولي بين المتعلم والمعلم ,
بيد أنه أعطى أهمية أكثر للحوار ذو الطبيعة الأفقية الذي يخلق بين
التلميذ و التلميذ وبين الأستاذ والتلميذ، ليخلص بتوصيات فحواها أننا
إذا أردنا النجاح في أي درس عامة ولدرس الفلسفة خاصة فعلى المؤطرين
التربويين وخاصة المدرسين المنوطة بهم مهمة التدريس أن يعتمدوا الطرق
النشطة الفعالة في بناء الدرس وعلى رأس هذه الطرق الحوار والمناقشة.
عموما يقدم البحث صورة يقرب فيها المهتم من مفهوم الحوار من
الناحية التعليمية الديدكتيكية خصوصا في مادة الفلسفة ، فنضرا لطبيعة
المادة وأهدافها التربوية كاستهدافها تعويد المتعلم على استخدام العقل
والتحليل والاستنتاج وتبادل الأفكار وقبول رأي الأخر وتعلم آليات
وأدبيات الحوار وأيضا تخليص التلميذ من كل فكر دغمائي وتوقي و تكوين
تلميذ ورجل في المستقبل يقبل الأخر رغم تعارض وجهات النظر أو الاختلاف
في الرأي.
ويبقى البحث محاولة جادة للبحث في هذا الموضوع تستحق التنويه
والإشادة لما للموضوع من أهمية في العملية التربوية فينبغي على كل
أستاذ فلسفة أن يلم بالطريقة الحوارية في التدريس ويعتمدها في درسه حتى
يضمن
نجاحه وإثارة انتباه المتلقي وإشراكه في بناء الدرس.