من خـــلال
هذا البحث المنقسم إلى ثلاث فصـــول ،
يحــاول الباحثان استنطاق بعـــض القضايـــــــا و الإشكالات المتعلقة
بالفلسفة و تدريسها من منظور "جاك دريدا" في سياق خضم الأوضاع التي
عرفها الدرس الفلسفي بفرنسا. وبصفة عامة فهذه الإشكالات و التساؤلات
يمكن طرحها كالتالي:
كيف يتحدد مسار الدرس
الفلسفي خاصة و الفلسفة عامة في تاريخ الفلسفة و المؤسسة التعليمية
بفرنسا؟.
ما هو موقع "جاك دريدا" داخل
هذا المسار و ماهي مساهمته في سياق التطور الذي عرفه الدرس الفلسفي
بفرنسا؟.
ماهـي أهم القضايا و
الإشكالات التي تؤطر منظوره الخاص للدرس الفلسفي بالتعليم الثانوي
بفرنسا؟.
و قبل ذلك من هو "جاك دريدا"
وما مساره الشخصي، الفكري، الثقافي و السياسي؟.
هذه الأسئلة و الإشكالات
حاول الباحثان مقاربتها من خلال فصول البحث التي تتوزع على الشكل
التالي:
-
فصـل تـمهـيدي: عرض فيه أهداف البحث
وأهميته و حدوده النظرية و المنهجية.
-
فصــــــــل أول: متطرق للمسار
الشخصي و الفكري للفيلسوف "جاك دريدا".
-
فصــل ثــانـــي: وفيه تحديد لتصور
"جاك دريدا " لسؤال الفلسفة، وكذلك لإشكالية الدرس الفلسفي و القضايا
المرتبطة به.
-
فصـل ثــالـث وأخير وفيه سيبرز
الباحثان الوضعية التاريخية للدرس الفلسفي و الدور الذي لعبه "جاك
دريدا " في حقل التعليم الثانوي في فرنسا.
ثم بعد ذلك عرض لأهم
الخلاصات و الاستنتاجات التي توصل إليها الباحثان.
ففي الفصل الأول :
يتناول الباحثان مسار "جاك دريدا" كفيلسوف بحيث إن هذا المسار هو أولا
مسار إنســـان عـرفت حياته الشخصية الكثيـــر من الاضطرابات، بدأت
بفشـل دراســي مــرورا بتجــربة السجـــن، الاضطهاد ، المــرض، له
عـــدة إسهامــات فــــي مجـــالات مختلفة الأدب فــــــي كتابــــه:
"ما الأدب" و"وضعيات"، و تعد الكتب
الثلاث الصادرة عام 1967 هـــي المساهمة في
ذيــوع صيته: "علم قواعد اللغة" و "الكتابة و الاختلاف" و "الصوت و
الظاهرة" بغية إبراز دور العلامة و المعنى معا. وكانت لدريدا مواقف
سياسية واضحة و نضالية ، ومن أهمها الالتزام بالدفاع عن حركة المهاجرين
غير الشرعيين و الدفاع عن قيام برلمان دولي للكتاب، واشتهر أكثر
بمعاداة الاستعمار الفرنسي للجزائر. وكذلك عرف بنقده الشـــديد
للسياسـة الأمريكية و إستراتيجية الحروب التي تنهجها للسيطرة على
العالــــــــم، حيث ناصر القضية العراقية.
فـدريـــدا كان الفيلسوف
الذي يفكر بــــآلاف القضايا الإنسانية يتنهد من المظـــالم التي
تســـــود العالم. إن" دريدا "مفكر متعدد الإسهامات، فلديه ما يناهز
سبعين مؤلفا شخصيا و أكثر من ألف مؤلف حوله إلى حين وفــاته.
وفـي الفصـل الثــانـي: الذي
تطرق إلى تصور دريدا للفلسفة بحيث إن سؤال الفلسفة هو سؤال عن ماهية
الفلسفة الذي يرتبط بالتاريخ أو بالأصول أو بجذور ما للتفلسف تطرح
مسألة الكينونة. وهو سؤال في نفس الـــوقت عن وظيفـة الفلسفة، فالفلسفة
عند جاك دريدا هي عبارة عن مجموعة من المفارقات المهـــــــــولة و
صراعا بين التأويلات، وهي مؤسسة وجزء من تاريخ فهم الغرب لذاته داخل
مؤسسات للمعرفة كالثانويات أو الجامعات.
إن منظور"جاك دريدا"
للـــدرس الفلسفي ينطلق من معالجة و تفكيك مجموعة مــن القضايــــــــا
و الإشكالات من أجل إعادة بنائها من جديد و أهمها:
*- مـــاهيــة
الــــدرس الفـلسـفــي:
و في هذا الصدد يقول
"دريدا "ينبغي على مادة الفلسفة أن تدخل كمكون لا غنى عنه لكل تكوين
فكري منسجم و مبنين و مهموم يحمل بعدا نقديا انطلاقا من مستوى معين
للمعرفة والثقافة، وعلى غرار كل مادة فلسفية أساسية ينبغي على الفلسفة
أن توفر تدريسا يحترم هويتها و يتمفصل مع مواد دراسية أخرى، و يمتد على
مستوى سنوات أسلاك التحسين و التكوين و التعميق.
و ماهية الدرس الفلسفي لا
تنفصل عن هوية أصحابها كما لا تنفصل عن خصائصها و لا عن خصائصهم، لذلك
ينبغي على الفلسفة أن توفر تدريسا محترما.
*- الفـــلسفـــة و
المــــؤسســـة:
حيث يعتبر "دريدا" أن
الفضاء المخصص للتفكير الفلسفي كتأمل نقدي حر يظل هو فضاء المؤسسة
التعليمية بامتياز، رغم عدم حياديته. و التساؤل المطروح في هذا الإطار
هو: هل تسمح المؤسسة التعليمية بانفتاح أفق تفكير نقدي يساهم في خلخلة
الأفكار المسبقة و الثوابت و البديهيات، ويعيد النظر في العديد من
قناعات الحس المشترك وإبداء الرأي ؟
ويرى "دريدا" بأن المؤسسة
الفلسفية ليست مكانا محايدا إذ توجد الفلسفة في بنيات مؤسسة بيداغوجية
يجب أن تخضع لعمل نقدي معين.
**- هيئـة التــدريـس :
التي ترتبط وظيفتها
حسب –دريدا- بالدفاع عن الفلسفة ضد الاعتداء غير الفلسفي الآتي من
الداخل والخارج .
ويقول دريدا في هذا الصدد:
إذا كان هناك صراع في المجال الفلسفي فإنه سيكون داخل و خارج "المؤسسة
" الفلسفية. وإذا كــان هناك شيء ما يهدد يجب الدفاع عنه، فإن هـــذا
يتــم في الداخــل و الخارج.إن قوى الخارج لها دوما حلفاؤها أو ممثلوها
في الداخل و العكس صحيح، ويمكن أن يتحول "المدافعون" التقليديون عن
الفلسفة أولئك الذين لم يخالجهم أدنى شك في "المؤسسة " إلى عوامل فعالة
لتشتيت الفلسفة في اللحظة نفسها التي يعبرون فيها عن اشمئزازهم أمام
أولئك الذين ينــــادون بصوت الفلسفة، لـــذا لا يمكن إقصاء أي إمكانية
داخل ترتيب" التحالفات الموضوعية " و كل الخطوط تكون دائما ملغومة .
*- الفـلسفـة و
البيـداغــوجيـة:
يتحدد تصور "دريدا"
للعلاقة بين الفلسفة و البيداغوجيا من خلال ضبط صورة واضحة عن مبادئ
بيداغوجيا خالصة للفلسفة و للحق في الفلسفة كحق في البلوغ إليها عبر
المادة التعليمية، استنادا على قراءته للمقولة الكانطية الشهيرة:" لا
يمكن أن نتعلم الفلسفة بل يمكننا فقط تعلم التفلسف"، و من هنا جاء
توضيحه للعلاقة بين الفلسفة و التفلسف بين التفكير كتأمل نقدي و
الفلسفة كمؤسسة تعليمية.
و كما هو معلوم فقد
انقسمت المواقف بهذا الصدد - أي ما يمكن للبيداغوجيا أن تقدمه إلى درس
الفلسفة – إلى اتجاهين:
أولا:
يعــتبــر بأن للفلسفة بيداغوجيتها الخاصة و هي ليست بحاجة إلى
ديداكتيك و ليس من الضروري أن يخضع تدريسها لوصفات الديداكتيك بل أن
تحافظ على مسافة نقدية اتجاهها.
و كــان يعتبر بأن
التدخل البيــداغوجي و الديداكتيكي ضروري من أجل تنظيم نقل المعارف و
توجيه تفكيــر المتعلم نحو أهداف محددة. و على الفلسفة أن لا تظل بمنأى
عن التطورات التي عرفتها نظريات التربية و التعلــم، فضرورة التجديد
تفرض نفسها لكي يظل تدريس الفلسفة ممكنا و فعالا، وفي هذا الإطار يدعو
"ميشيل طوزي" إلى حوار هادئ بين المتحمسين و الرافضين لبيداغوجيا
الفلسفة، و إلى التأمل في المشاكل التي تثيرها العلاقة بين الخطاب
الفلسفي و ديداكتيك الفلسفة بين قول الفيلسوف و قول مدرس الفلسفة
لــذلك وضع " طـــوزي " فرضية ديداكتيــك للتفلسف قائم على التميز بين
التفلسف أمـــام التلميذ و تعليمه التفلسف، فداخل هذه الهوة يتحدد
ديداكتيك الفلسفة، و ضرورة قيامه حسب " ميشيل طوزي" تنبع من مطلب حقوقي
ومن ضرورة واقعية تندرج ضمن الحق في الفلسفة بالنسبة للجميع.
و فـي الفصـل الثـالـث: حيـث
عـــرفــت وضعية تدريس الفلسفة بفـــرنسا عدة مـــراحل مختلفة، و تميزت
بتقابلات بين وضعيتها كمادة لاقت دعما بالأغلبية كما لم يكن لها
بالمقابل، بــل إنما وضعية مــد وجـــزر، و يعد جاك دريدا من المساهمين
في معالجة الأزمة التي عرفها تدريس الفلسفة بفرنسا، حيث قدم التقرير
الذي صاغه رفقة " جاك بوفريس " و الذي يتضمن تقريرا عاما لتحليل
التوجهات الأساسية للجنة حول وضعية و مستقبل تدريس الفلسفة بفرنسا في
التعليم الثانوي و السلك الأول للجامعات و معاهد تكوين المدرسين، الذي
يتضمن أربعة مبادئ و سبع مقترحات مفصلة:
المبـــدأ الأول:
يتعلـق بطبيعة تعلم الفلسفة الذي يتطلب وقتا أكثر من المدة المقررة
لها و ذلك لمعرفة إشكالاتها و مفاهيمها و فلاسفتها. إن الفلسفة بمثابة
التخصص الوحيد الذي يتطلب تعلما في مدة عام، على أساس أن التلاميذ
يعبرون دائما بأن مبدأ الاختصار الذي يعرفه تدريس الفلسفة إعاقة
لاستيعاب هذا التخصص الجديـــد.
المبـــدأ الثـانـي:
مصاحبة ومرافقة تدريس الفلسفة مع التخصصات الأخرى في إطار وحدة تكوينية
بدون أن تفقد خصوصيتها على اعتبار أن تكوين أي تلميذ بمثابة سيرورة
كلية و شمولية، فالفلسفة تحتوي على الحس النقدي الذي يمكن أن تستفيد
منه باقي التخصصات و الجـــدالات الكامنة في مختلف المعــــــارف و
الثقافات.
المبـــدأ الثـالـث:
يجب أن يكون الدرس الفلسفي فضاء لتعلم تمرين التفكير الحـــــر.
المبـــدأ الـــرابـع:
يجب التفكير بجدية في المشاكل الخاصة بتدريس الفلسفة في الشعب التقنية
سواء في ارتباط مع التلاميذ أو الأساتذة.
أما المقترحات فهي سبعة
مقترحات هي كالتالي:
المقـتـرح الأول:
خلق تدريس أولي فلسفي مشترك بين التخصصات في السنة الأولى بهدف اكتساب
الأشكال الأساسية للتفكير و استيعاب الأدوات المنطقية الأولية لإنتاج
الخطابات و الحجاج في جميع المجالات.
إنها أشكال خاصة بالسببية و
الاستنتاج و التلخيص و الخطاطات، و منح التلاميذ المعارف الأولية
حــــول أهم اللحظات الرئيسية المكونة لتاريخ الثقــافة الفرنسية، و
تبيان الروابط بين أبعادها الدينية و الاجتماعية و العلمية و السياسية
و الفلسفية ( نموذج: الثورة الكاليلية، نظرية داروين...)، وخلق علاقة
حميمية بين التلاميذ والمسار الفلسفي لتبيان خصوصيته.
المقـتـرح الثـانــي:
التقليص من البرنامج الخاص بتدريس الفلسفة و إعادة تنظيمه و التركيز
على المفاهيم الأساسية في التقليد الفلسفي.
المقتـرح الثـالـث: إعادة
هيكلة الامتحانات الكتابية لباكالورية التعليم العام اعتمادا على مبدأ
الإنشاء الفلسفي أو على شكل تمرين-أسئلة.
المقتـرح الـرابـع:
ابتكار نماذج جد مناسبة في تدريس الفلسفة لتلاميذ الشعب التقنية، بحيث
تتوافق مع طبيعة تخصصهم و ذلك على مستوى التنظيم و البرنامج و التقويم.
المقتـرح الخـامـس:
التنسيق المحكم بين هيئة يدرس الفلسفة في تبادل الآراء و النقاش
المتبادل حول الإشكالات الديداكتيكية لتدريس مادة الفلسفة على مستوى كل
أكاديمية في شكل لقاءات تربوية تتراوح ما بين ثلاث إلى خمس لقاءات
سنويا.
المقتـرح السـادس:
إدماج مادة الفلسفة في كل التخصصات داخل كل مراكز تكوين المدرسين (Ens.Enna.Cpr)
و كذلك داخل معاهد التكوين الجامعي في المستقبــــل.
المقتـرح الســابـع:
إعــادة تنظيم السلك الأول من التعليم الجامعي على المستوى الوطني.
هذا التقرير أثار مجموعة من
الإشكالات أهمها:
**- الإقرار بالتهميش الذي
لحق الدرس الفلسفي إن على مستوى تقليص عدد الساعات المخصصة للفلسفة أو
المعامل أو لمناصب التدريس... في إطار توجيهات النظام التربوي الجديد
في فرنسا.
- يدافع "دريـــدا " عن
الطابع الشعبي لمادة الفلسفة في إطار دمقرطة التعليم مستندا في ذلك على
مسلمة الفيلسوف "إيمانويل كانط" المتمثلة في "قابلية التربية الفلسفية
بالنسبة للجميع".
- الحق في الفلسفة ، فعلى
غرار "هيغل" و حديثه حول مبادئ فلسفة الحق يدافع "دريدا" عن الحق في
الفلسفة كتجربة الانتماء إليها و إلى الفكر و الحوار و الانفتاح على
الفكر بدون حدود سواء داخل مؤسسات التعليم أو خارجها.
**- الســـن الفلسفـــي:
فعلى النقيض من تصور أفلاطون لسن النضج الفلسفي يعتبر دريدا أن فكرة
استحالة الاحتكاك بالفلسفة قبل مرحلة المراهقة هي فكرة أسطورية مخادعة.
**- الفلسفــة و الشعــب
التقنيــة: إن تصور" دريدا" لتدريس الفلسفة بالشعب التقنية يجب أن يخضع
موضوعيا و منهجيا و بيداغوجيا لخصـــوصية تلاميذ هذه الشعب مع ترك مجال
الاختيار مــــــــــفتوحا، و الرفع من عدد الساعات المخصصة لتدريس
المادة، ويتم تقويمها كباقي المواد الأخرى.
وعمــوما ومن خلال
منظور "دريدا" للدرس الفلسفي و الذي يعتبر منظورا شموليا تتقاطع فيه
أبعاد شخصيته الفلسفية و الفكرية و السياسية و التربوية، ولعل تفاعلات
هذه العناصر فيما بينها هي التي جعلت من الدرس الفلسفي يتحدد من خلال
مجموعة من التناقضات و التي تبدو أحيانا كمفارقات ، و هنا يطرح "دريدا"
مجموعة من الوصايا أهمها أنه يجب الاحتجاج ضد خضوع أسئلة و برامج و
مادة الفلسفة لأية غاية خارجية، ثــم عــــدم التخلي عن مهمتها النقدية
في نفس الوقت. وكــذلك الاحتجاج ضد سجن الفلسفة و محاصرتها داخل القسم
أو المقرر، وفي نفس الوقت يجب المطالبة بالوحدة الخاصة و المميزة لهذه
المادة. وأيضا الحق في المطالبة بعـدم فصل البحث أو المساءلة الفلسفيين
عن التعليم لكن مع التذكير بوجود شيء ما في الفلسفة لا ينصهر أبدا في
الممارسات أو بنيات أو حوادث مدرسية أو تدريسية، وضرورة المطالبة
بمؤسسات في مستوى هذه المادة المعرفية. و يجب أن تظل الفلسفة حرة في
كل لحظة و أن لا تطيع إلا الحقيقة و قوة السؤال أو الفكر. و كذلك
المطالبة باسم الفلسفة بتوفير مدرس لهذه المادة المشاغبة، لهذا التدريس
الذي لا يمكن تدريسه، وضرورة منح وقت مناسب و مدة زمنية متسلسلة للمادة
الفلسفية مع ما تتطلبه وحدة المادة من تجميع منظم لهذا الوقت مع ضرورة
منح التلاميذ و الطلبة و المدرسين شروط الفلسفة و التفلسف. فمن واجب
المدرس إن يعلم التلميذ وأن يساعده و أن يكونه، وهو مطالب أيضا بتقديم
كلام و فكر مع عدم التخلي عن التقليد الفلسفي المتميز بالاستقلالية و
الاعتماد على الذات.
بعد هذا الجرد لما جاء في
الفصول الثلاث ننتقل إلى أهم الخلاصات التي توصل إليها الباحثان:
إن دفاع "دريدا" عن
الدرس اللغوي يدخل من باب الحق في مناقشة موضوع حضور هذا الدرس الذي
يتطلب لبلوغه شروطا و يفترض مؤسسة تؤمنه، إنها رؤية فلسفية خاصة
لفيلسوف كبير للدرس الفلسفي بالتعليم الثانوي .هذه الرؤية التي تجاوزت
حدود الجمهورية الفرنسية لتمتد إلى بلدان أخرى، حيث أثارت مجموعة من
القضايا و الإشكالات الفلسفية الفكرية السياسية والتربوية، و اختيار
الباحثان لهذا الموضوع يدخل في سياق هذا الامتداد الذي فرض عليهما
نظريا و منهجيا مصاحبة هذا الفيلسوف من خلال متابعة بعض أعماله إما
قراءة أو ترجمة أو تحليلا أو مناقشة.
وهذا البحث من خلال
فصوله حاول تفكيك و تحليل ومناقشة رؤية و منظور "جاك دريدا" الخاص
للدرس الفلسفي وإشكاله.
و يختـم الطالبــان
الباحثان بحثهما هذا بالحديث عن مدى الارتباط الوثيق للدرس الفلسفي
بالحاجات المجتمعية و مــــدى تفاعله مع تناقضاتها فـــي مجمل
الفضــــاءات الثقافية و التـــربوية و السياسية. هــذا انطلاقا من
إبراز الباحثان لتاريخ الدرس الفرنسي هذا التقليد الفرنسي سواء بشكل
مباشر أو غير مباشر شكل مدخلا لمجموعة من الإصلاحات التي عرفها النظام
التربوي التعليمي بالمغرب عموما في جانبه المتعلق بتدريس مادة الفلسفة
بالتعليم الثانوي المغربي ، وهو التعليــــم الفلسفي الــــذي يفتقر
للعمق التاريخي، بحيث أن الفلسفة عــــرفت في الماضي التهميش و
الإقصاء، لهذا لم يبرز إلى الوجود مشروع تربوي يتعلق بتدريس الفلسفة
يكون ناتجا عن إرادة سياسية تتبناه و تدافع عنه ، كما حصل ذلك في
فرنسا، فحضور الفلسفة ظل رغم قصر مدته مثار إزعاج بالنسبة للفكر
التقليدي المحافظ على الرغم من كون الخطاب السائد حاليا على المستوى
الرسمي، يتبنى الحداثة كتوجه و العقلانية كتدبير. لقــد تم تصنيف
الفلسفة ضمن المواد الأساسية في التعليم الثانوي مما يعني أنها تعتبر
مادة أساسية في التربية و التعليم رغم هذا فإن هذا الوضع الذي حازته
الفلسفة لا يمكن أن يحقق الرهان إذ لم نتعامل مع الفلسفة بوصفها ممارسة
نظرية ناقدة من شأنها أن تسند "ثقافة فلسفية" تمكن المواطن من الخوض في
إشكاليات عويصة لا يفلح في أمر البث فيها بالرياضيات أو التكنولوجيا و
إنما بالتفلسف وحده كإشكالية الحرية و المواطنة وأخلاقية العلوم
الدقيقة نفسها. من هنا ضرورة طرح السؤال على من يهمه الأمر بتحويل نسق
الدولة صوب قائمة على قاعدة لوازم المواطنة بالفعل أي قاعدة
الحـريــــة.
هل الحاجة إلى الفلسفة
بعد الآن هي مجرد حاجة سياسية و قنية أم أنها حاجة تدخل في إطار
استراتيجي ثقافـــي تمليه تحديات العصر بما هو عصر للعولمة، علم آخـــذ
في اختـــراق الهويات و حدود سيادة الأوطان؟
و يختـــم الطالبان
الباحثان تأملهما بمقولة "هايــدغــــر" الذي حينما يجيب عن سؤال ماهي
الفلسفة؟ فــــإنه يقول : إنه صوت الوجود إذا ارتفع مخاطبا لنا فهـــو
إنما يدعونا إلى أن نتطابق ، و أن تتطابق معنا. إذن أن تكون مدعــوا
وأن تكــون متأهبا للانطلاق.