يتكون هذا الكتاب من 76 صفحة من الحجم المتوسط وتنقسم مضامينه إلى
بابين، الباب الأول بعنوان قضايا في الفلسفة، وينقسم إلى ثلاثة فصول
الفصل الأول، الفلسفة بحثا عن الخصوصية والفصل الثاني، الفلسفة نقد
ومساءلة والفصل الثالث، الفلسفة العودة الدائمة لأسئلة التأسيس ثم
الباب الثاني بعنوان قضايا في بيداغوجيا فلسفية ويتكون هوا لآخر من
ثلاث فصول الفصل الأول الخطاب الضمني في الفلسفة الفصل الثاني
بيداغوجيا فلسفية جدل الترويض والحرية والفصل الثالث تأملات في انجاز
الفيلسوف- المعلم – ثم أخيرا خاتمة للكتاب في نهايته.
في الباب الأول(قضايا في الفلسفة ) وعبر الفصل الأول الفلسفة
بحثا عن الخصوصية ينطلق الكاتب من محاولة وضع بحثا عن خصوصية تتميز بها
الفلسفة، أو بصيغة أخرى النشاط الفلسفي كنشاط إنساني من حيث أن كل
فلسفة هي معرفة عقلانية تسعى دائما وراء فهم الوجود والإنسان بالإضافة
إلى مهمة أخرى تقوم بها الفلسفة وهي فحص المعرفة العلمية ونقدها وفي
هذا المعطى يحاول الكاتب إن يميز بين الفلسفة والعلم وذلك باعتبار أن
العلوم تحدد الوقائع
)التي
تتناولها بدقة أقل أو أكثر وذلك اعتمادا على نظام من القواعد والعمليات
والاستعمالات. أما الفلسفة فإنها لا تدعي تفسير الوقائع على طريقة
العلم...فمجال وحقل اشتغالها هو بالفعل مجموع التجربة الإنسانية... ذلك
أن القصد المختفي في كل فلسفة ليس هو تنظيم الوقائع إنما تنظيم
الدلالات ) ص 13.
من جانب آخر يتناول صاحب الكتاب المفهوم الفلسفي ومكوناته
واختلافه عن نطيره في العلم، فالمفهوم في الفلسفة ليس هو الوصول إلى
جواب عن مشكل وإنما هو إعطاء اسم للمشكل ص13، وهذا يؤكد على أن الفلسفة
تتميز بخاصيتين تحليلية ومعمارية في نفس الوقت.
من جهة أخرى يحاول الكاتب التمييز بين الفن والفلسفة لأن العديد
من خصوم الفلسفة والمنتصرين لها على حد تعبير الكاتب يعتبرون أن
الفلسفة تنتمي إلى الفنون الجميلة ويشهدون بأن أفلاطون ونيتشه هي نماذج
مجسدة للفلسفة من حيث أنها أثر فني
لكن الكاتب يجيب عن هذه المفارقة وذلك باعتبار أن العمل الفلسفي لا
يلغي قيمة الأثر الفني لأن ما يبنيه الفنان هو ما يستند إليه عمل
الفيلسوف ذلك أن هذا الأخير يتخذ لنفسه كمهمة تغيير الدلالات المعاشة
التي يبدعها الفنان وجعلها تجريدات مفهومية.
وتبقى الفلسفة على حد قول الكاتب أسلوبا يقوم بعمل تنفيذي، من حيث
استعمالها اللغة من أجل أن تؤثر على الأفكار وتحليل دلالات التجربة
الإنسانية . وينهي الكاتب هذا الفصل باعتبار أن المعرفة الفلسفية تدخل
في حوار مع المعرفة العلمية ، حيث يعمل الفيلسوف على تأويل الفكر
العلمي، وبالتالي اتخاذ موقف من مشاكله الأساسية.
في الفصل الثاني
المعنون ب" الفلسفة نقد ومساءلة " يحاول الكاتب أن يبحث عن مهمة
الفلسفة وذلك بطرح بعض الأسئلة الجوهرية التي تساءل الأصل وبداية فعل
التفلسف وغايته أو موضوعه ، لكي يكشف مساءلة العودة إلى الذات هو
المدخل الجوهري للتعاطي مع أشياء العالم ومعطياته و بديهياته بتبصر
ويقظة.
كما أن الذات هي أول وأساس الانخراط في الفلسفة ، فالفلسفة على حد
تعبير الكاتب تعلمنا كيفية الاقتراب من ذواتنا وكيفية الكلام والتفكير
بمفردنا بدل تفويض أمر عقولنا لغيرنا أو بصيغة أخرى تحاول الفلسفة كفكر
وبيداغوجيا تأثيث إرادتنا في المساءلة والتفكير الحر.
وينتقل الكاتب في هذا الفصل إلى جانب أخر، حيث يتناول الأفكار التي
تقوم ضد الفلسفة من حيث هي سؤال أنطولوجي ونقد معرفي. وأخطر خصم
للتربية الفلسفية هو المقاومة الذاتية الصادرة عن الفرد نفسه ، فهذا
الأخير لا يقتحم حقل الفلسفة . تعلما وتربية وتفلسفا، ذلك أن(فعل
العادة والمألوف والقناعة السائدة يخترق فكره ووجدانه)،
ولهذا على حد قول الكاتب ففعل التفلسف لا يعني إضافة معارف وحقائق لما
قد أصبح راسخا وإنما تكمن مهمته الأساسية في مساءلة هذا الوعي الذاتي
المترسخ، وإعادة النظر في الثقافة الفردية والجماعية وفق ما يقتضيه
العقل اليقظ والفكر المستنير.
في الفصل الثالث:
"الفلسفة ،العودة الدائمة لأسئلة التأسيس. في هذا الباب يطرح الكاتب
بعض التساؤلات التي تحاول الإجابة على البداية أو تأسيس الفعل الفلسفي
وحيث يؤكد الكاتب أن العودة للفلسفة اليونانية القديمة هو خطوة مهمة
لمعرفة الفلسفة كفكر. فالوقوف والتقرب من فلاسفة ونصوص تأسيسية خالدة،
تعلمنا جرأة السؤال وجذرية الملاحظة ، فالعودة إلى الفلسفة اليونانية
في الأولى تستهدف خدمة الحياة ,فالنصوص الفلسفية اليونانية تتميز
بجاذبية خاصة من حيث أسئلتها ومضامينها مشتغلة دائما بالذات وبالعالم
وفي هذا الصدد يتحدث الكاتب الفيلسوف (هيراقليط) وفلسفته القائمة على
التفكير في الوجود والإنسان مبرر عبر تحليلاته الفلسفية مدى تأثير هذه
الفلسفة المعاصرة بصورة أكثر عمقا في مواضيع هامة كالإنسان المغترب
والتغيير ثم بصفة عامة الوجود.
ينتقل الكاتب إلى الباب 2، بعنوان قضايا في بيداغوجيا فلسفته وفي
الفصل الأول :(الخطاب البيداغوجي الضمني في الفلسفة)
، يبرز الكاتب الوجه البيداغوجي للفلسفة باعتبارها ليست فقط مضمونا
ومحتوى فكريا بل هي أيضا طريقة تقديم وعرض ذلك المضمون ومحتوى فكريا بل
هي أيضا طريقة تقديم وعرض ذلك المضمون بمعنى أن الفيلسوف يبني النسق
الفكري وفي نفس الوقت يحسن منهجية بلورة ذلك الفكر وعرضه ونقله إلى
الآخرين ,فبالتالي هنا تقاطع الفلسفي والبيداغوجي .فهذا التقاطع يؤكد
العلاقة بين الفلسفة والبيداغوجيا كمجال قائمين على تحديد الغاية :البيداغوجي
كأسئلة وحوار ومشاركة وفرص والفلسفة كبرهان وحجاج وإقناع منطقي.
من جانب أخر يؤكد الكاتب على وجود علاقات صريحة وضمنية بين
الفلسفة والبيداغوجيا ,وتكمن هذه العلاقات في صور فلسفية معبرة ,نجدها
عند بعض الفلاسفة (كروسو) في (إميل) و (كانط) في كتابه حول (التربية )
ونيتشه حول مستقبل مؤسساتنا التعليمية بمعنى أن الروح الفلسفية تظل
حاضرة في رؤيته التربوية .أما العلاقة الضمنية فقد تتجلى أن كل فيلسوف
يبحث عن أنجع الطرق لتوضيح فكره وتبليغه...على حد قول الكاتب هي
بالضرورة بيداغوجيا لأن لها غاية ومرمى ، ولأن معناها في نهاية المطاف
هو العرض والإفهام والتبليغ.
في هذا الصدد يقدم الكاتب مجموعة العناصر المؤطرة لفضاء الممارسة
التربوية البيداغوجية وهي كالتالي :
- إنها تقوم بالأساس على العمل المنهجي المضبوط بما هو مناقض للتلقائية
والارتجال
- إنها ممارسة ترتبط بالإستراتيجية المحققة للنضج
- إنها أخيرا تقوم على ...كتفاعليتين ذاتيتين
- إنها أخيرا تسعى إلى تتبع نمو قدرات الإنسان بما هو كائن لايولد
مكتملا بقدر ما يحتاج إلى إنضاج قدراته وإخراج قواه من دائرة التضمن
إلى التحقيق.
ويبرز الكاتب في هذا الجانب بعض تجليات البيداغوجيا الضمنية من
خلال بعض النماذج الفلسفية كقواعد المنهج عند ديكارت حيث يعكس وجه
التدخل بين الفلسفة والبيداغوجيا .باعتبار أن البيداغوجيا كبحث يسل
عملية التعليم والتربية عن طريق اهتمامها بدرجة كبيرة بنمو الكائن
ونضج قدراته الذهنية والعاطفية أو أنها بتعبيرآخر تجد في التنظير
الديكارتي معينا أساسيا لرسم طرق وأساليب التربية والتعليم
ومن هنا يجيب الباحث عن سؤال.ما هي ... التي يمكن أن نستخلصها من
خطوات المنهج ...علاقة ذلك بموضوع التربية والبيداغوجية ، حيث
يستنتج الكاتب أن هذه القواعد هامة تجعلنا نطبقها في الممارسة
التربوية داخل الفصل فهي
قواعد مرتبة بشكل دقيق ومنطقي بحيث لايمكن النظر اليها الا وفق هذا
الترتيب، فاذا غيرت قاعدة بأخرى تهدمت التراتبية .
انها تساير الفاعلية الذهنية في تعاملها مع الأشياء ومرورها من
البسيط الى المركب
انها منسجمة مع النمو العقلي والنفسي للانسان.
فقواعد المنهج كما عند"ديكارت" حسا بيداغوجي عكس أن نتادوله في
الممارسة التربوية وتعلم الناشئة على هذه القواعد في تعاملهم مع
الأشياء وذلك بضبط تلك القواعد ؛قاعدة الوضوح ،قاعدة التقسيم
والتحليل ،قاعدة التزكيب،قاعدة المراجعة...
في الفصل الثاني يتناول الكاتب موضوعا، بيداغوجيا فلسفية
جدل الترويض والحرية وينطلق من طرحه لبعض الأسئلة المهمة :
- ما هي الأهداف الحقيقية لأي فعل تربوي عام ,وتعلمي خاص ومن أي
نبع يجب أن تسقى؟
- ما هي الأدوات البيداغوجية المناسبة لتحقيق الأهداف ؟وما هو
مصدرها ومرجعيتها؟
ومن أجل محاولة الاجابة عن هذه التساؤلات يسلط الكاتب الضوء على
العناصر البيداغوجية الفلسفية لدى كل من أفلاطون ونيتشه
فبيداغوجيا الترويض في فلسفة أفلاطون , يعتبرها الكاتب فعلا تربويا
للاستعدادات والقوى الخام للفرد وتوجيهها وجهة محددة تنسجم مع
ثقافة المجتمع السائدة .ويظهر الطابع الترويضي للعمل التربوي
التعليمي.
في الفصل الأخير يعنونه الكاتب بتأملات في انجاز الفيلسوف
...وينطلق في الفصل من طرح بعض الأسئلة الديداكتيكية من قبيل "كيف
بعيش المتعلم علاقته بالفلسفة ومعالمها ؟
ما هي القيم الفكرية والسلوكية التي تقدمها الفلسفة للتلميذ ؟
في هذا الفصل، يحاول الكاتب طراح الجانب الديداكتيكي فيما يخص
مساءلة علاقة الأستاذ -التلميذ- ذلك بالوقوف على بعض الشهادات في
حق "كانط " و"هيجل" و"نيتشه" و"الآن" كفلاسفة ومعلمين؟
يقدمها تلاميذهم ،باعتبار أن علاقة المتعلم بالفلسفة هي شأن يعود
الى ذات المتعلم الذي ينظر من درس الفلسفة الاجابة عن بعض
تساؤلاته.
وكما أن العودة الى الممارسة التدريبية للفلاسفة تشكل نصوص متحركة
تفتح أفاقا رحبة من أجل تعليم الفلسفة وتعلمها باعتبارها هي الأخرى
عدة ديداكتيكات يجب أن يتمتع بها الانسان.
بعد تقديم الكاتب الشهادات في حق هؤلاء الفلاسفة المدرسين من طرف بعض
تلاميذهم .استنتج السؤال التالي: كيف يتعلم المتلقي ، التلميذ وما الذي
يشده اليها(مادة الفلسفة) ؟
فالشهادات على حد تعبير الكاتب تعلن عن أربعة عوالم متمايزة، عوالم
تتغاير بحكم ايقاع ونفس كل عالم على حدة مع "كانط" نحن أمام أستاذ
يغلب على تعليمه "الطابع السلي" ومع "هيغل " أمام تجربة يسودها
الشرح القاطع " وتغيب عنها "الحيوية الظاهرة " في حين أن تجربة
نيتشه التدريبية مكونة بالكلام الجذاب الذي ينسى متكلمه ومستمعه
كل شيء... أما تجربة آلان تورين " فهي تجربة مدرس حريص على متابعة
البحث الخاص والكتابة الخاصة لكل تلميد، انها امكانيات لا متناهية
لانجاز الدرس الفلسفي ، وبالتالي اغناء الكيفيات التي يتعلم بها
التلميذ الفلسفة.
ان هذه الشهادات بصيغة أخرى تعبر عن وعي بيداغوجي وديداكتيكي
باعتبار ان تعليم الفلسفة يبدأ بتملكها، كما تعلمنا هذه الشهادات
ان المتعلم لا ينخرط فعليا في التفكير الفلسفي الا عندما ننقله
اليه. ونحن لا ننجح في ذلك الا بانخراطنا نحن ايضا في جوهر الفكر
الفلسفي نظريا وتدريبيا وامتلاكنا لقدرة تحويل درس الفلسفة الى
فضاء مرئي واضح.
ويستنتج الكاتب من تلك الشهادات الجانب الثابث في تعلم الفلسفة من خلال
شكلين أساسيين:
لا يتعلم التلميذ الفلسفة و ينخرط فيها دون ممارسة آلياتها و
التمرن على تقنياتها، هذه الممارسة وهذا التمرن لا يتمان خارج
الانصات للنصوص وخارج منطق الحوار في شكله الشفوي والكتابي...
ولهذا نحن امام ديداكتيك منظم، أمام مفاهيم المحاورة ، شرح الفقرات
اتشاءات و أبحاث، أطروحات، حجاج...
لا يتعلم التلميذ الفلسفة الا داخل علاقة أخلاقية تتأسس مع
الاعتراف بالتساوي الانطولوجي بين ذوات الفصل الدراسي، علاقة يعترف
فيها المدرس بغيرية التلميذ و ما ينشأ عن ذلك من مسؤولية أخلاقية
... بأن الانسان ليس ماهو عليه ليس خصائص ثابتة بل ما يمكن ان
يصير.
وينهي الكاتب كتابه أن الفلسفة و تعليمها رهينان بالقدرة على
الانخراط فيها، حيث ان تعلم الفلسفة و تعليمها يصبح ايسر كلما
قويت العلاقات بين الاستاذ و التلميذ و بين النصوص الفلسفية، كما
ان محبة الفلاسفة ونصوصهم تخلق امكانية ايجاد وخلق قنوات التواصل
اي التعلم و التعليم، ولذلك يمكن ان نقول أن تعلم وتعليم الفلسفة
يمر عبر الوعي بماهية الفلسفة.
الكتاب:
عبد القادر المذنب، الفلسفة كفكر وبيداغوجيا، السلسلة التربوية،
العدد 11، نشر دار الثقافة، الطبعة الاولى 2000.