في فضيلة التفلسف

" وكنت أبغي بعد ذلك  أن أوجه النظر إلى منفعة الفلسفة و أن أبين أنه ما دامت تتناول كل ما يستطيع الذهن الإنساني أن يعرفه ، فيلزمنا أن نعتقد أنها هي وحدها تميزنا من الأقوام المتوحشين و الهمجيين، و أن حضارة الأمم  و ثقافتها إنما تقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها ، و لذلك فإن أجل نعمة ينعم الله بها على بلد من البلاد هو أن يمنحه فلاسفة حقيقيين. و كنت أبغي أن أبين فوق هذا أنه بالنسبة إلى الأفراد، ليس فقط من النافع لكل إنسان أن يخالط من يفرغون لهذه الدراسة، بل إن الأفضل له قطعا أن يوجه انتباهه إليها و أن يشتغل بها، كما أن استعمال المرء عينيه لهداية خطواته و استمتاعه عن هذه الطريق بجمال اللون و الضوء أفضل بلا ريب من أن يسير مغمض العينين مسترشدا بشخص آخر..."           ديكارت


 

تلخيص كتاب طريقة في تحليل النص الفلسفي لشفيقة الشعبوني بودية

محمد التومي

 

        الكتاب بعنوان " طريقة في تحليل النص الفلسفي" لصاحبته شفيقة الشعبوني بودية عن دار الجنوب للنشر طبعة 2006 تونس , ويتغيا الكتاب تقديم محاولة مصاحبة تدريجية للتلميذ من خلال الخطوات التي يمكنه أن يقوم بها لتحليل نص فلسفي كما هو مطلوب منه في امتحان البكالوريا ويكون دلك محاولة الاهتداء للصعوبات التي تعترضه ومحاولة تذليلها . وليس المقصود بهذا تمكين  التلميذ  من أدوات عمل التي يطبقها في الامتحان بل يرمي الكتاب إلى توضيح مختلف نقاط الغموض فيما يخص التعامل مع النص الفلسفي وكدا الاخد بيد التلميذ لتجاوز الصعوبات التي يمكن ان تعترضه أتناء انجازه عمل مثل تحليل النص الفلسفي لما في دلك من خصوصية ومن التباس وإمكانية للانزلاق في مسارات تجانب المطلوب من تحليل النص وتنساق في سرد المعلومات او اسقاط معارف غير ذات الصلة بالموضوع او في تطبيق آلي  لمهارات اكتسبها في الكتابة عامة  كما يحاول الكتاب الوقوف على الفرق بين الكتابة في موضوع فلسفي . وتحليل النص الفلسفي كما في خصوص القرابة بينهما كما تحاول صاحة الكتاب واستنادا الى تجربة طويلة في تدريس مادة الفلسفة واعتبارا لما لاحظته من مشاكل تعترض التلميد في تحليله للنص الفلسفي . ان تكشف تدريجيا عن كيفية الولوج في خبايا النص و اعادة كتابته .

وينقسم الكتاب الى ثلاث أقسام

§         قسم يفسر مراحل الطريقة المقترحة .

§         قسم طبقت فيه الطريقة المقترحة على بعض النصوص

§         قسم يقد مجموعة من النصوص مصحوبة باسئلة لكي يتدرب التلميذ على ما اكتسب بعد قراءة القسم الأول .

وقد استرعى هدا التقسيم للكتاب وجهة النظر القائلة لا يمكن التقدم لأي تلميذ في العالم لا فيما يسمعه ولا فيما يراه إنما فيما ينجزه لذلك قدم مجموعة من النصوص قصد التدرب عليها حتى يكتمل ستعاب التلميذ الطريقة ويتمكن من خطواتها وتطبيقها بشكل جيد .

ويقدم الكتاب جملة من التصورات القبلية لدى التلميذ حول النص الفلسفي قد يقع في عدة منزلقات ،كأن يعتبر النص منطلقا لإستعراض معلومات او أن المادة مطروحة بين يديه

وما عليه سوى اعاة سيباغتها أي إعادة تكرار ماجاء في النص بطريقة مختلفة أوأن يلتزم بالأسئلة المصاحبة للنص عادة بشكل حرفي ،أوأن ينساق للكاتبة  في موضوع فلسفي عوض التطرق لتحليل النص

عند التحديد هده المنزلقات بشكل مفصل تنتقل الكاتبة الى تحديد الفرق بين المقال الفلسفى وتحليل النص الفلسفي  وتشيرالى أن  لكل واحد  منها خصوصيته التي تحول دون الخلط بينهما من بين هده الخصوصيات أن المقال الفلسفي بناء غير مقيد إلا بفكرة اساسية على خلاف النص الفلسفى الدى يقدم للتلميد بنية متانسقة قدتم تحديد وسائل بنائها من قبل صاحب النص الفلسفي ويتطلب في التعامل معه نوع من الامانة الفلسفية وقد تتضح هده المسالة في قبلية النص الفلسفي لعدة تأويلات مختلفة واحيانا متناقضة

من تم انطلقت الكتابة الى تحديد فخاخ تحليل النص الفلسفي التي قد يقع فيها التلميذ نتيجة عدم فهم النص فهما جيدا كأن يتعلق التلميذ بفقرة معينة من النص ويغفل باقي الفقرات أو تطرق الى النص بشكل فضفاض دون الدخول فيه و الوقوف على بنيته ومفاهيمه وحجاجه ، أوأن يقع التلميذ في النسخ ومعناه أن ينحل التلميذ جمل من النص ويكتفي بالتعليق عليها. وهناك أيضا الإفراط في التفصيل كأن يقف التلميذ عند كل كلمة لشرحها مغفلا ضرورة التطرق للنص كبنية متجانسة , أو محاكاة النص وتعني أن يعيد التلميذ كتابة النص فقط يغير مصطلح بآخر.

عند التفصيل في هده الفخاخ التي قد تحول دون التطرق للنص بشكل جيد انتقلت الكاتبة إلى تبيان معنى تحليل النص الفلسفي حيت قالت " إن النص هو وحدة معنوية لها بداية ونهاية رغم انه مقتطع من نص أطول .وهو ينطوي على شبكة من الوحدات المعنوية الصغرى التي تتآلف لتساهم في بناء وحدة النص المعنوية . ويربط هده الشبكة نسيج من العلاقات العضوية يكون هيكل النص الشكلي. وتعبر على كل  من الوحدة المعنوية وعن كل المفاهيم الخاصة التي وضعت من أجل تقديم نظرية خاصة بكاتب النص" ص 12

كما أن النص غالبا ما يصحب بأسئلة توجه التلميذ في الاتجاه الصحيح حتى لا يجنح عن فحوى النص فالسؤال إذن يقوم بدور اتارة الانتباه إلى النقط التي يجب التركيز عليها عند تحليل النص و قد تساعد التلميذ في تحليله باعتبار هده الأسئلة منطلق و غاية أثناء تحليله للنص كما قد تحيل بعض الأسئلة على روافد خارجية يمكن استدعائها لفهم النص بشكل مستوفي. وانتقلت الكاتبة إلى شرح معنى التحليل،ففي اللغة (يقال حل العقدة أي فكها فانفكت,كما يقال حل العقد أي فتحه) وإنما لا يشير التحليل إلى فك الممتنع و المركب من الشبئ،وهدا ما نجده في النص الفلسفي فغالبا ما يكون دو طبيعة مركبة و استشكاليه و التلميذ مطالب بتعامل مع هدين النقطتين المميزتين للنص الفلسفي,وقد يخلط التلميذ بين التحليل و الشرح إلا أن هناك فرق بينهم كما حدده رولان بارت : إن الشرح هو تصديع النص بدل لم شتاته.لأنه يتعلق بالدال،أما التحليل الذي يتعلق بالمدلول فهو منتج للنص لا مجرد مستهلك له. ص 13

العمل التحضيري لتحليل النص الفلسفي.

1- قراءة النص :  فيما يتعلق بقراءة النص قد يقع التلميذ في جملة من المنزلقات تحول وفهمه للنص مثل اعتقاد التلميذ أن النص هو جرد لمجموعة من الأفكار الجاهزة للاستهلاك وما عليه إلى أن  يلوك هده الأفكار بطريقة مغايرة لما جاءت عليها في النص .

أو كأن بقراء التلميذ النص قراءة سريعة ليعجل بتقيمة فتقديم أفكاره الخاصة وكلما درسه,ويعتقد انه يصب في موضوع النص, بيد أن قراءة النص الفلسفي تطالب فكر التلميذ بالتواضع حيال النص دون التفكير فيما هو خارجي عنه , إنها تدعوه إلى فهم الآخرين . وهي عملية صعبة بقدر ما هي مترية .

وفهم أي نص لأي فيلسوف لا يشترط الإلمام بفلسفته بالضرورة وإنما مصاحبته من خلال النص قصد التمكن من كيفية بناء النص والأدوات المستعملة في دلك. فالتطرق للنص تتطلب فكرا مستقلا خاليا من أي تصورات وأفكار قبلية قد يحاول التلميذ إسقاطها على النص .

 إن النص على حد تعبير رولان بارت "مجرة من الدوال" ويستعمل بارت هدا الوصف ليكشف عن البعد التأويلي للقراءة , كل تأويل يرتبط بضرورة بمنطق معين للقارئ , وهناك عمليتان يساعدان على فهم النص ، الأولى هي القراءة الخطية وتتلخص في الانتباه لمختلف الروابط والعلامات الترميزية << حروف العطف ، النواسخ، الاستدراك،الاستثناء,التعجب ...والاستفهام النقط ,الفواصل ....>>  أما الثانية فهي القراءة المعنوية من خلالها يقف المحلل على مختلف الأفكار التي تمكنه من الاهتداء إلى فهم النص وتحديد أطروحته فالمشكل الدي يطرحه.

2- تبويب ما حصل فهمه : انطلاقا من فهم النص فهما مستفيضا بدون أي إسقاطات خارجية أو أفكار قبلية يمكن أن تحول والوصول إلى صلب موضوع النص .عندها يمكن للتلميذ أن يحدد الموضوع الذي يخوض فيه النص . رغم أن البحت في أي موضوع فلسفي يمكن أن يحصل من عدة زوايا تجعل المواقف تختلف في الموضوع الواحد من فيلسوف لأخر, ما ينتج عنه أطروحات متباينة . بيد أن لنص الواحد أطروحة واحدة أطروحة صاحب النص التي قد تبنى أحيانا انطلاقا من تجاوز أطروحة أخرى تسمى الأطروحة النقيضة . وتمثل الأطروحة الموقف الذي وصل إليه صاحب النص في تطرقه لموضوع ما أي الفكرة التي تبناها ودافع عنها وقدم في سبيل دلك حجاج بغية الإفاضة في التوضيح والتبرير والتعزيز لما جاءت به أطروحته في النص. وإجازا أطروحة النص ليست سوى الفكرة الموجهة للنص والتي حيكت حولها الافكارالفرعية, والتى عمل الكاتب على التدليل عليها" ص20 انطلاقا من الإشكالية التي يقدم النص حلا لها وهو مادفع صاحب النص إلى كتابة نصه. لكن كيف نهتدي إلى إشكالية النص؟ لاشك أن القراءة الجيدة  والمستفيضة تمكن من التواصل إلى أطروحة النص هده الأطروحة تكون بدورها إجابة عن إشكالية النص .

3- الدراسة المفهومية: المطلوب من التلميذ في هده المرحلة هو الاهتداء إلى شبكة المفاهيم الواردة في النص . هده المفاهيم تكون بمثابة المفاهيم التي بها يمكن الدخول إلى منطوق النص, وبالتالي يمكن اعتبار التلميذ قد استوعب البنية المفاهيمية للنص عندما يفهم النص وهو واع بان الكلمة لا تحتمل معناها في ذاتها وإنما في علاقاتها بما يجاورها وبفكرة صاحب النص ككل .

4- رهانات النص :  يطلق اسم "الرهانات" على تلك التأثيرات والنتائج الممكنة. هده الرهانات تشير إلا أن أطروحة وأفكار صاحب النص ليست ذات بعد نظري بل مرتبطة بالواقع . تنحوا إلى إبراز وجهة نظره أو موقفه تجاه وضع مرتبط بالواقع  ومتأثر به .

5- التقويم أو النقاش : يشمل النقاش أو التقويم مهمتين الأولى الإعلان عن المكاسب الفلسفية للنص والثانية تسطير الحدود الفكرية له . فهده الخطوة تبين وبشكل واضح مدى فهم التلميذ للنص ووضعه له في سياقه الفلسفي والتاريخي . كما يساعد النقاش على فهم التلميذ لحدود النص وانه ليس حقيقة مطلقة بل طرح يتبناه فيلسوف بعينه قد يخالفه فيه فيلسوف أخر حيت لا يجب الاعتقاد بصدق ما قاله صاحب النص بشكل مطلق . بل تزيل الستار عنه وتجعله تحت مجهر النقد والمقارنة مع مواقف أخرى.

 مراحل انجاز المقال

كتابة المقال تستهدف تقديم ما حصل فهمه إلى القارئ بطريقة منظمة وممنهجة تبرز مدى فهمه وتمكنه من النص الذي قام بتحليله. فالتلميد في انجازه لمقال حول نص ما يتحول بدوره إلى منتج لمادة معرفية ستخدع للتحليل بدورها من طرف مصحح كما يجري في الامتحان .

1 – المقد مة

تعتبر المقدمة بمثابة مدخل للجوهر.في تمهيدها لما سيتم التطرق إليه لاحقا . ولها أهمية كبرى رغم اقتصارها على بضعة أسطر . من حيت إبرازها لمدا تمكن التلميذ من الموضوع الذي سيخوض فيه وفي علاقتها بالنص حيت تكون بمثابة رؤية بنو رامية لما سيتم الحديث عنه ومن حيت علاقاتها بالقارئ حيت تعمل على اتارة اهتمامه  وتوضيح مقاصد المقال بالنسبة له . وتنقسم المقدمة إلى ثلاث خلفيات رئيسية :

أ - مقدمة المقدمة أو التمهيد: يمهد فيه التلميذ لمشكل النص الذي هو بصدده كأن يدكر الموضوع الذي يتناوله صاحب النص.

ب - الاعلان عن المشكل الفلسفي: يبين المحرر مند المقدمة انه لن يتطرق لمشكل النص بشكل ذاتي بل سيحلل موقف صاحب النص مبرزا الإشكال الذي تبناه وأطروحته حول هدا الإشكال  والإعلان عن إشكال النص وأطروحته مند البداية يبين للمصحح مدى فهم التلميذ للنص مند البداية ويجعله يترقب كيف يتعامل التلميذ مع بنية النص ككل واعيا بفهمه الجيد للنص ولما يريد الكاتب تبليغه في هدا النص .

ج – الجوهر:  بعد أن يتمكن التلميذ من مختلف جوانب النص في المرحلة التحضيرية سيقوم في الجوهر بعرض مقاربته فيما يخص هده الأفكار ولدلك ينتج التلميذ مقال معتمدا على أطروحة النص حتى يستطيع القارئ إعادة التفكير في النص انطلاقا من هدا المقال لينتقل إلى المناقشة التي لا تعني رفضا أو قبولا لما جاء في النص وإنما فتح آفاق التفكير حتى لا يعتبر ما جاء  في النص نوع من الحقيقة المطلقة دغمائية.

د – الخاتمة : لا يجب إغفال ما للخاتمة من أهمية من الناحية البيداغوجية والخطابية ، الأولى باعتبارها إعلان عن انتهاء المحرر من الموضوع والثانية تشير إلى الأسلوب الذي يلجأ إليه المحرر لإنهاء المقال , لدلك فهي لا تعتبر اجترار لما تم ذكره بل مرحلة أساسية في تحوير المقال , يقوم فيها المحرر بإعطاء حصيلة لموقفه من النص قد يفتح فيها باب التأمل عن نفس الموضوع من زاوية مغايرة أو يبين إمكانية التطرق إليه وإعادة النظر فيه من زاوية أخرى .

و  - التعبير: يعتبر الاسلوب الجيد في تحرير المقال أمرا ضروريا , وفي الخاتمة على الخصوص لأنها بمثابة تتويج لما تم عرضه لدلك يجب أن يكون التعبير عند تحرير المقال واضحا تماما غير مبتور .

ه -  التقديم المادي: في هدا المحور سنشير إلى مختلف الجوانب في تحرير المقال كوضع الخط و مراعاة التنسيق بين الفقرات و احترام الحيز المخصص للكتابة و الهامش , والفصل بين الفقرات واستعمال أدوات التنقيط والرجوع إلى السطر من فقرة إلى أخرى و الاعتناء بتوازن أجزاء التحرير حتى تعبر عن تفكير متدرج وتبقى مدى إمكانية تطبيق هده الخطوات و الملاحظات وقدرة التلميذ على التحليل و ثرائه المعرفي واللغوي هما المعاير لجودة المقال ولحسن التعامل مع النص الفلسفي.و بهدا نكون قد أعطينا فكرة واضحة عن ما جاء في كتاب "طريقة في تحليل النص الفلسفي"  والدي قدمة جملة من المقترحات لكي يتمكن التلميذ من الوصول إلى كتابة موضوع شبه متكامل فيما يخص التعامل مع النص الفلسفي .

 

 

مع تحيات موقع تفلسف

tafalsouf.com

---

من نحن | راسلونا | بحث

---

عودة إلى صفحة الكتب

---

رجوع إلى صفحة الاستقبال