في فضيلة التفلسف

" وكنت أبغي بعد ذلك  أن أوجه النظر إلى منفعة الفلسفة و أن أبين أنه ما دامت تتناول كل ما يستطيع الذهن الإنساني أن يعرفه ، فيلزمنا أن نعتقد أنها هي وحدها تميزنا من الأقوام المتوحشين و الهمجيين، و أن حضارة الأمم  و ثقافتها إنما تقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها ، و لذلك فإن أجل نعمة ينعم الله بها على بلد من البلاد هو أن يمنحه فلاسفة حقيقيين. و كنت أبغي أن أبين فوق هذا أنه بالنسبة إلى الأفراد، ليس فقط من النافع لكل إنسان أن يخالط من يفرغون لهذه الدراسة، بل إن الأفضل له قطعا أن يوجه انتباهه إليها و أن يشتغل بها، كما أن استعمال المرء عينيه لهداية خطواته و استمتاعه عن هذه الطريق بجمال اللون و الضوء أفضل بلا ريب من أن يسير مغمض العينين مسترشدا بشخص آخر..."           ديكارت


 

تلخيص كتاب مناهج البحث عند مفكرين الإسلام لعلي سامي النشار

محمد غنامي

 

 "مناهج البحث عند مفكرين الإسلام"، هو بمثابة موضوع لرسالة الحصول على الماجستير، حيث حاول علي سامي النشار ضمن هذا الكتاب إلى إثارة الانتباه إلى المنهج، حيث قام بدراسة التراث المنهجي الإسلامي في علاقته بالفكر اليوناني، و ذلك لمحاولة كشف الحركة الفكرية التي سادت العالم الإسلامي و التي أدت إلى الكشف عن هذا المنهج.

 إن أول ما عرف المسلمون من تراث اليونان هو المنطق، خصوصا في عهد بني أمية، حيث كانت الحرية الفكرية ميزة الحكم الإسلامي بل أكثر من ذلك انفتاح المسلمين على الفلسفة اليونانية و في مقدمتها منطق أرسطو ، وأيضا أباء الكنيسة في الشام و ثقافتهم ، و قد وقف علي سامي النشار على دلائل علم المسلمين بالمنطق اليوناني في عهد ابن أمية ، وعهد عصر ابن أمية نبعت الترجمة إلى الفارسية ثم إلى العربية (جعفر المنصور يحي بن عدي الذي شهيرة بالمنطقي و ذلك لشهرته في ترجمة المنطق ) في حين يؤكد علي سامي النشار ان منطق الرواقين لم يصل ألينا وان كانت مجموعة من أراء الرواقين قد انتقلت بطريقة غير مباشرة ، و يشير أيضا انه قد أضفت لترجمة أرسطو مجموعة من الإضافات من طرف الشرح  و ذلك من مصادر متعددة .

وقد انقسم فلاسفة الإسلام في مسالة التراث اليوناني إلى قسمين :

فهناك قسم شرح التراث اليوناني فقبلوه كوحدة فكرية و اعتبروه قانون العقل ، وهناك فريق من الأصوليين و المتكلمين مالوا إلى الرواقين و رفضوا كثيرا من منطق أرسطو ، بينما أهل السنة و الجماعة وقفوا وقفة عداوة مع التراث الأرسطي .

و هذا البحث يقسمه النشار إلى خمسة أبواب، و كل باب يتضمن مجموعة من الفصول، و في بداية كل فصل يكون مرفق بمقدمة و خاتمة جامعة .

فالباب الأول، معنونا ب "منطق أرسطو بين أيدي الشرح و الملخصين الاسلامين " و يضم هذا الباب ثلاثة فصول ، الأول يتناول مسائل المنطق العامة . ويتناول فيه النشار المسائل العامة التي دخلت في منطق الشرح الاسلامين و لم تكن عند أرسطو والتي كانت سبب اختلافهم و هي مسائل تتعلق بطبيعة المنطق ، هل هو جزء من الفلسفة أم لا .و المسالة الثانية تتعلق بصورية المنطق .

لينتقل بعد ذلك إلى الفصل الثاني و ذلك بالوقوف عند موقف المسلمين من مباحث التصور و التصديق عند اليونان ، و منطق الشرح ينقسم إلى قسمين : التصور و التصديق ، فالأول ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

1-البحث في الألفاظ من حيث صلتها بالمعاني .

2- البحث في المعنى ذاته.

3- الوصول إلى معنى الحد و هو العنصر الجوهري من التصورات .

أما الفصل الثالث فيتناول فيه النشار مبحث التصورات و هذا الأخير يتكون من مبحثين ، مبحث القضايا و مبحث الاستدلال، أما الأول و قد خصص له أرسطو كتابا  وهو "العبارة " و تناوله المسلمون بالشرح و التفصيل، و أضفوا إليها أبحاث أخرى ، وهي تقسيم القضايا إلى حملية و شرطية ، و مبحث الاستدلال و يشمل عند الاسلامين الطرق العقلية  و القياس ، الاستقراء و التمثيل .

و ينتقل علي سامي النشار بعد الحديث في الباب الأول عن منطق أرسطو بين أيدي الشرح و الملخصين الاسلامين إلى الحديث في الباب الثاني عن موقف الاصولين من المنطق الأرسطي حتى القرن الخامس،  حيث يقسم هذا الباب إلى ثمانية فصول ، الأول يتناول فيه موقف علماء أصول الفقه من المنطق الأرسطي حتى القرن الخامس حيث أول مسالة يثيرها هنا النشار هو أن علم الأصول بالنسبة إلى الفقيه كاعتبار المنطق بالنسبة للفلسفة ، فالأصول هو منهج البحث عند الفقيه أو هو منطق مسائله أو بمعنى أوسع "هو قانون عاصم لذهن الفقيه من الخطأ في الاستدلال على الأحكام". لكن هل تأثر علم الأصول بالمنطق الفلسفي؟

يجمع مؤرخو علم الأصول أن أول محاولة لوضع مباحث الأصول كعلم نجدها عند الشافعي و تستند هذه الفكرة إلى علل ثلاثة:

-إن أقدم ما وصل ألينا مكتوبا من المنهج الأصولي هو رسالة الشافعي.    - براعة وضع المنهج عند الشافعي.

- ثم نشر هذه الفكرة تمجيدا للشافعي.

و يمكن العودة بها إلى الصحابة (ابن العباس...) و لم يقف المنهج الأصولي ساكنا بل تطور على أيدي مدرسة القياس على العموم و في العراق على الخصوص، و من الخطأ القول أن هذا التطور حدث بفعل تأثيرات أجنبية، و قد وصل المنهج بعد ذلك إلى المدرسة الحنفية، و قد أقام الأحناف الأصول على الفروع و لم يقيموا الفروع على الأصول، وقد اعتبر الشافعي في العالم الإسلامي و في الدراسات الإسلامية مقابلا لأرسطو في العالم الهيليني و في الدراسات اليونانية.

       لكن هل يمكن إيجاد عوامل أثرت عليه، كالمنطق الأرسطي مثلا، على اعتبار أن :

المنطق كان قد نقل إلى العالم الإسلامي في عصر الشافعي ، أيضا معرفة الشافعي للغة اليونانية، بالإضافة إلى أن هناك نقاط التقاء بين منطق أرسطو  و الشافعي.

ولم يكن موقف الشافعي من المنطق الأرسطي سلبيا فحسب فاقتصر على عدم التأثر بالمنطق الأرسطي بل كانت فيه ناحية ايجابية هي مهاجمة المنطق الأرسطي مهاجمة شديدة تصل إلى حد التحريم و علل ذلك:

           استناد المنطق الأرسطي إلى اللغة اليونانية، و اللغة اليونانية مخالفة للغة العربية .

وقد استمرت رسالة الشافعي سنوات طويلة تسيطر على المناهج الأصولية في العالم الإسلامي، أما التطور الحقيقي في علم أصول الفقه فقد حدث تحت تأثير  حركة فكرية جديدة  و بدء المتكلمين في التصنيف فيه ، ومن هنا فعلماء الأصول انقسما إلى قسمين: اصولين فقهاء واصولين متكلمين أما الأول فقد امتزجت كتاباتهم الأصول بالفقه و كثر تفريع المسائل الجزئية،  أما القسم الثاني  وهم المتكلمون أشاعرة كانوا أو معتزلة، و هنا نرى محاولة عقلية بحتة تقوم على التجريد القواعد العامة من المسائل الفقهية و تستند في هذا إلى الاستدلال العقلي و البرهنة النظرية. ويعتر الغزالي المازج الحقيقي للمنطق الأرسطي بعلوم المسلمين، حيث ذكر "انه من لا يحيط بالمنطق الأرسطي فلا ثقة بعلومه قطعا "، و منذ ذلك الحين بدا الأصوليون المتكلمون يتأثرون بالمنطق الأرسطي.

هكذا إذن تكون هذا المنهج – أصول الفقه – منذ العصر الأول حتى وصل إلى يد الشافعي، فأقامه علما متفق الأجزاء، متناسق الأطراف و لم يتأثر   بمناهج البحث اليوناني ثم انقسم بعد ذلك إلى قسمين، علم أصول الفقه و علم أصول الكلام، و في كلا القسمين لم يتأثر بالبحث اليوناني إلا مع القرن الخامس فمزج المسلمون المنطق بالأصول .

و ينتقل النشار في الفصل الثاني –المتكلمين من المنطق الأرسطي حتى القرن الخامس - إلى أن المتكلمين في العصر الكلامي الأول حول تكوين المنهج موقف مزدوج :

أولا: رفض المنطق الأرسطي كمنهج للبحث و مهاجمته ثانيا بمنهاج إسلامي خاص وضع أسسه علماء أصول الفقه، وتناوله المتكلمون بالزيادة و التعديل، وقد استمر هذا المنهج في الفترة الأولى في جميع دوائر المتكلمين بمعزل عن المنطق الأرسطي أما مزج المنطق الأرسطي بعلم الكلام و العلوم الإسلامية على العموم فبدا في اوخر القرن الخامس على أيدي المتأخرين من المتكلمين، و كان هذا على يد الغزالي وعدم قبول المتكلمين بمنطق أرسطو يرجع إلى متافيزيقاته ومن مناهج البحث.

    أما في الفصل الثالث – منطق الاصولين مبحث الحد الأصولي _

فالسؤال هنا ما هو هذا المنطق الذي استخدموه الاصولين ؟

هذا المنطق الأصولي في الحقيقة، هو منهج من مناهج البحث العلمي الذي وضعه الاصوليون كي يسروا عليه في أبحاثهم، وكانت أميز صفائه انه يخلو من مباحث الميتافيزيقا وخلوه من الناحية الميتافيزيقية جعله منطقيا عمليا يتفق مع الحاجة الإنسانية العملية و ينقسم المنطق  إلى مبحثين الأول  وهو مبحث الحد و الثاني وهو مبحث الاستدلالات.

إن الحد عند أرسطو المعروف للماهية أو الذات أو الجواب الصحيح في سؤال ما هو، إذا أحاط المسئول عنه، هذا التعارف كلها ميتافيزيقا لم يقبلها الأصوليون و اورادوا اعتراضين:

إن الحد قد يكون ذلك من غير أن يكون هناك سؤال. أن الحد ليس معرفة للماهية، وهنا اتجاه في تعريف الحد يخالف الحد الأرسطي، و الثاني هو مباحث الاستدلال أو أدلة العقول و هي القسم الثاني من المنطق الإسلامي و قد اعتبره المسلمون بمثابة مباحث  الاستدلال عند الارسطاليس فكانت منهجا للبحث العلمي استخدمها الاصوليون علماء الكلام و علماء أصول الفقه،  وتنقسم مصادر هذا المباحث إلى قسمين، نوع وصلت إلينا مصادره، وهو القياس ونوع لم يصل إلينا، ومن خلال هذين القسمين يتبين عبقرية المسلمين في التوصل إلى المنهج الاستقرائي في اكمل صوره، فقد اقموا اكبر طرق البحث العلمي عندهم على قانونين طبيعيين  هما: قانون العلة و قانون الإطراء  في وقوع الحوادث ثم اشترطوا للعلة شروطا ووضعوا مسالك لم يسبقوا بها المحدثين في وضعهم لقوانين الاستقراء و طرقه، وقاموا على التجربة و اعتبروا التجربة موصلة إلى اليقين.

 و ينتقل في الفصل الخامس إلى الحديث عن  الطرق الإسلامية حيث سيبحث على سامي النشار بعض الطرق الأخرى استخدمها المسلمون في أبحاثهم و اخذوا  بها قبل نهاية القرن الخامس الهجري، و أصحاب تلك الطرق فيهم الاشاعرة، و من المحتمل إن يكون المعتزلة استخدموها أيضا  وهذا احتمل يصل إلى ابن رشد و أول هذه الطرق هو "قياس الغائب على الشاهد" وهذا القياس هو القياس الأصولي وهو الأصل عند الأصوليون، الطريق الثاني هو "استخلاص النتيجة من المقدمة" حيث تكون المقدمة ضرورية و النتيجة ضرورية كقولنا "الجوهر لا يخلو من حوادث" .

هناك أيضا الاستدلال المتفق عليه على المختلف فيه و يمثلون له بالقياس الألوان على الأكوان في استحالة تعري الجوهر عنها، و الطريق الرابع هو السير و التقسيم و اللازمات و أخيرا بطلان الدليل يؤدي إلى بطلان المدلول.

     حسب علي النشار في  -الفصل السادس نقد المتكلمين لقانون الفكر الأرسطي-  أن الاصولين، لم يقبلوا المنطق الأرسطي و أنهم أقاموا منطقا جديدا يعارضه و قد دعاهم هذا إلى مهاجمة بعض المفكرين الإسلام لهذا المنطق في أسسه وهذا الأساس هو البديهيات التي يقوم عليه وهي القوانين العلاقة المشهورة "قانون الذاتية"، وقد عرفه باسم الهوية وهي قانون، اي عدم الجمع بين المتناقضين، أي قانون عدم التناقض و صورته الشرطية مبدأ قانون ارتفاع النقيضين أي قانون الوسط ، ونقد الاصولين لهذين المبدأين شبه إلى حد اتجاه المناطقة المعاصرين في القرن العشرين لنقد هذين القانونين.

و في الفصل السابع   -نقد قانون العلية الارسططاليس-  لقد اعتبر أرسطو قانون العلية من المقدمات الأولية بإطلاق ، فلا يمكن القدح في بداهته  وقد عالج أرسطو العلية لا على أنها فقط مبدأ أو مشكلة طبيعية أو ميتافيزيقيا، بل على أنها قانون عقلي منطقي تستند عليها أبحاث المنطق جميع وقد انتقلت الفكرة في أبحاث أرسطو إلى العالم الإسلامي ووجدت قبول لدى مدرسة المشائية. لكن سرعان ما وفق مفكرو الإسلام –الاشاعرة – من العلية موقف إنكار لها و الهجوم عليها.

 

  "مناهج البحث عند مفكرين الإسلام"، هو بمثابة موضوع لرسالة الحصول على الماجستير، حيث حاول علي سامي النشار ضمن هذا الكتاب إلى إثارة الانتباه إلى المنهج، حيث قام بدراسة التراث المنهجي الإسلامي في علاقته بالفكر اليوناني، و ذلك لمحاولة كشف الحركة الفكرية التي سادت العالم الإسلامي و التي أدت إلى الكشف عن هذا المنهج.

 إن أول ما عرف المسلمون من تراث اليونان هو المنطق، خصوصا في عهد بني أمية، حيث كانت الحرية الفكرية ميزة الحكم الإسلامي بل أكثر من ذلك انفتاح المسلمين على الفلسفة اليونانية و في مقدمتها منطق أرسطو ، وأيضا أباء الكنيسة في الشام و ثقافتهم ، و قد وقف علي سامي النشار على دلائل علم المسلمين بالمنطق اليوناني في عهد ابن أمية ، وعهد عصر ابن أمية نبعت الترجمة إلى الفارسية ثم إلى العربية (جعفر المنصور يحي بن عدي الذي شهيرة بالمنطقي و ذلك لشهرته في ترجمة المنطق ) في حين يؤكد علي سامي النشار ان منطق الرواقين لم يصل ألينا وان كانت مجموعة من أراء الرواقين قد انتقلت بطريقة غير مباشرة ، و يشير أيضا انه قد أضفت لترجمة أرسطو مجموعة من الإضافات من طرف الشرح  و ذلك من مصادر متعددة .

وقد انقسم فلاسفة الإسلام في مسالة التراث اليوناني إلى قسمين :

فهناك قسم شرح التراث اليوناني فقبلوه كوحدة فكرية و اعتبروه قانون العقل ، وهناك فريق من الأصوليين و المتكلمين مالوا إلى الرواقين و رفضوا كثيرا من منطق أرسطو ، بينما أهل السنة و الجماعة وقفوا وقفة عداوة مع التراث الأرسطي .

و هذا البحث يقسمه النشار إلى خمسة أبواب، و كل باب يتضمن مجموعة من الفصول، و في بداية كل فصل يكون مرفق بمقدمة و خاتمة جامعة .

فالباب الأول، معنونا ب "منطق أرسطو بين أيدي الشرح و الملخصين الاسلامين " و يضم هذا الباب ثلاثة فصول ، الأول يتناول مسائل المنطق العامة . ويتناول فيه النشار المسائل العامة التي دخلت في منطق الشرح الاسلامين و لم تكن عند أرسطو والتي كانت سبب اختلافهم و هي مسائل تتعلق بطبيعة المنطق ، هل هو جزء من الفلسفة أم لا .و المسالة الثانية تتعلق بصورية المنطق .

لينتقل بعد ذلك إلى الفصل الثاني و ذلك بالوقوف عند موقف المسلمين من مباحث التصور و التصديق عند اليونان ، و منطق الشرح ينقسم إلى قسمين : التصور و التصديق ، فالأول ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

1-البحث في الألفاظ من حيث صلتها بالمعاني .

2- البحث في المعنى ذاته.

3- الوصول إلى معنى الحد و هو العنصر الجوهري من التصورات .

أما الفصل الثالث فيتناول فيه النشار مبحث التصورات و هذا الأخير يتكون من مبحثين ، مبحث القضايا و مبحث الاستدلال، أما الأول و قد خصص له أرسطو كتابا  وهو "العبارة " و تناوله المسلمون بالشرح و التفصيل، و أضفوا إليها أبحاث أخرى ، وهي تقسيم القضايا إلى حملية و شرطية ، و مبحث الاستدلال و يشمل عند الاسلامين الطرق العقلية  و القياس ، الاستقراء و التمثيل .

و ينتقل علي سامي النشار بعد الحديث في الباب الأول عن منطق أرسطو بين أيدي الشرح و الملخصين الاسلامين إلى الحديث في الباب الثاني عن موقف الاصولين من المنطق الأرسطي حتى القرن الخامس،  حيث يقسم هذا الباب إلى ثمانية فصول ، الأول يتناول فيه موقف علماء أصول الفقه من المنطق الأرسطي حتى القرن الخامس حيث أول مسالة يثيرها هنا النشار هو أن علم الأصول بالنسبة إلى الفقيه كاعتبار المنطق بالنسبة للفلسفة ، فالأصول هو منهج البحث عند الفقيه أو هو منطق مسائله أو بمعنى أوسع "هو قانون عاصم لذهن الفقيه من الخطأ في الاستدلال على الأحكام". لكن هل تأثر علم الأصول بالمنطق الفلسفي؟

يجمع مؤرخو علم الأصول أن أول محاولة لوضع مباحث الأصول كعلم نجدها عند الشافعي و تستند هذه الفكرة إلى علل ثلاثة:

-إن أقدم ما وصل ألينا مكتوبا من المنهج الأصولي هو رسالة الشافعي.    - براعة وضع المنهج عند الشافعي.

- ثم نشر هذه الفكرة تمجيدا للشافعي.

و يمكن العودة بها إلى الصحابة (ابن العباس...) و لم يقف المنهج الأصولي ساكنا بل تطور على أيدي مدرسة القياس على العموم و في العراق على الخصوص، و من الخطأ القول أن هذا التطور حدث بفعل تأثيرات أجنبية، و قد وصل المنهج بعد ذلك إلى المدرسة الحنفية، و قد أقام الأحناف الأصول على الفروع و لم يقيموا الفروع على الأصول، وقد اعتبر الشافعي في العالم الإسلامي و في الدراسات الإسلامية مقابلا لأرسطو في العالم الهيليني و في الدراسات اليونانية.

       لكن هل يمكن إيجاد عوامل أثرت عليه، كالمنطق الأرسطي مثلا، على اعتبار أن :

المنطق كان قد نقل إلى العالم الإسلامي في عصر الشافعي ، أيضا معرفة الشافعي للغة اليونانية، بالإضافة إلى أن هناك نقاط التقاء بين منطق أرسطو  و الشافعي.

ولم يكن موقف الشافعي من المنطق الأرسطي سلبيا فحسب فاقتصر على عدم التأثر بالمنطق الأرسطي بل كانت فيه ناحية ايجابية هي مهاجمة المنطق الأرسطي مهاجمة شديدة تصل إلى حد التحريم و علل ذلك:

           استناد المنطق الأرسطي إلى اللغة اليونانية، و اللغة اليونانية مخالفة للغة العربية .

وقد استمرت رسالة الشافعي سنوات طويلة تسيطر على المناهج الأصولية في العالم الإسلامي، أما التطور الحقيقي في علم أصول الفقه فقد حدث تحت تأثير  حركة فكرية جديدة  و بدء المتكلمين في التصنيف فيه ، ومن هنا فعلماء الأصول انقسما إلى قسمين: اصولين فقهاء واصولين متكلمين أما الأول فقد امتزجت كتاباتهم الأصول بالفقه و كثر تفريع المسائل الجزئية،  أما القسم الثاني  وهم المتكلمون أشاعرة كانوا أو معتزلة، و هنا نرى محاولة عقلية بحتة تقوم على التجريد القواعد العامة من المسائل الفقهية و تستند في هذا إلى الاستدلال العقلي و البرهنة النظرية. ويعتر الغزالي المازج الحقيقي للمنطق الأرسطي بعلوم المسلمين، حيث ذكر "انه من لا يحيط بالمنطق الأرسطي فلا ثقة بعلومه قطعا "، و منذ ذلك الحين بدا الأصوليون المتكلمون يتأثرون بالمنطق الأرسطي.

هكذا إذن تكون هذا المنهج – أصول الفقه – منذ العصر الأول حتى وصل إلى يد الشافعي، فأقامه علما متفق الأجزاء، متناسق الأطراف و لم يتأثر   بمناهج البحث اليوناني ثم انقسم بعد ذلك إلى قسمين، علم أصول الفقه و علم أصول الكلام، و في كلا القسمين لم يتأثر بالبحث اليوناني إلا مع القرن الخامس فمزج المسلمون المنطق بالأصول .

و ينتقل النشار في الفصل الثاني –المتكلمين من المنطق الأرسطي حتى القرن الخامس - إلى أن المتكلمين في العصر الكلامي الأول حول تكوين المنهج موقف مزدوج :

أولا: رفض المنطق الأرسطي كمنهج للبحث و مهاجمته ثانيا بمنهاج إسلامي خاص وضع أسسه علماء أصول الفقه، وتناوله المتكلمون بالزيادة و التعديل، وقد استمر هذا المنهج في الفترة الأولى في جميع دوائر المتكلمين بمعزل عن المنطق الأرسطي أما مزج المنطق الأرسطي بعلم الكلام و العلوم الإسلامية على العموم فبدا في اوخر القرن الخامس على أيدي المتأخرين من المتكلمين، و كان هذا على يد الغزالي وعدم قبول المتكلمين بمنطق أرسطو يرجع إلى متافيزيقاته ومن مناهج البحث.

    أما في الفصل الثالث – منطق الاصولين مبحث الحد الأصولي _

فالسؤال هنا ما هو هذا المنطق الذي استخدموه الاصولين ؟

هذا المنطق الأصولي في الحقيقة، هو منهج من مناهج البحث العلمي الذي وضعه الاصوليون كي يسروا عليه في أبحاثهم، وكانت أميز صفائه انه يخلو من مباحث الميتافيزيقا وخلوه من الناحية الميتافيزيقية جعله منطقيا عمليا يتفق مع الحاجة الإنسانية العملية و ينقسم المنطق  إلى مبحثين الأول  وهو مبحث الحد و الثاني وهو مبحث الاستدلالات.

إن الحد عند أرسطو المعروف للماهية أو الذات أو الجواب الصحيح في سؤال ما هو، إذا أحاط المسئول عنه، هذا التعارف كلها ميتافيزيقا لم يقبلها الأصوليون و اورادوا اعتراضين:

إن الحد قد يكون ذلك من غير أن يكون هناك سؤال. أن الحد ليس معرفة للماهية، وهنا اتجاه في تعريف الحد يخالف الحد الأرسطي، و الثاني هو مباحث الاستدلال أو أدلة العقول و هي القسم الثاني من المنطق الإسلامي و قد اعتبره المسلمون بمثابة مباحث  الاستدلال عند الارسطاليس فكانت منهجا للبحث العلمي استخدمها الاصوليون علماء الكلام و علماء أصول الفقه،  وتنقسم مصادر هذا المباحث إلى قسمين، نوع وصلت إلينا مصادره، وهو القياس ونوع لم يصل إلينا، ومن خلال هذين القسمين يتبين عبقرية المسلمين في التوصل إلى المنهج الاستقرائي في اكمل صوره، فقد اقموا اكبر طرق البحث العلمي عندهم على قانونين طبيعيين  هما: قانون العلة و قانون الإطراء  في وقوع الحوادث ثم اشترطوا للعلة شروطا ووضعوا مسالك لم يسبقوا بها المحدثين في وضعهم لقوانين الاستقراء و طرقه، وقاموا على التجربة و اعتبروا التجربة موصلة إلى اليقين.

 و ينتقل في الفصل الخامس إلى الحديث عن  الطرق الإسلامية حيث سيبحث على سامي النشار بعض الطرق الأخرى استخدمها المسلمون في أبحاثهم و اخذوا  بها قبل نهاية القرن الخامس الهجري، و أصحاب تلك الطرق فيهم الاشاعرة، و من المحتمل إن يكون المعتزلة استخدموها أيضا  وهذا احتمل يصل إلى ابن رشد و أول هذه الطرق هو "قياس الغائب على الشاهد" وهذا القياس هو القياس الأصولي وهو الأصل عند الأصوليون، الطريق الثاني هو "استخلاص النتيجة من المقدمة" حيث تكون المقدمة ضرورية و النتيجة ضرورية كقولنا "الجوهر لا يخلو من حوادث" .

هناك أيضا الاستدلال المتفق عليه على المختلف فيه و يمثلون له بالقياس الألوان على الأكوان في استحالة تعري الجوهر عنها، و الطريق الرابع هو السير و التقسيم و اللازمات و أخيرا بطلان الدليل يؤدي إلى بطلان المدلول.

     حسب علي النشار في  -الفصل السادس نقد المتكلمين لقانون الفكر الأرسطي-  أن الاصولين، لم يقبلوا المنطق الأرسطي و أنهم أقاموا منطقا جديدا يعارضه و قد دعاهم هذا إلى مهاجمة بعض المفكرين الإسلام لهذا المنطق في أسسه وهذا الأساس هو البديهيات التي يقوم عليه وهي القوانين العلاقة المشهورة "قانون الذاتية"، وقد عرفه باسم الهوية وهي قانون، اي عدم الجمع بين المتناقضين، أي قانون عدم التناقض و صورته الشرطية مبدأ قانون ارتفاع النقيضين أي قانون الوسط ، ونقد الاصولين لهذين المبدأين شبه إلى حد اتجاه المناطقة المعاصرين في القرن العشرين لنقد هذين القانونين.

و في الفصل السابع   -نقد قانون العلية الارسططاليس-  لقد اعتبر أرسطو قانون العلية من المقدمات الأولية بإطلاق ، فلا يمكن القدح في بداهته  وقد عالج أرسطو العلية لا على أنها فقط مبدأ أو مشكلة طبيعية أو ميتافيزيقيا، بل على أنها قانون عقلي منطقي تستند عليها أبحاث المنطق جميع وقد انتقلت الفكرة في أبحاث أرسطو إلى العالم الإسلامي ووجدت قبول لدى مدرسة المشائية. لكن سرعان ما وفق مفكرو الإسلام –الاشاعرة – من العلية موقف إنكار لها و الهجوم عليها.

 

 

مع تحيات موقع تفلسف

tafalsouf.com

---

من نحن | راسلونا | بحث

---

عودة إلى صفحة الكتب

---

رجوع إلى صفحة الاستقبال