مدخل عام:
إن ظهور ونشأة فلسفة الطفل داخل مشهد علوم التربية سنة 1970؛كان له وقع
كبير :حيث استقبلت وسائل الإعلام هذا الحدث الجديد بسعادة؛كما أشادت
بالعلاقة الجديدة بين الفلسفة والطفل ؛إذ شكل هذا المنهاج الجديد مجمل
العناوين الكبرى للجرائد ؛والحلقات التلفزية ؛الإضافة إلى الضجة
الإعلامية وتأثيرها في المجالات الأخرى ؛خاصة سوء الفهم في نشر الإشاعة
التي تعتبر أن فلسفة الطفل تتوخى هدفا تعليمي كما تسعى إلى ترسيخ
المعلومات عن طريق حفظها في ذاكرة الشباب. الأنماط الفلسفية
الأفلاطونية والأرسطية
وبالتالي فمسعى هذه المقاربة هو تدريس الأطفال الفلسفة وتلقينهم إياها
وبل أيضا الاشتغال.
من الصعب بإمكان تجاوز هذا التمثل المشترك مع العلم أن الفلاسفة أنفسهم
لا يميزون الفروق الجوهرية بين تلقين الفلسفة والاشتغال عليها وبالفعل
بدأ سطوع هذا السؤال أي بين تلقين الفلاسفة الذين كانوا مهووسين
بالتمييز بين الفلسفة العلمية والفلسفة الخالصة .فالأولى تعمل على
مواضيع ونتائج تقليدية فلسفية وتطبقها على الأسئلة والإشكالات المعقدة
في الطب والحق؛والمجالات العملية ورغم ذلك فهذه الفلسفة ظلت بعيدة عن
كل محاولة عملية ترقى بها إلى ما هو واقع (المدرسة خاصة).
دائما كان الفلاسفة يفهمون مدلول "فلسفة الطفل" بالتمييز التعسفي في
المنهاج الجامعي بين التربية الأكاديمية والتربية (المهنية التطبيقية)
على اعتبار أن الأولى ترتبط بما هو نظري تجريدي؛ فحين إن الثانية
مرتبطة بماهية الممارسة وبما هو عملي؛ بالإضافة إلى أن التفكير
الأكاديمي يخمل فعندما نتحدث عن المهنيين:مثلا الأطباء والمهندسين
والمحامين وكذلك كلية لها ثلة بالمثل وبالاختصاص.
فلسفة الطفل هي أكثر تجانس مع هذه المقاربة ؛فالغاية المرجوة تحقيقها
هي إشراك الأطفال في الصيرورة الفلسفية وليس جعلهم حكماء صغار ولكن به
يعني أن يعرفوا ما يحكم لمعايير والقيم والمثل الإنسانية ؛وكذلك
تمكينهم من التفكير بطريقة عملية ؛كذلك تتوخى هذه الفلسفة جعل الأطفال
محمولين على استخدام ملكة التفكير بطريقة سلمية.
مقدمة:
إن المبغى من هذا البحث هو تحليل وتحديد المفهوم الفلسفي للتربية عندMatthew
lipman
والمشروع الذي وضعه.
تتوخى فلسفة الطفل بطريقة برهانية تحليل المؤثرات هذه الفلسفة هذه
التأثيرات؟ بعد تحليل التيارات والمذاهب الفكر الفلسفي التربوي المعاصر
نصل إلى الفرضية التالية هي أن فلسفة جون ديوي تمثل
تأثير في فكر
Lipmanفي
مدخل هذا البحث نعرض على الملتقى اللحظات الكبرى التي وسمت ردود
الأفعال التي أدت إلى اعتبار فرضية البحث:
بعد ذلك نؤشكل من خلال منهجية البحث؛ولكن في الوقت الحالي من الضروري
الوقوف عند أطروحة
lipmanومشروعه
في فلسفة الطفل .
من MATTHAW
LIPMAN
هو فيلسوف أمريكي معاصر وأستاذ منطق بجامعة كولومبيا ؛بدأ في سنوات
الستينات أطروحة حول القيمة في التعليم ؛بدا في طرح الإشكال العميق وهو
المنفعة.
كذلك دراسة القواعد والإشكال المنطقية الصادقة هل من المعقول تعليم
بناء القضايا المقلوبة؛ صادقة وصحيحة ذهنية في دراسات المنطق؟
"في عادتنا اللغوية والنفسية أن نؤسس مجال منهجنا في التعليم فيما
يتعلق بالعقل أو
الفكر"(1987-1974)
إن تجربته الطويلة في ميدان التعليم الجامعي جعله يعتقد بشكل واقعي
أن الشباب يصلون إلى الجامعة وتفكيرهم به صور قبلية؛وليس القول أن
عقولهم مقفولة
LIPMAN
يصل إلى نتيجة مفادها أن التعليم الذهني والعقلي يجب أن يبدأ من
المدرسة الابتدائية والثانوية ولكن السؤال الجوهري والأساسي ماهي
الوسيلة التي تحقق هذا الأمر؟
من
هم الأطفال الذين
يفكرون طبيعيا في أنهم يتكلمون ويتنفسون لا أشك في ذلك؛كيف نساعدهم على
التفكير الجيد؛
إنه الخيط الناظم
لردود الفعل على القيمة ومدى نفعها في التعليم الجامعي
LIPMAN
يضع مسبقا برنامجا فلسفي للدفع وتحفيز الشباب على التفكير الجيد
“To tkink for on
self » ومن هنا
فالذاتية تعبر من خلال المنهاج الفلسفي للطفل وحمل تكوين جذري للطفل
؛يقتضي معه إعطاء قيمة للتجربة العيش اليومي؛من تفعيل ذلك في البحث عن
المعنى.
إن منهاج
LIPMAN
يتألف من ست روايات للطفل ؛(عمره مابين 5 و6 سنوات )
(إلفي)
تطرح مشكل التأقلم أو التكيف مع العالم المدرسي ؛وتحمل أسئلة من نوع
الأسئلة من قبل السقراطية .
Kio and
Gus
هذه الرواية موجهة للأطفال في عمر الثامنة ؛وهي رواية تمهيدية لعلم
الحيوان والإيكولوجية ؛كذلك قواعد المنطق (التصنيف؛الهوية؛صورية
المفاهيم ؛البرهنة؛العقلية) أما الأطفال في عمر الثامنة والعاشرة
Pixie
يتابع الطريق الفكري متضمنة في الروايات السابقة وتقدم المنطق الصوري
في الرواية المقبلة نجد فيها البنيات الدلالية والتركيبية للجمل كذلك
العلائق بين المفاهيم؛العناصر العقلانية ؛اللاعقلانية (لقياس التماثل
؛المجازات) في رواية
Harry
stottlemeirer
واكتشافه ؛موجهة للتلاميذ (12و10 سنوات)وتتمحور حول التطور في قواعد
وأسس المنطق الصوري (لقياس المنطقي والافتراضي)؛فالمكانة تتحرك إيقاعها
عبر سلسلة وصيرورة من الحوارات الفلسفية بحثا عن معنى الطفولة.
Mark et
SUKI et LISA
ثلاثة روايات موجهة لتلاميذ الثانوية وذلك عن طريق تلقينهم قواعد
المنطق التداولي في الروايات السابقة تطبق هذه القواعد في ميدان
الأخلاق والاستيطيقا والسياسة.
في كل رواية هي بمثابة تعليم حقيقي متخصص في الآن نفسه هي تأسيس لمنهج
دراسي ذاتي :يختلف تماما عن الآلية البيداغوجية الكلاسيكية فهذا
المنهاج ليس ديوان نصوص؛وليس دفتر تمارين؛إنه كتاب يحمل حكايات
للأطفال.ما نوع هذه الحكايات؟جواب
lipman
هوأنها :
"ليس موجها لفئة البالغين؛حيث يشرحون كجماعة صغيرة جاهلة يدرسونهم
الاختلافات الفاصلة بين التفكير الصائب والخاطئ"(
lipman
1974/1978 )هذه
الروايات تعلى من تجربة الطفولة ؛لأن جوهرها يكمن في تفاصيل التجربة
اليومية ؛الموجودة بشكل واضح في روايات "لامبان" التي
لها أدوات وآليات تتضمن الاختلافات الفردية ؛وتقدم شخصيات متنوعة .
{الأولى
هي تجريبية؛الثانية
وجدانية الثالثة
تحليلية الرابعة
شكلية هكذا أن النسبة لباقي الروايات
الأخرى فهي لا تخرج عن هذا الأسلوب}
تستطيع أن نضيف في هذه الروايات الموجهة من قبل لامبان
لأنها تحمل شعور بالطمأنينة للطفل في بحثه عن المعنى وتشجعه على تهذيب
ثقافته (الدهشة ؛التعجب)فكل أبطال هذه الروايات هم في بحث عن معنى لشيء
يحملهم الفضول في طبيعتهم الحقيقية.
شخصيات لامبان تحمل في كل رواية مغامرة جديدة ؛في البحث
عن أفضل حياة ؛فهي دائما تحاول أن تكتشف حاجتها الخاصة؛كما أنها دائمة
في البحث عن تجربة غنية بالمعاني.
من خلال لامبان تمثل هذه الشخصيات نماذج واقعية للقارئ
الشاب ؛فالأبطال هم أطفال يفكرون ويحبون التفكير بطريقة واقعية للقراء
وهم ما يسميه :
Enfants
éduques on encore « l’heureux d’une produit éducation
significative »
هذه الشخصيات هي مثال ينمي لدى الطفل وتمكنه من حسن استثماره بشكل أفضل
في وجوده.
ولكن كيف يمكن لهذه الشخصيات أن تكون فعلا لها معنى ومدلول في عيون
القراء الأطفال لتخدمه نموذجهم؟يرى لامبان أنه من بين
الشروط الضرورية والأساسية التي ينبغي أن تحضر كل رواية أولا :السن
والتأقلم مع كل مرحلة من الاعتقاد ؛مثلا رواية
pixie التي
تحث الأطفال في سن الثامنة والعاشرة على سلوكات الشخصيات كالشجاعة
والفضول والنقد أما في رواية
lisa
الموجهة لتلاميذ التعليم الثانوي؛فهي تظم نقط ضرورية وهي مايتعلق
بالجوانب الاتيقية و الأخلاقية والاستيطيقية الجمالية التي تعتمد على
التجربة الشعورية ؛في رواية
Mark
فالسؤال والبحث عن المعنى الغزير الاجتماعي ؛وهكذا في بقية الروايات.
من هذا المنظور فالحكايات المكتوبة من طرف لا تحمل أي أثر للشخص
البالغ؛والعكس فهي تذهب في مسار تفكير الأطفال.
من هذا المنطلق نسجل هذه الروايات تتضمن منهاجا خاصا لامبان
فالراويات الأولى الموجهة في سن السادسة والعاشرة – تقرأ بضمير
أنا – عكس الروايات المقدمة بضمير الغائب كترك مسافة بينها
وبين الطفل وكأنه مجهول عنها.
ويقول في هذا الصدد "الرؤية
بضمير الغائب بالنسبة للطفل هي رؤية فوقية وخارجية لما
هو داخلي؛ إنها رؤية الآخر الذي
يرى كل شيء ؛الذي يعرف كل شيء ويفهم إنها رؤية
مهيمنة ومسيطرة
"أما الرؤية من زاوية الضمير المتكلم فهي من جهة رؤية داخلية فردية
إنها تحيل على الاحتجاج في كل مرة ؛فالروايات التي تقدم في حلة حكائية
سردية ؛بينها المحتوى يأتي مجرد وفارع من الاستراتيجيات الفكرية الخاصة
ولهذا كان يتمرد على هذه
الحكايات الموجهة للأطفال حيث يقول "نستطيع أن نكون قارئين ونحن
مغمورين بالافتتان والإعجاب عندما نشاهد رسوم متحركة تلفزية"
(
lipman/1986
)
إن من خلال المضمون الداخلي للحكايات يستطيع الأطفال تلقي نموذج له
دلالة في التعلم والتفكير معنى أن الأطفال يستطيعون الكشف عبر القراءة
عن الدور العميق للفكرالمتضمن في التجربة الوجودية عبر هذه الروايات.
يقول لامبان"الأطفال
لهم شجاعة في القراءة والكتابة بطريقة ذهنية ؛كما لهم أيضا في معرفة
الدور الضروري والأساسي الذي يلعبه التفكير في جميع ما نبدعه سواء فيما
نعمله أو ما نفعله" "نفس المرجع"
من خلال لامبان يتبين أن التربية هي التي تمنح التفكير
الإنساني وجوده ومن خلالها يجب أن تعلم الطفل كيفية وطريقة التفكير
وليس في إذا يفكر بهذا المعنى فإن جوهر الروايات هو المنهاج الفلسفي
وليس التأويل الفلسفي كلاسيكي ؛إنما في الواقع روايات لها قول فلسفي
لكن ليس بالمعنى التقليدي.
لهذا فالروايات ذات مفاهيم كونية تختلف وضعيات مشكلة مربكة ومحيرة
للأطفال القراء؛فالمضمون الإشكالي الفلسفي الذي يطبعها يدفع هؤلاء
للتفكير .إن جوهر وأساس المنهاج عند لامبان له حجج
فلسفية لأجيال فيها فكل صفحات رواياته – مهما كان مرجعها المباشر
للفلاسفة ولأنساقهم الفكرية- مشبعة بأطروحات منطقية واتيقية(الأخلاقية)
واستيطيقية (الجمالية)والابستمولوجية .
"إننا
نجد في جميع النصوص (الروايات الفلسفية)"الموجهة للأطفال ضرورة لأنها
تستطيع أن نلمس فيها سمة الروايات بدل الصياغة المجردة والديداكتيكية
الموجودة في النصوص الكلاسيكية "
كما نلمس الأصل البيداغوجي عند لامبان فريقيه خاصة أنهم
يموضعون على مستوى التأقلم والنصوص الفلسفية ؛إن هذا المقصد يتوخى منه
تحفيز الأطفال على اكتشاف الشخصيات ؛كذلك يسمح لهم على التفكير المتحمس
؛إن هذا الابتكار البيداغوجي هو ليس تشويه للمحتوى ؛ولكنه يقيم مؤلفات
لأساتذة كبار متمرسين في اللغة حتى يدرك ويهتم الأطفال بالمعنى :يقترح
شكل جيد إدماجا للنظريات والمفاهيم الفلسفية في نسق تجارب الطفولة
؛وذلك بغية أن يتحوز الطفل هذه العناصر الفلسفية ويطبقها في معاشه
اليومي.
ماذا يمكن القول على
الميتودولوجيا الفلسفية بالنسبة للأطفال؟
نلاحظ أنها تأسس على ثلاث حركات:
القراءة فصل الرواية ثم مجوع الأسئلة المتصلة بهذه القراءة وأخيرا
المناقشة الإشكالات الحاصلة.
في المرحلة الأولى
تتأسس القراءة على صوت أعلى في جميع زوايا الرواية "المقاطع" يرى أن
القراءة هي الخطوة الأولى والأساسية في صيرورة البحث؛ بمعنى إنها
الظهور الأول للارتباط الفردي.
بعد هذه المرحلة يبدأ الأطفال بطرح تساؤلات وشكوك سجلها خلال مرحلة
القراءة ؛هذه المرحلة الثانوية تسمى
“la collete des questions”
؛تبدأ بالتفكير بين مقاربة
lipmanوالنشاط
المدرسي التقليدي؛الذي
هو في الحقيقة
يكون ضمني ومضمر في شكله العلائقي ؛وفي تجاربه اليومية ؛وأيضا في مادته
المدرسية.
كذلك يكون مضمر في الوعي بين التشابه الموجود بين مشكلات الشخصيات في
الرواية والآخرين يطرح لامبان نشاطه التربوي الذي يحمل
دلالة ومدلول لدى الطفل ؛ليس بمعنى "الواجب " كما أنه لا يحمل سمة
روتينية أكاديمية ؛ولكنه وسيلة للتوجيه وأداة للقلم .
كما يرى لامبان أن وظيفة المؤسسة التعليمية تتمحور
أساسا في مساعدة الطفل على تهذيب فضوله وعلى توجيه رغباته ؛بصيرورة
متطورة وعملية ليتملك فيها ماهو أجمل وحقيقي ؛من جهة أخرى فمن واجب
المدرسة أن تعطي قيمة ومعنى لمواهب الطفل وتطويرها.
في هذا النقاش ؛نجد أطروحة جون ديوي في تتبعها لبعض
مؤلفات ؛ستعرض مفهوم التربية الذي شكل في وقت لاحق تأثير واسع خاصة على
فلسفة .
التربية من خلال فلسفة
جون ديوي.
في مقال أول "عقيدتي في التربية" يميز جون ديوي
بين صنفين من التربية :التربية الواعية الشعورية والتربية
اللاشعورية(ديوي 1972/1987ص84)وفي مؤلفه" الديمقراطية والتربية " يربط
التربية الشعورية بالتهذيب والتوجيه والتربية اللاشعورية ؛وهي مرتبطة
بالتربية الطبيعية والعفوية.
يفسر ديوي هذه التربية الطبيعية وغير الرسمية بكونها لا
ترجع إلى المؤسسة ولكن إلى منبع المرويات والتجارب اليومية ؛فهذه
التربية تساهم في تشكل العادات والتقاليد الفردية فعن طريق هذه التربية
اللاشعورية يصل الفرد شيئا فشيئا إلى المشاركة في التراث الذي نجحت
الإنسانية في التوفيق بين جانبيه الفكري والخلقي ؛وبذلك يصبح الفرد
وريثا لمجمعته الحضارة من رصيد ولا يمكن أن تبتعد آمنة أي تربية شكلية
وفنية عن هذه العملية ؛وكل ما تستطيع أن تفعله تنظيمها ...؟في اتجاه
معين.
التربية الحقة إنما تنشأ من إثارة قوى الطفل شعوره بما تتطلبه المواقف
الاجتماعية التي تواجهه فتنبهه هذه المطالب إلى العمل كعضو في وحدة
؛وإلى التحرر من الانحصار في دائرته الخاصة بالسلوك والوجدان؛وإلى أن
ينظر إلى نفسه من جهة صالح الجماعة التي ينتمي إليها وعن طريق استجابات
غيره من الناس لنشاطه الخاص يصل إلى معرفة هذه الاستجابة إلى وأوأته
الغريزية إلى معرفة ما تدل عليه ؛ثم تتحول هذه الأخيرة إلى لغة ملفوظة
تشق له الطريق إلى البناء الفني بالأفكار والأحاسيس ؛ذلك البناء الذي
يتلخص الآن في اللغة.
ولهذه العملية التربوية جانبان أحدهما نفساني والآخر اجتماعي؛ولا يمكن
أن يخضع أحدهما للآخر ؛أو يغفل أحدهما دون أن يترتب على ذلك نتائج سيئة
؛والجانب النفساني هو أساس الجانبين ؛فغرائز الطفل وقواه ذاتها تقدم
مادة كل تربية وتعد نقطة البداية لها ؛وإذا لم تتصل مجودات المربي ببعض
نشاط الطفل الذي يؤديه بوعيه الخاص مستقلا عن مربيه.
أصبحت التربية ضغطا من الخارج؛ وإذا فقد البصر النافذ إلى بناء الفرد
النفساني ونشاطه أصبحت عملية التربية خبط عشوائي وتعسفي فإن اتفقت
مصادفة مع نشاط الطفل أصابت نجاحا ؛وإن اختلفت ترتب على ذلك تمرد
الطفل أو تفكك شخصيته ؛أو قهر طبيعته والعلم بالشروط الاجتماعية
للحضارة الراهنة ضروري لتفسير قوى الطفل تفسيرا ملائما.
ماهي المدرسة من منظور
ديوي؟
إني أعتقد أن المدرسة هي أولا مؤسسة اجتماعية ؛وأن التربية من حيث إنها
عملية اجتماعية ؛فالمدرسة هي صورة الحياة الجماعية التي تتركز فيها
جميع تلك الوسائط التي تهيئ الطفل إلى المشاركة .في ميراث الجنس ؛وإلى
استخدام قواه الخاصة لتحقيق الغايات الاجتماعية.
لذلك كانت التربية عملية للحياة؛ وليست إعداد الحياة المستقبلية؛ بحيث
أنتمثل المدرسة الحياة الحاضرة؛ الحياة التي تشبه في واقعيتها وأهميتها
للطفل حياته في البيت؛ والبيئة المجاورة له أو الفناء الذي يلعبه فيه.
التربية التي تبتعد عن صور الحياة ؛كتلك الصور الجديرة أن يعيشها المرء
لذاتها ؛تعد بديلا ضعيفا للواقع ؛الأصيل ؛وتجنح تلك التربية نحو القمور
والموت.
المدرسة كمؤسسة يجب أن تبسط الحياة الاجتماعية الراهنة وأن تختزله حتى
تصبح وكأنها في صورتها الأولية ؛والحياة القائمة فعلا تبلغ من التعقيد
حدا يمنع الطفل من الاتصال دون ارتباك أو تسلية؛فهو إما أن يذهله تعدد
أنواع النشاط الموجود أمامه حي ليفقد قوته الخاصة على رد الفعل المنظم
وإما أن تثير ه هذه الأنواع من النشاط فتثبه قواه إلى العمل قبل
الأوان ويصبح فجا في عمله أو في شخصيته.
ما دامت الحياة الاجتماعية مبسطة هذا التبسيط فينبغي أن تنمو المدرسة
تدريجيا من حياة البيت فتتعهد ألوان النشاط التي ألفها الطفل في لبيت
وتدفعها إلى الأمام.
على المدرسة أن تستعرض هذه الألوان من النشاط أمام الطفل وأن يعيدها في
هيئة أن يتعلم الطفل منها معناها تدريجا ؛ويتمكن من المساهمة فيها.
المدرسة والتقدم
الاجتماعي:
أني أعتقد أن التربية هي الطريقة الأساسية للتقدم والإصلاح الاجتماعي
كل إصلاح لا يعتمد إلى على قوة القانون أو الرهبة من بعض العقوبات أ
والتغيير في التنظيم الخارجي أو الآلي؛ فهو إصلاح عابر لا قيمة له.
التربية تنظيم لعملية المشاركة في الوعي الاجتماعي؛وتوافق الفرد على
أسس هذا الوعي الاجتماعي؛هو الطريقة المِؤكدة للتجديد الاجتماعي ؛فهي
فردية بحق لأنها تعترف بتكوين خلق على أنه الأساس الصحيح الوحيد
للمعيشة المستقيمة ؛وهي اجتماعية لأنها تعترف بأن هذا الخلق المستقيم
لا يتكون بالتعليم والمثل الفردية ؛فحسب ؛بل بتأثير بعض صور الحياة
الاجتماعية وحياة المؤسسات في الفرد وأن الكائن الاجتماعي عن طريق
المدرسة باعتبارها عضوا من أعضاء ذلك الكائن قد يحقق نتائج أخلاقية .