|
يتحدث
هذا الكتاب عن قسمين :
I-
ففي القسم الأول يعالج «إشكالية التأليف والتبعية للكتاب المدرسي»، باعتماد
قراءة مختزلة ومتمحصة ومتساءلة وناقدة إلى أهمية وخطورة التأليف في مجال
الكتاب المدرسي على العموم، وفي مادة الفلسفة على الخصوص. ليتوصل إلى
اعتباره بأنه أصبح أمام مجموعة من القراءات والترجمات والكتابات المتنوعة
والمتعددة [=أي التأليف]، ولكن أغلبه يعتمد على الاستيراد والترجمة
والإملاءات... مما يشعب ويعقد حرية الإبداع ومعالجة القضايا التربوية
والتعليمية المرتبطة بالواقع الموضوعي المعاش بمشاكله الإنسانية
والاجتماعية والاقتصادية والقيمية والأخلاقية والدينية....
مستشهدا على ذلك بمعالجته "لإشكالية الواقع والتحديث في الكتاب المدرسي"،
وذلك في رحاب الفلسفة للجذوع المشتركة لسلك التعليم الثانوي التأهيلي
وللسنة أولى باكالوريا نموذجا، باعتبارها تنطلق من نصوص وإشكاليات فلسفية
تستجيب للهاجس السياسي العولمي الراهن أكثر منه استجابة للتفكير الفلسفي
وللفلسفة وكذلك لثقافة الإنسان المقهور والمهمش والمظلوم، ومع تغييب الفكر
الإسلامي بما في ذلك الفلسفي بمفكريه وفلاسفته؛ مثلا في درس : مجزوءة
الفلسفة، ومجزوءة الطبيعة والثقافة، ومجزوءة الفاعلية والإبداع. ومقترحا
بديلا كذلك يتجلى في معالجة المقررات والكتب المدرسية والبرامج والطرق أو
المناهج بارتباطها بالإنسان وبواقعه الموضوعي المعاش، وعبر هذا التصور يبدأ
الاهتمام بالبحث في القضايا الأساسية وفي عملية الإرتقاء بحصيلة التدريس
والدراسة لكي يستفيد منها المتعلم، وذلك من خلال مساهمتها في التنمية
الشاملة الحقيقية والفعلية، وتهيئ أجيال المستقبل للمسؤولية وإعطاء فكري
وعملي وإبداعي، أو كما يقول –على حد تعبيره- الأستاذ السوسيولوجي مصطفى
محسن في موضوع "الفلسفة والمؤسسة التربوية بالوطن العربي" : «نحن لا
نريد... أولا نطمح إلى أن نجعل من كافة المواطنين فلاسفة بالمعنى المدرسي
والأكاديمي الضيق، ومصادرة كل اهتماماتهم وميولاتهم وانشغالاتهم المهنية
والمعرفية والاجتماعية المتعددة...، بل إشاعة روح التفكير الفلسفي في
فضاءاتنا التربوية والاجتماعية...، حتى يتمكنوا من امتلاك القدرة على
السؤال وممارسة النقد، واقتحام التفكير في تفاصيل الواقع الطبيعي
والإجتماعي، في العلني والمضمر، المستحضر والمنسي، في المفكر واللامفكر
فيه».
وكذلك
مقدما في هذا القسم الأول قراءة في «إشكالية البرامج والتوجيهات التربوية
الخاصة بتدريس مادة الفلسفة» بالجذوع المشتركة للتعليم الثانوي التأهيلي
لموسم 2004-2005م وخاصة مذكرة رقم 111 التي صدرت سنة 2004م؛ موضحا أنها
جاءت على شكل أمر فوقي، مما يطرح إشكالية بالنسبة للتلميذ والأستاذ وذلك
كما يتجلى في تغييبهما وتهميشهما وعدم معرفة مشاكلهما الحقيقية والموضوعية.
كما أن مجموعة من الثانويات لم تدرس الفلسفة للجذوع المشتركة في موسم
2004-2005م بل وحتى الآن وخاصة بمدينة مشرع بلقصيري. ومتسائلا في إطار ذلك
كذلك عن : لماذا حذف مفهوم الفكر الإسلامي والإقتصار على ذكر مفهوم الفلسفة
فقط، وذلك من خلال المقارنة بين مقررات 1991-1992م وتلك المقررات الأولى
الجديدة ؟ أي لماذا لماذا لم يؤخذ بهذا الأمر حتى مجيء الميثاق الوطني
للتربية والتكوين ؟ وهل هناك تجديد بالفعل في برنامج مادة الفلسفة في
الجذوع المشتركة، أم أن المسألة لا تعدو أن تكون بمثابة اجترار وإعادة ونقل
ما وجد في البرامج والمقررات والكتب المدرسية للفلسفة السابقة أو القديمة،
مع إضافة موضة التدريس بالكفايات، والإعتماد بالأساس على أن يكون تدريس
الفلسفة للجذوع المشتركة هادفا إلى تحقيق ما هو وجداني وقيمي على حساب ما
هو معرفي فلسفي أو فلسفي معرفي ؟.
وأيضا
تناول «إشكالية وضعية تدريس الفلسفة في المغرب وعلاقتها بالإنسان وبالواقع
الموضوعي»، متسائلة في ذلك عن : هل وضعية الإنسان المغربي هي نفس وضعية
الإنسان الغربي ؟ وأليست هموم ومشاكل وانشغالات الإنسان الذي يعيش في دول
العالم الثالث تختلف وتتناقض بشكل كبير مع مشاكل وانشغالات وهموم الإنسان
الذي يعيش في العالم المتقدم ؟ أليس من التعسف والبلادة مقارنة وضعية
الإنسان هنا وهناك بدعوى الإنسانية أو إنسانية الإنسان ؟ ما جدوى دراسة :
الوعي مثلا على مستوى التنظير في الأولى باكالوريا، من غير أن ننزل به إلى
الواقع فيكون بذلك وعيا ملموسا يمارس ويطبق وينمو وينتج ويطور ويجدد ؟ متى
سنظل سجناء الوعي النظري في غياب الوعي العملي في واقعنا المأزوم ؟ ليستخلص
كجواب أن سياستنا التعليمية تعمل بكل الوسائل والطرق على تغييب السؤال
الفلسفي التحليلي والنقدي، وتعويضه بما هو وضعي وتصويري جاهز، وإسقاطه على
الواقع الذي هو في حاجة ماسة إلى سياسة تربوية وتعليمية واقعية وموضوعية
وإلى ثقافة تساؤلية تفسيرية ونقدية لمؤسساتنا التعليمية والتربوية،
بإمكانها أن تخدم الفرد والجماعة والمجتمع في كل الأحوال، وذلك بتكوين
وتأسيس وبناء الشخصية الأساسية والوظيفية بناءا واعيا وناضجا وصحيحا، بناءا
هادفا وملتزما، وإلا كيف نفسر إبعاد الفلسفة عن الإنسان الذي يدرسها وعن
الواقع الذي تدرس فيه ؟ هل الإنسان المغربي المسلم مثلا مجرد من دينه ومن
قيمه وهويته ؟ ألم يتطرق الفلاسفة المسلمون إلى دور الفلسفة وأهميتها في
واقع الإنسان وإلى المشاكل التي يواجهها هذا الإنسان ؟ وكذلك ألم يعالج
الفلاسفة المسلمون وضعية الفلسفة وعلاقتها بالإنسان وبالدين وبالأخلاق ؟
وكيف نفسر محاولة تغييب الفكر الإسلامي على العموم والفكر الفلسفي على
الخصوص وإظهار الفكر الغربي ما أمكن بالرغم من أننا لسنا من الذين يؤمنون
بإقصاء الآخر ؟
ومقارنا بصدد ذلك بين مفاهيم الكتاب المدرسي في رحاب الفلسفة للسنة أولى
باكالوريا مثل : مفهوم الإنسان والفاعلية والإبداع، والموضوعات السابقة :
كالطبيعة والثقافة، والتفكير الفلسفي، والحكمة والشريعة. ومركزا على خلاصة
طرح مجموعة من القضايا والإشكالات الفكرية والفلسفية والعلمية التي تقتضي
وعيا عميقا وناضجا وعمليا في مجال التربية والتعليم بصفة خاصة، وفي
المجالات الأخرى بصفة عامة، في واقعنا الموضوعي المعاش وفي تعليمنا المؤزم
الذي نتوخى منه أن يجد الطريق المعبد حتى يستطيع أن يسير سيرا عاديا
وطبيعيا، يحقق الآمال المتوخاة وتحقيقها ويفتح الآفاق التي ظلت شبه مغلوقة.
II-
أما في القسم الثاني من هذا الكتاب، فقد تطرق «لإشكالية تدريس الفلسفة في
بلدان العالم الثالث» كضرورة إنسانية واجتماعية وسياسية انطلاقا من الدفاع
عن الهوية الإنسانية والاجتماعية والحضارية والثقافية والسياسية، وذلك في
مواجهة ما تصبو إليه العولمة المتوحشة وكل المنخرطين في مشروعها الإستعماري
والعنصري والإستغلالي. وهذا يستدعي منا وعيا ناضجا ديمقراطيا وتحريريا
فائقا على أسس وأبعاد وأهداف إنسانية عامة ومشتركة كما يقول صاحب الكتاب،
وهذا بدوره لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود فلسفة إنسانية فعلية تتحقق بدورها
بواسطة التربية والتعليم والثقافة في كل البلدان متقدمة كانت أو متخلفة وفي
إطار ذلك يتساءل عن سؤالين هما : هل نحن في حاجة إلى تربية واعية في المغرب
؟، ثم هل نحن في حاجة إلى تربية عربية إسلامية ؟ وكجواب عن السؤال الأول
يرى أن موضوع التربية والتعليم في المغرب لم تعد تعوزه الوسائل التقنية
والنظريات والنماذج أو الأنساق المستوردة، من أجل أن يغير واقعه فقط وكما
يعتقد، بل لقد أصبح هدفا جديرا بالإهتمام والبحث والدراسة، ضمن سياسة كل
مجتمع يريد بالفعل وبالإيمان الصادق والقوي أن يطور واقعه، وهذا ما يؤكد
على أن أي مجتمع لا يمكن أن يلغي دور أهمية التربية والتعليم كيف ما كانت
الأحوال. ووفقا لهذا المنظور، فإن التغيير الشامل لكل مجتمع يرتكز بالأساس
على هذا العنصر الحيوي بجانب العناصر الأخرى، من أجل الدفع بالمجتمع
المغربي إلى التقدم والتغلب على المشاكل والعوائق التي تواجه وتعرقل مسيرته
الحضارية والثقافية.
بينما
عن السؤال الثاني، فهو يبين أن التربية العربية والإسلامية بالرغم من أنها
تبعية فإنها لا تخلو من الجوانب الإيجابية مثل الإيمان القوي بالعمل
وبالإخلاص والوفاء وبالشجاعة والمروءة وروح التعاون ومواجهة الظلم بكل
أنواعه وأشكاله. ومن هنا تظهر أهميتها لا في تلك المراحل السابقة فحسب،
ولكن حتى في وقتنا الراهن، الذي ضيعنا فيه كثيرا من هذه الإيجابيات، وهذا
لا يعني أبدا، بأننا ندعو إلى إرجاع عجلة مفهوم التربية والتعليم إلى ما
كان سائدا في الماضي، بقدر ما ندعو إلى تطوير حقيقي، بإمكانه أن يمدنا
بتربية واعية وواقعية وصحيحة، تسير وفق الواقع المعيش للناس والتقدم
الحضاري. وكذلك تناول في هذا القسم الثاني "إشكالية التربية والتعليم بين
الإتباع والإبداع"، من خلال المناهج البيداغوجية والتعليمية اللازمة للبحث
في موضوع التعليم انطلاقا من التقدم العلمي والتكنولوجي والتصنيع؛ أي
الخروج بخلاصة مفادها أن الإشكالية تكمن في كيفية التصنيع لا في نقله، في
فهم ومعرفة تقنيات التكنولوجيا لا في نقلها. وبالتالي في الكيفية التي تهدف
إلى تكوين فكر خلاق ومبدع ومنتج، لا فكر خامل وكسول ومتكل في كل شيء.
وأيضا
قدم تقييما حول النظام الأكاديمي لامتحانات الباكالوريا الجديد ابتداء من
سنة 1992م، مصرحا بأنه يعرف مشاكل كثيرة انطلاقا من اللقاءات التربوية
والتعليمية التي قام بها مفتشو المواد المدرسة بالثانويات، ومن بينها
الرغبة في توجيه إصلاح شكلي لا جوهري : كنظام الدورات، والمراقبة المستمرة،
المقرر ومشكلة الامتحانات، ثم الدورة الإستدراكية، فظاهرة الغياب. ليخلص
إلى عدم تطابق البرامج والمقررات والمذكرات الرسمية مع الواقع التعليمي في
كل المواد المقررة.
كما
تحدث في هذا القسم الثاني بالإضافة إلى ذلك عن "أهمية تدريس الفلسفة بواسطة
النص الفلسفي"، باعتبارها وسيلة من الوسائل التربوية والتعليمية، ليقر
بأنها لم تحظ بعناية المسؤولين والباحثين والدارسين اللهم إلا بعض الدراسات
في بعض اللقاءات التربوية التي تناولت دراسة مقارنة بين تدريس الفلسفة
بواسطة الملخصات أو الطريقة التلقينية وعلاقة تدريسها بالنصوص، التي أعلت
من أهمية هذه الأخيرة على حساب الطريقة الأولى. لكن الذي يستدعي
الإنتباه هو عدم تجاهل كثير من السلبيات والعوائق التربوية والتعليمية
المختلفة وبخاصة تلك المترتبة عن الترجمة الغير الوفية والدقيقة لكثير من
النصوص المدرسة المتنافرة والمتباينة على جميع مستويات، كما نجدها في
المقرر الجديد للفلسفة والفكر الإسلامي.
مستشهدا على ذلك بكيفية تشغيل التلاميذ على النص الفلسفي من خلال المذكرات
والتوجيهات الرسمية، التي يعتبرها لا تطرح مشاكل التلاميذ لأنها تعتبر
إيجابية الآن في العملية التعليمية. إلا أن هذا لا يجعلنا نتناسى ما يجري
في واقعنا التربوي والتعليمي على جميع المستويات وفي مقدمتها وضعية التلميذ
الراقية. ذلك أن علاقة التلميذ بالمدرسة عموما وبالتدريس بواسطة النصوص
خصوصا هي علاقة نفور في أغلب الأوقات وعدم إكتراث ولا مبالاة. إلا أن هذا
الواقع –على حد قوله- الراهن للتلميذ قد ترتب عن عدة أسباب يمكن تجاوزها
والتغلب عليها إذا ما تمكنا في إعادة تجديد العلاقة بين التلميذ والمدرسة
والسياسة التعليمية التي لا يمكن فصلها عن السياسة المجتمعي؛ إنها العلاقة
التي تقوم على منطق التوافق لا منطق التناقض، منطق التواصل لا منطق التباعد
والجمود والنفور.
وأخيرا يختم الحديث بالكلام عن الإرتقاء الذي حصل في برنامج الفلسفة في هذا
المستوى، إلى مستوى التمرس بالتفكير الفلسفي في مفاهيم [Notions]
أو قضايا وتيمات [Thèmes]
اعتمادا على مضامين فلسفية [النصوص الفلسفية]، يتم الاشتغال عليها قراءة
منظمة وتحليلا وتعليقا مع وضعها في سياقتها النسقية والتاريخية، وذلك
باعتبار هذا الانشغال البيداغوجي والديداكتيكي بالنص الفلسفي مكانة مركزية
في الأنشطة التعليمية والتربوية، وبالتالي متسائلا عن : هل هذا الكلام
يتطابق مع الكفايات المنهجية والتواصلية والثقافية، نظرا لكثرة المفاهيم
والدروس وضيق الوقت وصعوبة القراءة عند المتعلم وتدني المستوى ؟ مقدما
دليلا على ذلك من خلال نماذج لإمتحانات الباكالوريا في إطار منهجية الكتابة
الفلسفية للنص أو القولة أو السؤال، باعتبارها واقع موضوعي معاش لا يدركه
إلا الذين يعيشون في هذا الواقع بالفعل لا بالكلام كما يقول.
III-
وبعد ذلك يقدم في الخاتمة خلاصة موجزة مؤداها أن مادة الفلسفة في رأيه ليست
هي مادة مستقلة عن المواد المدرسة الأخرى، بل هي جزء لا يتجزأ من منظومتنا
أو نظامنا التربوي والتعليمي في شموليته، وبالتالي من الخطأ تناول إشكالية
تدريس مادة الفلسفة في غياب أو تغييب إشكالية نظامنا التربوي والتعليمي
كواقع موضوعي معاش، وليس كخطابات مجردة ومتعالية عما يجري ويوجد في الواقع
الحي المعاش، لأن الواقع الحقيقي للمجتمع المغربي يعاني من ضعف مستوى
التلاميذ، وإلا كيف نفسر إشكالية ساعات الدعم الخصوصية التي أصبحت ترهق
ماديا كاهل الأسرة الضعيفة والمتوسطة.
|