هذا الكتاب الذي بين أيدينا من تأليف مفكرين فرنسيين:
Luc ferry et Alain Renault،
واللذان اشتهرا بكتابتهما لكتب مشتركة من قبيل:
la philosophie politique،
هذا بالإضافة إلى مجموعة من المقالات التي تندرج في مجملها في إطار
المجال التربوي بصفة عامة، والديداكتيكي بصفة خاصة، وفي هذا الإطار
يندرج الكتاب الذي سنحاول تقديم فحوى القسم الثاني منه والمعنون تحت
اسم:
philosopher a 18 ans : faut-il reforme l’enseignement.
لكن قبل ذلك لابد من تقديم تعريف موجز عن كلا المفكرين، خاصة المفكر
الفرنسي لوك فيري، نظرا لارتباطه الوثيق بعالم التربية والتعليم،
باعتباره كان وزيرا سابقا لتربية الوطنية في فرنسا، إلا أنه على الرغم
من ذلك فقد اشتهر بأنظاره الفلسفية،
فالفلسفة
،بالنسبة إليه، تبقى في وجه من وجوهها مذهبا للخلاص ،مما يجعلها منافسة
للديانات الكبرى
أما دورها فيتمثل في إدراك النضج و بلوغه باعتباره "شرط الإمكان الأقصى
لتحقيق تميز أصيل لوجودنا في هذه الحياة مما يجعل الفلسفة تقي المرء من
مجرد المرور في هذه الحياة مرور الكرام ،لأنها تجعل منها(الحياة) ذات
معنى، فتحقيق أصالة التميز للوجود و إضفاء المعنى عليه هو شرط كل تفهم
و كل محبة .
إلا أن تحقيق هذه الغاية لا يمكن أن يتم دون معرفة بتاريخ الفلسفة، حيث
يؤكد ويشدد لوك فيري على هذه المسألة بشكل خاص، كما سنرى لاحقا.
أما بالنسبة للمفكر الفرنسي
Alain Renault
فقد عرف عنه هو الأخر اهتمامه بقضايا التربية والتعليم، هذا إلى جانب
اهتمامه بالفكر الفلسفي أيضا، وهذا ما يفسر نقط الإلتقاء بينهما والتي
تترجمها بالخصوص كافة المقالات والكتب التي قاما بتأليفها معا.
يؤكد لوك فيري- كما رأينا سابقا- على مسألة ضرورة الإحاطة ولو –كما
يقول- بفيلسوف واحد على الأقل، حيث سينادي في هذا الإطار بضرورة تغيير
المقرر الحالي، مادام لاينفتح على تاريخ الفلسفة، وهو الأمر الذي أثار
الكثير من الانتقادات ، لعل أبرزها انتقاد زميلته الفيلسوفة
Catherine kintzler،
التي ترى في ردها على ما جاء على لسان لوك فيري، بأن تاريخ الفلسفة في
المقرر الحالي غير مقصي ، مثلما يعتقد لوك فيري ،لأن جل أساتذة الفلسفة
لهم تكوين فلسفي جامعي [باكالوريا +5سنوات في الأغلب الأعم ]
و هو ما لا يمكن بداهة أن يظل بمعزل عن ممارستهم الصفية ، إلى جانب كون
تاريخ الفلسفة يظل بمثابة السند الديداكتيكي لوضع المفاهيم في سياقها و
توضيحها ،كما أن ملامسة تاريخ الفلسفة تتم بشكل صريح من خلال الدراسة
المستمرة للنصوص الفلسفية.
على الرغم من كل الإنتقادات التي طالت طرحه لتلك مسألة، نجد تكريسا
واضحا لها من طرف المفكرين معا في هذا الكتاب، حيث حاولا رصد مختلف
الصعوبات والأزمات التي يعاني منها تدريس الفلسفة في السلك الثانوي،
نجمل أهمها على النحو الأتي:
-
الفلسفة تظل المادة الأقل حبا من طرف التلاميذ: فعلى الرغم من وجود
أساتذة
بمواهب عالية ،إلا إن الفلسفة بالإجمال تبقى مادة سيئة التدريس ، و إن
نحن أردنا دليلا – كما جاء على لسانهما- على ذلك" يكفينا البحث فيما
يحيط بنا فبعد عشرين سنة أو ثلاثين سنة من دراستها (الفلسفة )،ليس
للناس فكرة عما تكونه....,وعما إذا كانت تعني موجة فكر نقدي أم فنا
للتأمل، فهل تعتقدون بشكل جدي أن رياضيا أو صحفيا لا يتأمل أو يفتقد
للفكر النقدي، غير أنهما مع ذلك ليسا فيلسوفين .إن ما يظل أكيدا هو أن
الفلسفة ليست لها علاقة بما ندرسه في الأقسام النهائية .
يقف الكتاب مطولا عند هذه النقطة، فعدم الاهتمام الذي أصبح مخيما على
مادة الفلسفة في وعي التلاميذ لا يعود إلى طبيعة المادة، الخطأ لا يكمن
في الفلسفة، لأنها بكل بساطة لا تدرس في السلك الثانوي على النحو
المطلوب، إذ شتان بين الفكر الفلسفي والمقرر الموضوع، والذي يمثل في
نظرهما أكبر عامل على تكريس وترسيخ الإهمال الذي أضحى مرافقا لها، لذلك
كانت دعوتهما الأساس إلى القيام بتغيير جذري، وذلك بإبداع مقرر جديد
يكون عنوانه تأريخ الأفكار، حيث يقولان في هذا الصدد: "هذا بديهي، وهو
ما سيكون مفيدا بالنسبة للتلاميذ ، ولن يكون مثل هذا التمرين الشاسع
ل"الاندهاش"، ول "التأمل " أو ل"الفكر النقدي" والذي نطالبهم بامتلاكه
حول مفاهيم المقرر:المكان، الزمان، الجميل، الحقيقي، العدالة بل سيكون
اكتشافا لرؤى العالم الكبرى التي طبعت تاريخ الفكر .
و الواقع أن مقررنا هو بمثابة كارثة لانتصار المسيحية على الفلسفة
الإغريقية ، ففي العصور القديمة لم تكن الفلسفة خطابا، وإنما تعلما
للحكمة وبحثا عن حياة جميلة، و الحال أن المسيحية قد تملكت امتياز هذا
البحث عن الخلاص و خلال القرون الوسطى منعت الفلسفة من الانشغال
بالأسئلة النهائية ، فقد أريد لها أن تختزل إلى مجرد" سكولائية (نزعة
مدرسية) " و إلى دراسة للمفاهيم .إن الجمهورية الحديثة اكتفت بإضافة
حفنة من الفكر النقدي. و أخيرا صارت الفلسفة في أقسامنا رواية للتهذيب
و( التثقيف) المدني على نحو مختلف،و هو ما سيجعل سبينوزا و كانط ونيتشه
يقهقهون ضحكا، لأنهم في مجموعهم بحثوا لأجل فهم العالم بغية إيجاد سبل
لحياة جيدة وخالية مما يكدرها.
فلو قيل لهم بأن الفلسفة تتمثل( اليوم ) في دراسة المفاهيم ،مع التظاهر
بالاندهاش منها (المفاهيم) بغرض كتابة إنشاءات ، لكانوا سقطوا من على
كراسيهم .
إذن يتبين لنا، أن مكمن الخلل في تدريس الفلسفة في السلك الثانوي يعود
بالضرورة إلى المقرر وما يحتوي عليه من غموض ولبس، هذا بالإضافة إلى
عدم ملائمته كليا، فمن أجل إنجاح مادة الفلسفة لا بد من اعتماد مقرر
يحترم تاريخ الفلسفة، ولا يقوم على مبدأ التظاهر بالإندهاش بغرض تحقيق
كفاية الكتابة الإنشائية.
لا يقف المفكران عند حدود هذا المشكل فقط بل يتوجهان بالنقد أيضا إلى
نوعية من أساتذة الفلسفة، الذين لا يمتلكون الأدوات والأساليب الكفيلة
بترسيخ الوعي الفلسفي لدى تلاميذهم، وخاصة فيما يتعلق بتاريخ الفلسفة،
حيث يظلون حبيسي المقرر دون العودة إلى تاريخ الفلسفة، الذي هو من
أساسيات تدريس الفلسفة بالثانوي، وفي هذا يحيل يتحدث الكاتبان عن أهمية
إدراج مادة الفلسفة في مرحلة الدراسة الثانوية، لأنها تمثل الوقت
المناسب لتنمية الوعي الفلسفي لدى المراهق.
يتناول الكتاب أيضا طرحا لمشكل آخر، ألا وهو مشكل النقط خصوصا في
الامتحان الوطني، حيث تعاني مادة الفلسفة من مسألة عدم وجود معايير
ثابتة لتصحيح، الشئ الذي يجعل من فارق التنقيط يتعدى ليصل إلى حدود
سبعة نقاط لنفس الورقة، باختلاف المصححين.
في هذا الإطار يفرد الكتاب قسما هاما منه، يدرجه في ما أسماه بفصل "
الاقتراحات"، لهذا المشكل، حيث يتناول بالتحليل مختلف الدراسات التي
تناولته بالتفصيل، بغية تحديد مواطن الخلل.
كما يتضمن هذا الكتاب فصلا آخر، تحت اسم "الوثائق"، يتضمن فيه مختلف
النصوص والدراسات المتلقة بتلك المشاكل، التي سبق وأن تطرقنا إليها.
في حين يحتوي القسم الأخير على سلسلة من المقالات المشتركة، وكذا
الفردية لكلا المفكرين، والتي تصب في خانة الموضوع، نذكر من أهمها على
النحو التالي:
-
مقالة بعنوان: الجامعة والنظام للمؤلفين معا: وفي هذه المقالة يتطرقان
بالحديث عن النظام التعليمي بالجامعة، صعوباته وأهم العوائق التي
يواجهها وكذا الاقتراحات، وإن كان لا يتضمن نفس حدة المشاكل التي يعاني
منها تدريس الفلسفة في السلك الثانوي.
-
مقالة مشتركة بعنوان: الفلسفة
بعد
نهاية الفلسفة، والتي تم طرح مختلف المشاكل التي يعاني منها الدرس
الفلسفي بفرنسا، هذا بالإضافة إلى طرحه جملة من الأسئلة الراهنية
المتعلقة بدرس الفلسفة في الوقت الراهن وحو لابعاده وآفاقه.
-
هناك مقالات أخرى ذات طابع فردي، حيث انصبت جل مقالات لوك فيري حول
تأريخ الفلسفة العاصرة، وتحديد أبرز محطاتها، وكذا غاياتها، وفي ذلك
ترسيخ لمبدأ العودة إلى تاريخ الفلسفة.
-
في حين انصبت مقالات رينو حول الشأن الجامعي من خلال التعريف بالنظام
الجامعي وبأبعاده الثقافية على المجتمع، إضافة إلى الجانب التعليمي
فيه.