تحاول الباحثة من خلال
هذا الكتاب معالجة مشكلة الفشل الدراسي بسبب الاختلال الفكري وضعف
الصرامة والطرق الفكرية في اكتساب المعارف، ولقد قامت باختبار للمدرسة
الفرنسية من خلال نظرتها البرغماتية بمجرد التحاق أطفالها الثلاثة،
وتساءلت عن سبب انتقاء عدد قليل من التلاميذ، وكانـت
تتأسف لذلك الهدر البشري والفكري وكانت تتساءل ألم يكن بإمكان عدد أكبر
من التلاميذ النجاح؟
في أفق البيداغوجيا
الفارقية، تتضمن تنمية البنيات الفكرية، يـروم هذا المؤلف تشخيــص أحد
مظاهر الصعوبات المدرسية، ألا وهو المظهر المعرفي وصياغة اقتراحات
منهجية مناسبة. وتجد البيداغوجيا أي التفاعل بين المدرس والتلميذ من
أجل نقل المعارف، مكانها الطبيعي والمركزي داخل هذا المــؤلف من خلال
التنظيـم لممارسة بيداغوجية، يعطـي هذا المؤلف للقارئ إمكانية تعميـق
تأمله الذاتي بخصوص السيرورات الفكرية التي ينبغي وضعها قيد الاستعجال
في تعلم ما يستهدف التجريد، ويمثل الفهـم الجيـد لهذه السيرورات نقطة
الانطلاق الضرورية لتشخيص الصعوبات وتطور وضعيات تعلم فارقي.
وينجم الإطار المفاهيمي
لهذا البحث عن علم النفس المعرفاتي أولا وبوجه خاص عن أعمال ونظريات
عالم النفس الأمريكي جيروم برونير....احد أوائل مؤسسي هذا العلم الذي
يندرج أيضا في تخصصات أخرى مثل، طب الأعصاب واللسانيات والذكاء
الاصطناعي ويشكل تحليل الصعوبات المدرسية والاقتراحات المنهجية
المقدمة، النتيجة الراهنة لبحث وتجريب بيداغوجيين أنجزا على امتداد
عـقد من الزمن وتقترحهما الباحثة وتتمنى أن تجد فيهما كل قارئ مادة
للتأمل ومحفز التجديد البيداغوجي.
"كتاب تعلم التجريد" يحتوي
على عشرة فصول:
تتناول في الفصــل الأول
المعنون:" بصعوبات التجريد وجهة نظر معرفاتية " : وفيه تنطلق من
تناقض بين فشل الطفل الذي يتوفر على الإمكانات الحيوية الضروريات لصنع
الدراية ، ومع ذلك في اغــلب
يفشل في أغلب الأحيان، ويؤاخذ عليه عدم إصغائه داخل القسم وعدم
التفكير وافتقاده لمستوى التجريـد الضروري، وبالمقابل وفي نشاط فكري
غير مدرســي كلعبة تركيب القطع مثلا فهو يعرف بصفة عامة كيف يستخدم
قدراته الفكرية لتحقيق منتوجه النهائي ويبعث تركيزه في العمل على
الاندهـاش ويكون فعل المثابرة لديه ملحوظ، فهو يشكل فكـرة مباشرة عما
يريد الحصول عليه خــلال
عمله الذي يباشره، إذ يكون لديه نية معينة منذ الانطلاق ويتوخى النجاح
كعادته، فيختار المعلومة الضرورية تبعا لهـــدفه، إذ أنـه يتوفر على
تعلم يمثل النتيجة المنتظرة من عمله.
وفي حالة الخطأ فانه يفطن
لذلك مادام لديه ترقب بمفهوم النتيجة المأمولة فهو يعيد المحاولات وهو
يعرف نوع الأسئلة التي ينبغي طرحها، فتفكيره يكون تلقائيا إذن يرتبط
بالعمل والهدف اللذان يتسمان بالوضـوح في نظره وبكونها في متناوله بصفة
عامة؛ هذا الهدف يرتكز على تجارب سابقة أي معارف سابقـة وقد يستجيب
محيطه لطلباته إن هو رغب في ذلك أي انه لا يوجد تحت أي إكراه.في حال
أخطأ التلميـذ أثناء المســار، فإنه لا يتعرض للمعاقبة بل أخطاءه تكون
في خدمــــته كمؤشرات فهو يعرف متى نجح ومتى سيفشل،إلا أن هذا الفشل لا
يمكن مقارنته مع الفشل الدراسي بحيث أن الطفل لا يعرف سبب فشلـه أو حتى
فيما كان عليه أن ينجح.
تتسم ملاحظات التعلمات غير
المدرسية بغناها على مستوى الدروس البيداغوجية، أين يتموضع الاختلاف؟
لم يجد التـلميذ صعوبة كبـرى في التعلم داخل المدرسة؟
يكمن أحد
الاختلافات في كون التلميذ يحظى في مبادرته الخاصة بامتياز الانطلاق من
تجربته الشخصية التي تساعده على إعطاء معنى للمعلومات الجديدة وربطها
بمعارفه السابقة. والنقيض من ذلك غالبا مايتم عكس الوضع في المدرسة،
إذ عوض أن تشكل ذاتية التلميذ امتيازا له، فإنها قد تضــلـله وتصبح
معيقا له. وتذكر" ماري بارث" مثال الطفل الذي لم يحتفظ من درس حول
مفهوم المسـتطيل إلا باللون الأزرق لهذا الشكل الهندسي رغم الشروحات
والمعلومات المقدمة، فقد نسي بسرعة ما لم يشـكل دلالة بالنسبة إليه في
تلك اللحظة، وهو الشكل الهندسي في حد ذاته. لم يحتفظ إلا بما كان
يستطيع التعرف عليه إلا وهو اللون، ومن ثم فهو يعرف المستطيل بأنه
أزرق.
ينبغي الاحتياط
في المدرسة من المعارف السابقة، حيث يتعين أن تكون هناك قدرة على عدم
النظر إلى الأشياء بصفة ذاتية وأن يتم الاقتصار على ما هو ملائم
للتعلم الجاري، وقلما توجد وضعيات تعـلم تؤخذ فيها هذه الصعوبة بعين
الاعتبار منهجيا، فالمتعلم لا يعرف على ماذا يركز انتباهه، قد يخـطئ
ولا ينجح في استخراج العناصر الدالة ما لم يضعه أحد في المسلك الصحيح.
قد يجد أجوبة خاصـة بـه إلا أنها قد تجيب عن الأسئلة الأخرى فتكون
مغايرة لتلك التي يتوقعها المدرس، وتعتبر بالتالي خاطـئة من دون أن
يعرف المتعلم السبب ويكون الأمر عندئذ أشبه بحوار الصم.
وتوضح الباحثة هذه
الوضعية النوعية بمثال مأخوذ من كتاب مدرسي للعلوم الفيزيائية
بالمسـتوى السادس، ويقدم أولا المحتوى الذي يتعين على التلميذ أن
يتعلمه فالتلميذ لا يستطيع أن يستبطن صـورة قطعة سكر مثال لمادة في
حالة صلبة أي يستبطن مفهوم المادة الصلبة أين تكمن الصعوبة: إن الطفـل
قـد فهم كل شيء باستثناء ما يتعلق به الأمر أي اكتساب مفهوم عام ومفهوم
الحالة الصلبة ،
والملاحــظ أن كثيرا من
التلاميذ لا يمتلكون المفاهيــم والقواعد الضرورية للتقدم والنجاح في
مختلف المواد، لا يعرفـون معنـى درس مستوعب أو ما ينبغـي القيام به من
أجــل استيعابه، هنا صورتـان مختلفتان: أولهما على مستوى الدراية،
فبخصوص السؤال "ماذا يمكنك أن تلاحظ؟.
يتوقع المدرس من
التلميذ تعريفا يبين بأنه استوعب المفهوم الملقن؛ يكون لدى التلميذ
غياب تـام للوعـي بهذه الإشكالية فيفضل أن يقدم معلومة معينة تهم قطعة
السكر التي يعرفها ومن دون أن ينتبه إلا أنهـا لا تتواجد هنا إلا
كمثال لمفهوم المادة الصلبة موضوع الدرس، لا يرى الرابط الشكلي بين
"جسم صــلب" و " صفة صلب " و " قطعة السكر " كما الأولى تكمن في
المعرفة أي العناصر تشكل التعريف أي المفهوم ماهي بنية الدراية؟ أما
الصعوبة الثانية فهي تتموضع على مستوى الطريقة الفكرية التي ينبغي
استعمـالها لتحديد ما سيتم وضعه داخـل هذه البنية بمجــرد ما نتعرف
عليها. في هـذا الصـدد يعيد التلميذ إنتاج ملاحـــظاته التلقائية
الأولـى ويتوقف عند ذلك لأنه غيـر واع بأن عليه معالجة المعلومة فهو
يخلط بين العناصــــر الأساسية والعناصر المشوشة، لا يعرف بأنه لا يعرف
بأي استدلال يفصل بينهما في غيـاب معرفة بنيــة الدراية تكون معالجة
المعلومة المتوفرة غير فعالة قد تضلل المتعلم، فهل هذا يعني أن التلميذ
غير ذكي؟...... فـي المثال السابق يوجد غياب للوعي لدى التلميذ بوجود
مسألة وحل لها، لا يعرف كــيف يتحقق من حدسه عن طريق استــدلال منطقـي
لا يحاول طرح فرضيات بشكل واعي ويتحقق منــها ما يلاحظ هو غيــاب توجيه
التلميذ في طريقته عندما يلتحق التلميذ بالمدرسة يكـون المطلوب منــه
ولأول مرة تعلم مفاهيم مجردة غير مرتبطة بالحياة الواقعية، ومن ثمة
فهو يحتاج لتعلم إستراتيجية ذهنية في مواجهة مــهمة معـينة، والمدرس
لا يفهم طبيعة الصعوبات التي تعترض التلميذ ونوع المساعدة التي يمكن
تقديمها. تصيغ "مــاري بارث"
الفرضية التالية: يستطيع المدرس أن يساعد التلاميذ على تجنيد قدراتهم
الفكرية شريطة أن يعرف كيف يرصدها ويلائم بيـداغوجيته معها ويخلق لدى
تلامذته وعيا باستراتيجيات التعلم التي تمكنهم من بناء درايتهم. وتقدم
بعض العناصر التي تشكل قاعدة لهذه الفرضية:
●● ترتبط القدرة على
الاستدلال بعدد من السيرورات المعرفية الأساسية والكونية والتي يبقى
بالإمكان
تحليلها.
●● تتم تنمية هذه السيرورات المعرفية الأساسية مبكرا وهي تكون
قيد الاشتغال قبل تمدرس الطفــل وترتهن درجة نموها بنوعية التفاعل مع
الثقافة التي تمثل المدرسة عاملا لها.
●● لمساعدة التلميذ على
بناء درايته وعلى استعمال سيرورات معرفية تقوم بتوضيحها، يحتاج المدرس
إلى فهم اشتغالها وإلى معرفة كيفية إثارتها لدى التلميذ، وهو يتمكن من
التعرف عــليها عند بــروزها عبر مختلف التعلمات التي يقترحها عليه.
. دور
المــدرس هو خلق لدى التلميذ وعيا بطرقه الفكرية ومساعدته على بناء
درايتــه بتحليله مــع التلمـيذ، الدراية التي يتعين اكتسابها
والعمليات الذهنية التي ينبغي استعماله، كما تعد العوامل الوجدانيـة
أي العلاقات الإيجابية بين المدرس والمتعلم إضافة إلى العامل المعرفي
ضرورية ومهمة في عملية التعليم وفي إنجاح التلاميذ وهو الأمر الذي
يتطلب تحليلا دقيقا للدراية التي يتعين تبليغها وفهمها للســيرورات
الذهنية المشتركة بين الجميع والتي تؤدي إلى التجريد.
وفي
الفصــل الثـانـــي المعنون: " بالدراية
وبناؤها"، ماذا
نتعلم وكيف؟: فهو يهـدف إلى موضعة هــذيـن المفهومين الأساسـين أي بنية
الدراية و طريقة التفكيــر، في سياقها وتعريفها، وهنا الطابع المزدوج
للصعوبتين أي الدراية وبناؤها .
البناء سيرورة تؤدي إلى
منتوج وهو الدراية المكتسبة وهذا الخلط بـين المفهومين، عندما نتكلم عن
التعلم مثلا نتكلم عن السيرورة وعن المنتــوج، وعندما نتحدث عن صعوبات
التجريد فــإننا لا نحدد إذا ما كانت الصعوبات تهم التجريد كعملية
ذهنية أو كمنتوج لها.
لكي نميز بين
مفهومي المنتوج والسيرورة مع الأخذ بعين الاعتبار لعلاقتهما البينية،
وتطـرح الباحـثة السؤال التالي: هل من الممكن إيجاد نموذج إجرائي معين؟
وهو محور بحثها هذا، أي البحث عن نمـاذج إجرائية بغرض تمثيل الدراية
وبناءها والذي اعتمدت فيه على نظريات علم النفس المعرفي بالخصـوص بنقل
المعنى السيكولوجي لبناء المفاهيم إلى بناء الدراية. وتنتقل
إلى التعريف الإجرائي للمفهوم حسب" بورين" و"بر ونير" فالتعلم يكون
أولا هو القدرة على إسناد الصفات لشيء معين وانتقاء ما نحتفظ به منها
وما نتركه جانبا.
عند اكتساب مفهوم
معين فإنه يتم تعلم التعرف على الصفات التي تخصصه والتمييز فيما بينها،
والعلاقة بين هذه الصفات ثم عملية التوليف بين الصفات وإعطائها رمزا
اعتباطيا، بحيث تكـون وظيفة الصفات هي تخصيص الكائنات والأشياء التي
تنتهي لفئة معينة. أما التوليف بين الصفات هـو الـذي يجـعل مفهوما معين
يختلف عن الأخر.
وتعطي عدة أمثلة في هذا الصدد، يميز" برونير" بيـن مفاهيـم
ائتلافية، اختلافية، علائقيـة؛ وتقـــدم "مــاري بارث" مظاهر أخرى
للمفهوم مستوى التركيب، مستوى التجريد، مستوى الصلاحية.
بخصوص مستوى
التجريد فهو معيار لتصنيف المفاهيم، وتبعا لأعمال " روش " فأحـــد
مستويـات التجريد الممكنة يكون في متناول السيكولوجية أكثر من
المستويــات الأخرى ومستوى التجـريد هـو الذي ينبغي مقاربة مفهوم معين
بواسطته. كما أن هناك مفاهيم أخرى أكثر غموضا على مستوى
تعريفها الذي يتغير تبعا لثـقـافـات الأفـــراد والتصورات الشخصية التي
يمكن أن يشكلها الأفراد بخصوص ظاهرة مـا، وهي مـا تســميه" بريث"
بالمفاهيم التجريبية الذاتية".
التعـريف
الإجرائي للمفهمة: المفهمة سيرورة مركبة ويركز " برونير" على
الاستراتيجيات الذهـنية التي تستعملهــا الذات من دون وعي للقيـام
بالمفهمة. تميز" ماري بارث" بين مظهرين للمفهمة وهما تشكيل المفاهيم
واكتسابها.
* تشكيـــل المفاهيــم: عندما يقرر شخص معين بأن أحداثا معينة
تتوافق فيما بينها لأسبـاب معينة فهو يشكل مفهوما. المفاهيم سيرورة
ابتكارية، تشرع في الاشتغال بمجرد ما يعرف الإنسان كيف يقـوم
بتمييزات داخل بيئته ، وتشكيل المفهوم هو بناء تدريجي يتقدم بدرجات
ويتحقق في علاقته بالبنية المعرفية لكل متعلم على
حدة.
* اكتساب المفاهيم: يتعلق الأمر بالتعرف على التوليف بين الصفات
التي سبق تعريف المـفهـوم تبعـا له، يتطلب اكتساب المفهوم تفاعل لفظيا
مادام الأمر يتعلق بالتحقق من قاعدة التصنيف التي سبق تحديدها من قبل
مفاهيم أخرى. أما فيما يخص استراتيجيات المفهمة هناك نوعين من
الاستراتيجيات هما: الإستراتيجية الشمولية والإستراتيجية التحليلية
وتقارن الاستراتيجيات الذهنية التلقائية. فلقد سجل " برونير" بصفة
عــامـة أن الإستراتيجية الشمولية أي التبئير المنهجي تعطي أفضل
النتائـج، ذلك أن الفرضية تصحح تدريجيا وتأخذ بعين الاعتبــار التغيرات
التي تحدث، في حين أن استعمال الإستراتيجية التحليلية يتعين على
الــذات أن تخزن المعلومة السابقة وتختار فرضيات جديدة بالنسبة إليها.
فينبغـي عليها إذن أن تتذكر خلال المنـهاج برمته جميع الاختيارات
السابقة التي تم إقصاؤها وهذه المقاربة طويلة تتطلـب مجهودا معرفيا
كبـيرا. يهدف هذا الفصل إلى توضيح بأن إشكالية التعلم تتموضع على
مستويين وهمـا: الدراية وبــناؤها. وتبليغ المعارف يتطلب من المدرس إذن
أن يأخذ بعين الاعتبار هذين المستويين. بـعد استعراض التعريفات
الأولية المتعلقة بالبنيات الإجرائية للمفهوم والمفهمة واللذان يمثلان
الدرايــة وبنائها. تنتقل إلى الممارسة البيداغوجية في فصلها الثالث
المعنون ب"تعلم المفاهيم"، مثـال: النــموذج البيداغوجي، ويقترح هذا
الفصل تقديم وضعية للتعلم وذلك من اجل استخـراج العناصر القابلة
للتعميم أي تتبع لسير التعلم. يبتدئ بإدراك المفهوم، يتم تقديمه بغرض
تعلمه ويتوج اكتسابه على مستوى التـجريد و التعـميم. والمـفهوم الذي
اختارته الباحثة لهذا المثال هو شكل معرف بصورة اعـتباطية. وقد كـان
اختيارا تلقائيا بهدف تبسيط وضعية التعلم واستخراج الطريقة البيداغوجية
التي تم اعتمادها والتي ستـنتقل إلى تعليم كل محتوى يتوفر على بنية
مفهوم، وتعطي المثال الثاني الطريقة المنقولة إلى تـعليم مـفهـوم
نـحوي.
وتبدأ بتقسيم مثال
وضعية التعلم إلى ثلاث مراحل:
المرحلة
الأولى: هي الملاحظة استكشاف، وفيها تشرح الباحثة فـيها وجود
المشكلة التي يتـعين حـلها وتفصل في ما يخص مهام المدرس الذي يتعين
عليه تعريف المهمة وكيفية مبـاشرتها من طرف المتعلم.
المرحلة
الثانية: تمثيل ذهني حيث يعطي المدرس تقييم تكويني ويدخل في حـوار
مع المـتعلمين لإثبات خاصيات المثال المعطى تم إلى تعليل سبب إدراج هذه
الخاصيات وتسوية الفهم.
المرحلة
الثالثة: وهي التجريد حيث يكون هناك تقييم ذاتي من طرف المتعلم
والدخول في صراع وإيضاح فيما بينهم، وفي الأخير التمكن من التعرف على
مثال المفهـوم انطلاقا من استباق معنى الشيء المجهول والوعي
بالسيرورة.
أما في الفصـل الرابع: المعنـون: " استراتيجيات التعليم كيف
تساعد التلاميذ على بناء درايتهم" انطلاقا من ملاحظة وضعية التعلم
السابقة وكيف تم إجرائها مع تفحص الإشكالات البيداغوجية في اللحظات
التي طرحت أثنائها، وتنقسـم إستراتيجية التعليـم المقترحة إلى مرحلتين
: مرحلة الإعداد ومرحلة الوضع قيد
التنفيذ.
مرحلة الإعداد:
تقوم على المحتوى ليكون في متناول فئة معينة من المتعلمين، هذا التحليل
يحدد مستوى التركيب كما يوضح بنية العلاقة فيما بينها (ارتباط
ائتلافي أو اختلافي أو علائقي)، يموضع الصــفات بالنسبة لمستوى
تجريدها.
إما في ما يخص الوضع قيد التنفيذ: يتوفر على فاعلين المـدرس
والمتعلمون، ويكون للتعليم خـلال هذه المرحلة مهمتين أساسيتين: وهمـا
بنية الدرس والتفاعل مع التلاميذ، والذي يحـدده المستوى الفـكـري
للمتعلمين، وتوضح من خلال تفسير مراحل المثال السابق في المرحلة الأولى
وهي الملاحظة والاستكشاف أن تعليمات المدرس يجب أن تكون محفزة للتلاميذ
وأن يبادر بالمشاركة في بناء الجـواب، ولذلك ينبغي إثارة نية التعلم
لدى التلميذ ليكون على استعداد الاشتغال فكريا على الأسئلـة التي
نقترحها عيه ويـتعين عليه أن يبـذل عن وعي مجهودا لاكتساب المحتوى
الجديد أي أن يكون جاهزا للتفكير. وهو الأمر الذي يمثل إشكالا
بيداغوجيا. وكمـا تبين فالتلميذ له الحق في الخطأ ويجب أن يعي به وفي
إطار هذه المقاربة بدءا من التعليمات الأولى يجب اعتبار بأن كل فكرة
يمكنـها أن تكون جيدة و أن تسجل على السبورة من قبل المدرس إلى حين
التحقق من صلاحية الفكرة تبــعا لوثيرة التقدم في المهمة. كما أن مرحلة
الإدراك الحسي مهمة أي مدة زمنية للتفكير وللملاحظة أو لسمــاع المثال،
وكذلك البحث عن الصفات التي تميز الفكرة أو المفهوم الذي يدور بذهن
المدرس وأيضــا التناقض. فحسب " برونير" هناك ثلاث أنظــمة متوازية
لترميز المعلومة وهي: الخط الحسي الحركي، والنمط البصري، والنمط
الرمزي، وكذلك التدرج في الأمثلة بالبـدء بالمثال السلبي الذي يحتوي
على صفة المفهوم، ثم إثارة الانتباه إلى إمكانية إيجاد صفة واحدة أو
صفتين للمفهوم داخلهما، وأخيرا تقديم الأمثلة السلبية القريبة جدا من
الأمثلة الايجابية وتـقـدم مثالا لهذا التدرج في مادة النحو من خلال
مفهوم المفعول به.
وهناك وسيلة أخرى
للتوجيه وهي الأسئلة التوضيحية فهي جزء من العمل الإعدادي للمدرس،الـذي
يعـد مهما في الطريقة الاستقرائية لبنية المحتوى، كما تؤكد على دور
المناخ الوجداني السائد أثناء التعلم كمـا تشير إلى إشكالات بيداغوجية
من بينها اختيار المعجم أي نوع من المعاجم على التلاميذ استخدامه
وكذلك إشكال الإيقاع أي هناك من يقوم باكتشاف الجواب بوثيـرة أسرع من
الآخرين ويستحسن القيام بفصل بين التلاميذ والتحسب لنشاط معمق بالنسبة
لأولئك الذين يتميزون بالسرعة وتخصيص الوقت الضــروري للآخرين.
وفي المرحلــة الثانيــة:
التوضيح والتحقق: تمكن هذه المرحلة الثانية المدرس والتلميذ معا من
تقييم مستوى الاكتساب وتعديل الإدراك في حالة الضرورة ويفطن المدرس عن
طريق تفاعل لفظي إلى كـون التلاميذ قادرين أو عاجزين على التمييز بين
الأسئلة الايجابية والسلبية وتعليل أجوبتهم إذ لا يكفي التعرف على
المثالين بل عليه أن يقدم تبريرا لذلك أي تسمية الخاصيات الأساسية،
ويوافق تجميع الخاصيـــات الأساسية تعريفا معينا، والقدرة على القيام
بتعريف لمفهوم ما، تمييز الاختلاف بين الصفـات الأساسيـة والصفات غير
الأساسية وبالتالي التعرف على أمثلة مجهولة لهذا المفهوم وتعليل
ارتباطهما به بهذا الشكل يدرك المدرس أن التعرف على أمثلة مجهولة لهذا
المفهوم وتعليل ارتباطها به. بهذا الشكل يدرك المدرس انه حقق سيرورة
المفهمة كما تركز على ضرورة التفاعل اللفظي.
وفــي المــرحلــة
الثــالثـة: أي التجريد حيث يجب التحقـق مما إذا كان التعلم تامـا
بشكـل فعلي ومما إذا كان الاكتساب الجديد قابلا للنقل إلى سياق آخـر،
أي أن يكون هذا التقييم النهائـي بعـد التعلم وتبين أن هذا التقييم
يمكن من التحقق إذا كان المفهـوم قد اكتسب أم لا وعلى التلميذ أن يكون
قادرا على تسمية المفهوم وربطه بصفاته التمييـز بين أمثلة ايجابية
وأخرى سلبية للمفهـوم وتعليلــه.
أما فــي الفصــل
الخامــس، الذي يحمل عنوان " تعلم
مفهوم الخبر النموذج
البيداغوجي المطبق على مفهوم نحوي"
فهي تنقل فيه النموذج البيداغوجي السابق من خلال المثال السابق مثال
الويز wez إلى كل
محتوى يتوفر على بنية المفهوم وكيفما كان مستوى تركيبه وسوف يوضح
المثال التالي نفس النموذج الذي سيطبق من أجل تأهيل قسم من مستوى
المتوسط الثاني لمفهوم الخبر الذي يمر بنفس المراحل التي تم تناولها في
الفصل السابق التدرج على أربع مستويات وهي بنية الدرس وعمل المدرس
ومبادرات التلاميذ وعملياتهم الذهنية بحيث أن وضعية التعلم التي يتواجد
فيها التلاميذ تمر على ثلاث مراحل: ملاحظة- استكشاف، مرحلة الإيضاح ثم
مرحلة التجريد وهي المرحلة المهمة حيث يكون المتعلم قادرا على اكتساب
المفهوم أي قادر على معرفة الصفات التي تميز أمثلة عن أمثلة مضادة
مثلا...
هذه المرحلة تطرح عدة
إشكالات بيداغوجية التي تتعدد فيها الاحتمالات الخطأ في الاستدلال، كما
أن العمليات الذهنية التي تتوخى اكتساب المفاهيم تكون أكثر تركيبا مما
تعتقده من أول وهلة.
وفي الفصــل السـادس
ستقوم بريث ماري بوصف مفصل للعمليات الذهنية لدى التلاميذ هذا الوصف
الذي يندرج في أفق بيداغوجي يتمثل هدفه في تسهيل بناء الوضعيات
التعليمية التي تكفل تعلما مفاهيميا، والمعنون ب: "استـراتيجيـات
التعلـم التـدرج نحـو التجريـد" وتطرح السؤال التالي: ماهي
السيرورات المعرفية التي تستلزم تطبيق النموذج البيداغوجي المقترح ؟
بحيث أن هذا الجواب يتطلب ثلاث إيضاحات:
1- سيرورة التجريد طريقة
معرفية أي العمليات الذهنية التي تندرج في سيرورة التجريد وذلك بغرض
استكشاف معناها وعلاقاتها البينية وتوضيحها، وبالتالي طابعها المتداخل
المواد ومن تم فهي تصير إجرائية بصورة بديهية أيا كان المجال المعرفي
وتنميتها هي ضرورة لكل فرد.
فسيرورة الإدراك هي واحدة
بالنسبة لكل فرد الاختلاف فقط في الإدراك، والإدراك يتم عن طريق الحواس
أي خارجي والإدراك حسب برونير هو سيرورة تقتضي اتخاذ قرارا معينا أي
تحديد الشيء المعتقد بأنه مدرك، هذا القرار يرتكز على مؤشرات تمكنه من
معرفة البنية الذهنية المنتظمة مسبقا لتمييزها أي الإدراك انطلاقا من
صورة سبق تشكيلها ويتم تشغيلها بواسطة إدراك جديد أي كشكل أولي من
التفييء أي التعرف على بعض المؤشرات وتحديدا ما إذا كان الشيء المدرك
ينتمي لنفس الفئة أم لا.
والسن عامل مؤثر في إدراك
الطفل، وبحكم أنماط الثلاثية التي صنفها برونير لمقاربة المعـلومة
تتطور وفق الترتيب التالي: أنماط حسية حركية و إيقونية بصرية ورمزية.
ثم المقارنة التي هي مرتبطة
بسيرورة الإدراك وتمثل المقارنة وطرح التناقضات عملية ذهنية تتجــاوز
التمييز إذ أننا لا نكتفــــي بطرح الاختلاف فحسب بل تحديد بالنسبة
لأي شيء يتم تطبيق التشابهات والاختلافات. وتتمظهر المقارنة بواسطة
القدرة على تحديد ما يتشابه أو يختلف. ينبغي أن تكون المعايير
المختارة من نفس الطبيعة ومن نفس مستوى التجريد ، أي ينبغي أن نميز بعض
الخاصيات لفكرة ما، ثـم تفحص فكرة أخرى مع تقريب الخاصيات المشتركة ذات
نفس الطبيعة ونفس مستوى التجريد مع بعضهما البعض، المقارنة تمثل فكرا
تحليليا يتعين الفصل بواسطته بين كيان معين ومكوناته والتعرف علـــى
العلاقات التي تربط بينهما، ثم الاستــدلال والتحقق من حيث أن العملية
الذهنية تقتضي الاستدلال على خلاصة انطلاقا من مصدر محدد ومعين أي
اقتراح وحل وهنا تتحدث الباحثة عن استـــدلال استقرائي والذي يتميز
بالخاصية التالية تضمنه على الأقل لطريقة اعتباطية للفكر، إذ يوجد في
كل استقراء نوع من التنبؤ بالحقيقة، لكنه لا يعدو أن يكون سوى فرضية
يشكل التحقق منها إذن تكملة ضروريــة للاستدلال الاستقرائي. وهناك أيضا
الاستدلال الاستنتاجـي، فبما أن الاستدلال الاستقرائي يقوم على قاعدة
انطلاقـا من معلومة محدودة ومن ملاحظة الوقائع الخاصة والأمثلـة، يمكن
أن تكون عدة استـدلالات حقـيقية انطلاقا من نفـــس المصدر كما يمكن
تعديل المفهوم أو القاعدة المسـتدل عليها، أمــا الاسـتدلال
الاستنتاجي فهو استخلاص انطلاقا من حقيقة معينة، إذن نستخلص أنه إذا
كان شيئا ما حقيقيا، فان الشيء الآخر المتضمن داخله يكون بالضرورة
حقيقيـــا بدوره.
وتقـــوم الباحثة برصـــد
الاختلاف بين التجريد و التعمير اللــذان يستعملان فـي أغلب الأحيان
كمترادفين. فالاختلاف يوجد أولا في المسار الفكري، التجريد عملية ذهنية
تعتبر على حدة عنصرا واحدا أو عدة عناصر من أجل إدراك معين وتمثل باقي
العناصر أما التعميم فهو عملية ذهنية تعمم بواسطتــها على فئة بأكملها
كل ما تمت ملاحظته بخصوص عدد محدود من الحالات الخاصة التي تنتمي لهذه
الفئة.
وتثير ماري بارت إلى أن هناك
اختلافات فردية بطريقة استكشاف المعطيات المختلفة، فجميع الأفراد
يقاربون ويحللون ويستعملون الشئ المدرك بشكل مختلف بالرغم من استعمالهم
لنفس السيرورات الأساس.
وتطرح الباحثة السؤال التالي
لم لا نحاول استخدام القدرات الطبيعية للمخ بشكل منهجي في التعلم، إذا
كان تقدم الحاسوب يوصف بأنه ثورة الذكاء وهو تقدم يرتكز على تقليد
لاشتغـــال المخ البشري يمكننا أن نتساءل عن سبب عدم تطبيق " ثورة
الذكاء" هذه على تلامذتنا بشكل جد طبيعي. إن التكييف الترويضـي للتناوب
و التزامن الذي تم التحقق منه من قبل ثلاث نظريات، يمثل الخلاصة الأهم
في هذا البحث، تقربها ماري بارث من برجسون لطالما شدت انتباهها "هناك
أشياء يكون الذكاء وحده قادرا على البحث عنها ولا يعثر عليها أبدا،
ويكون الحدس وحده قادرا على إيجاد هذه الأشياء لكنه لا يبحث عنها
أبدا".
وفـــي الفصـل السابـع
المعنون ب "التعقـل ألمعـرفاتـي تعلـم التسـيـير الواعي للفكر"،
إن الحاجة إلــى تحليل وتأمل الطريقة المعرفية والقدرة على الوضع قيد
الاستعمال بشكل واع شكل الفكرة الأساس لهذا البحث ولهذا تقترح الباحثة
في هذا الصدد تسمية هذا النشاط المنهجي بالتعقل المعرفاتي هو مشروط
بمرحلة أولية تتعلق بوعي المدرس ببنية الدراية وبناءها بغية توجيه
التلميــــذ بواسطة الفعل البيداغوجي في بناء درايته، إذ أن هـذا
الأخـير يتـشبع بالطرق التي تمـكنه من اكتساب معارف فـي مستـوى التجريد
والتعميم ، ولكنه لا يـستطيع استخراجها بمفـرده من أجـل اسـتعمالها
مستـقبـلا، والمرحلة الثانيـة التي تدفع بالتلاميذ إلى الوعي بالطرق
الفكرية التي تمكنهم بشكل فعـلي مــن النجاح وحتى يمكن لهم توظيفها في
وضعية تعـلم لاحقة، وهذا الوعي يتحـقق عـن طـريق عملية التفـكير
والرجوع إلى الطريقة الذهنية التـــي يثـيرها المـدرس
لدى التلاميذ مـن خلال الاخـتيار الواعي لوضعيات
التعلم التي يقـترحها، هنا يبرز دور المـعلم
الأساسي الذي يسـتحيل أن يكون الوعي لدى التلميذ من
دونه هذا الفعل البيداغوجي هــو ماتسميه بالتعقل المعرفاتي.
ومـن خلال العمل التحليلي
الـذي قامت به الباحثة اقـتنعت بأن التلاميذ من جميع المستويات هم
بحاجة لنصائح منـهجية تـتعلق بتسيير فـكرهم ومن ثمة يجب الدفع
بالتلاميذ إلى تأمل طريقتهم الفكرية وتنمية قـدرات النـقل عن طريق
تنمية التمرن على الإدراك، وكذلك التمرن على المقارنة ومعرفة بنية
المقارنة وأيضا التمرن على الاستدلال والتحقق منه بعد مرحلة المقارنة.
يتطـلب الاسـتدلال تجاوز
المعلومة المقدمة واستخراج الخلاصات وكذلك التمرن على الفرضية والتحقق
منها، والتي تمـثل اتساعا للاستـدلال بكل بساطة، فالتحقق من الاستدلال
يكون انطلاقا من المعلومة التي نتـوفر عليها والمقـدمة داخل الفصل
بينما التحقق من الفرضية يتجاوز تجربة التلميذ، وبإمكان المدرس أن
يبين له مصدر بعض القوانين أو الحقائق الثابتة ويجب على التلميذ أن
يعرف أن مصطلح فرضية يأخذ معـنى آخر فـي الرياضيات إذ يـدل على
المعطيات الخاصة بمسـألة معينة أو لفظ ننطلق منه للبرهنة على مبـرهنة
رياضية، وتكون الفرضية التي يصيغها بنفسه افتراضية، وتتطلب التحقق منها
قبل المرور إلى مرحلة الحقيقة الثابتة، ولا يمكن التعـبير بشكـل حقيقي
عن تعميم أو حكم قيمة إلا بعد المرور بهذه المتتالية المنظمة من
العمليات الفكرية.
أما الفصل الثامن
الـذي يحمل كعـنوان "تشكيل المـفاهيم متغير للنموذج البيداغوجي"
تقترح فيه الباحثة إدراج طريقة بيداغوجية ثانية وهي تمثل متغيرا
للطريقة الأولى التي ثم استيحاؤها من" هيلدا تابا" وهي باحثة أمريكية
مختصة في السيكوبيداغوجيا ساهمت في خلق الوعي بأهمية الممارسات
البيداغوجية التي تسـتهدف في الآن نفسه تطوير البنيات المعرفية واكتساب
المعارف. وأطروحة" هيلدا" تكمن في أن بناء نظـرية التربية يتطلب اتباع
مخطط عمل أي منهاج ينطلق من مقاصد التربية، ويصف طبيعة التعلم ويـثبت
الأهـداف والوسائل للوصول إليها، ويتوزع المنهاج الذي تقترحه هذه
الباحثة على سبع مراحل وهي:1- الـتعرف على الحاجيات 2- تعـريف
الأهـداف3 – اختيار المحتويات 4-تنظيـم المحتويات 5- انتقاء تجارب
التعلم 6- تنظيم تجارب التعلم 7 - تحديث طـرق تقييم التعليم. وركزت"
ماري بارث" على انتقاء تجارب التعلم وتركز على مثال تشكيل المفاهيم
وتؤكد أن الكـيفيات قد تختلف لكن في جميع الحالات يجب مراعاة نفس
الأهداف. 1 - التمرين
على المفهمة الذي يجعــل التلميذ واعيـــا بالسيرورة.
2 - اكتساب المحتوى.
وتفصل في شرح المثال الثاني
الذي تستعمل فيه طريقة مختلفة بحيـث أنه في الطريقة الأولى التلميــذ
يجد نفسه أمام أمثلة مفهومة تمت تسميتها أمثلة إيجابيــة وسلبية.
بيـنما فـي الطريقة الثانية يتـعيـن عليه أن يستجيب لمجموعة من الأمثلة
غـير المنظمة والتي يمكن تشـكيل عدة مفاهيم انطلاقا منها. وتخـلص "ماري
بارث" إلى أن رغم اختــلاف الإستـراتيجـيتين فـإن ما يجمعـهمــا هو
تـدرج السيرورات المعرفية يبقى هو نفسه رغم اختلاف أنشطة المدرس
والتلاميذ .
وفي الفصـل التاســع
المعنون ب "مجـالات التطبيق القـدرة على النقل".من خلال الفعل
البيداغوجي ولضمان تعـلم يتيح عملية النقل الـذي يمثل المفهوم المركزي
أي نـقل المعارف بالتـأكيد إلا أنـــه يبقـى على وجه الخصوص نقلا
للعمليات الفكرية لجعل الاكتساب المستقل للمعارف ممكنا في وقت لاحق
ولتـنمية القدرة على نـقل السيرورات المعـرفية يكون التوليد الواعي
لهـذه العمليات عبر جميع المواد الدراسية وفـي كـل الأعمال أمرا
ضروريا، إذا كـانت أهمية البيداغوجيا تـتيح في الآن نفسه اكتساب
المعـارف والتكـوين الفـكري. وسوف تقـوم الباحثة بتفـحص نوعـية
الوضعيات التي تلائمها إحدى الإستراتيجيتين الرئيسـيتين بشكل أفضل من
خـلال: نموذج بيـداغـوجي "اكتساب المفهوم "، تـوافق
الإستراتـيجية الأولى أي اكتساب مـفهوم وضعية تعلـم يتعلق الأمر بتبليغ
إما مفهوم واحد تكون صفاته الأساسية محددة أيا كانت المادة الدراسية أو
مفهومين يتواجد فيما بينهما تعارض منهجي.
ونموذج بيداغوجي "تشكيل
المفهوم": وتكـون الإستراتيجية الثـانية
أي تشكيل المفاهيم تكون بشكل خاص لوضعية نريد من خلالها تبليغ ثـلاث أو
عدة مفاهيم ترتبط فـيما بينها بشكل وثيق داخل نـفس الشـبكة
المفاهيمية.
إذا كان النموذجان اللذان تم
تقديمهما يلائمان وضعيتين مختلفتين، فإنهما يشتـركان بالمقابل في
الهـدف المزدوج الذي يتجسد في تعليم محتوى وسيرورة ذهنية، فهما لا
يصلحان لتعليم محتوى جديد فحسب بـل وكذلك لتقييم أو تدعيم تعلم تم
تحقيقه سواء على مستوى التقييم النهائي أو تقييم المكتسبات القبلية
المكيفة، ومـن أجل توضيح سيرورة التجـريد وتفـسيرها وخلق وعـي بها سواء
لدى التلميذ أو لـدى المدرس في وضعية تكوين وهو الأمر الذي يشكل أربعة
مجالات للتطبيق هي:
تبليغ معارف ذات بنية مفهوم-
-
تقييم المكتسبات
- تشخيص السيرورات المعرفية
الموضوعية قيد الاستعمال وفي تعلم معين
- توضيح سيرورة المفهـمة
للتلميذ في وضعية تعـلم ،أو للمدرس قيد التكوين (التعقـل المـعرفـاتي
والميتابيداغوجيا).
وتشير الباحثة إلى اكتساب
اللغة بحيث تبين أن الطفل لا يتعلم الكلام عن طريق التقليد، وإنما
يبـني اللغة انطلاقا من تفاعله مع الفرد البالغ وتبعا للأعمال" برونير"
حـول اكتساب الـلغة فـإن الطفل يتعلم بعض القواعد المعـرفية الاجتماعية
عن طريق اللعب وبالتـالي بواسطة التفاعل الاجتماعي. ووظـيفة اللـغة حسب
"برونير" هي الإفصاح عن نية معـينة، القـيام بأشياء بواسطة كلمات.
والمدرس الذي يكون واعيا بسيرورة التعلم عليه أن يتدرج من البنيات
البسيطة إلـى المركبة حتى يمكن الطفل من الإدراك والمقارنة والقيام
باستدلال والتحقق منه وطرح فرضيات والتعميم.
وتبين كذلك أن تعلم القراءة
الذي هو نشاط لا يستهدف استخراج الدلالة من مجموعة آثار لا تكون لها أي
علاقة مباشرة أو بديهية بها. وهذه الآثار هي علامات تجمع بشكل اعتباطي
بين مظهر حساس (الدال وفكرة المدلول). وتعلم القراءة هو كذلك تعلم
بناء الدلالة انطلاقا من استخراج مؤشرات مختارة.
وفي الفصل العاشر
تتطرق للقـيم الضمنية للممارسة البيداغوجية
والتي تجملها في خمس موضوعات منتقاة من مؤلف برونير.
** الثقافة وتبليغ الدراية:
إن انعـكاس تـاريخ الفرد في إطار ثقافة خارجة عنه ويتجاوز قدراته
الخاصة ويكون التطور الفكري للعقل الفعال مدعوما من الخارج وحسـب"
برونير" فالطاقة العقلية لكل فرد تتواجد مـنذ الانطلاق كذخـيرة وراثية
وهي لا تكون متطابقة لدى جميع الأفـراد، وتنمـيتها تتـعلق بالتفاعل مع
المحيط الاجتماعي أو مع الثقافة، ويمكن تقسيم الدراية التـي ينبغي
تبليغها إلى ثلاث فئات رئيسية هي كـل معلومة يريد المجتمع تـبليغها،
والمعارف بمختـلف أنواعها والداريات والإتقانات. الطرق الفكرية لمعالجة
هذه المعلومة واكتساب المعارف، القيم التي تعتبرها الثقافة مهمة .
**
معرفة أنماط تمثل الدراية والسيرورات المعرفية: يجب
أن نجعل في الحسبان السيرورات المعرفية المشتركة في بناء الدراية. إن
نـفس المحتويات تتردد مرارا خلال التمدرس وعلى مستويات تركيبية
مخـتلفة.من المهم أن تمـر بأنماط معرفية مختلفة حتى يتـم تعميق المعارف
والتقـدم نحـو تجريد أكـبر يتعين على المدرس أن يقـوم بتـحديد مستوى
التركيب وكيفية جعل محتوى معين في مستوى التلاميذ تبعا لسيروراتهم
المعرفية ودرايتهم، وهو الأمر الذي تنتج عنه بيداغوجيا فارقية تعد
ضرورية داخـل فصل غير متجانس ومتلائمة مع عدد التلاميذ.
والتقييم النهائي يتبع نفس
المبادئ حيث يقوم بالتأكيد بقياس اكتساب المحتوى وكذلك المستوى المعرفي
لهذا الاكتساب.
**وعي
المتعلم بالسيرورات: لكي يتمكن التلاميذ أثـناء دراستهم من
تجـنيد السيرورات المعرفية التي يستعملونها تلـقائيا في حياتهم اليومية
ينبغي علـيهم معرفة أن التعلم يتم على مستوى التجريد والتعميم ويسهل
إبراز هذه المراحل إذا تولد لدى التلاميذ وعي بهما.
**الطفل
كباحث على البنيات: الإنسان بتنظيم عالمه من خلال ترتيبه للأشياء هو
الفاعل في خلق هـذا الترتيب الذي يتعين على المتعلم أن يكتشفه بإمكان
المدرس أن يسـهل اكتشاف هذه البنية، إذا ما اختـار العناصر ونظمها
مسبقا حتى يتمكن التلاميذ من استخراج الـثوابت وفهم العلاقات وإرساء
بالتالي الروابط انطـلاقا من ما يعرفونه قبليا، يمكن إدمـاج التعلم
الجـديد أيا كان سنهم. فالتعليم يجب أن يدفع بالتلميذ إلـى التفكير
الرياضي لمصلحته الخاصة إلى المشاركة في سيرورة تشـكيل المعارف
والمعرفة بالتالي تمـثل سيرورة وليس منتوجـا.
يقول" برونير" إن التنمية
العقلية لا يتم ضبطها كما تضبط الساعة وإنمـــا تخضع لتأثير المحـيط
الاجتماعي والمدرسة بالخصوص، مما يعني أن وضعية تعلم ملائمة تمكن
الطـفل من النضـج مبكـرا
** وتشير الباحثة إلى
أهـمية إرادة التعلم رغم التوجيهات البيداغوجية التي سبقت الإشارة
إليها والتـي يجـب فيها تحـفيز الـتلميذ ذاتيا منذ الصغر، وهي مرحلة
تترسخ فيها الثقة في النفس أو العكس، إذ أن الطفل يبني في الآن نفسه
شخصيته ومعرفته. ومن بين هذه الـعوامل التحفيزية نجد النجاح
والتــعلم الدال إضافة إلـى شخص المدرس ومواقفه التي تؤثر في كل وضعية
بيداغوجية، وذكر" روجرز" ثلاث مواقف حاسـمة في تعلم التلاميذ:
1 - قدرة المدرس على فهم
الدلالة التي تكتسيها تجربة درسه بالنسبة للتلميذ وقدرته على تبليغ هذا
الفهم. 2 - احترام المدرس لشخصية التلميذ.
3 - أصالة وصدق المدرس في
علاقته بالتلاميذ.
وفي دلالة الطرق المقترحة
تستعيد الباحثة الـسؤال المطروح منذ بداية الفصل،ما الذي يعطي لممـارسة
بيداغوجية معـينة قيمتها؟. تتوزع معايير هذا البحث بين تنظيم التعلم،
واعتبار آلياته، والمواقف التي تفسح له المجال، وكذلك السيرورات
المعرفية، وتخطيط دقيق انطلاقا من أهداف مضبوطة، تخـطيط يساهم فـي نجاح
التلاميذ، يمـنحهم الـثقة في النفس، و يـولد لـديهم الرغبة فـي النـجاح
مـن جـديد وبواسـطة طريقـة مـعرفـية، يمكن أن يـؤثر فيما هو وجـداني،
وهـذه الطريقة كفيلة بضمان هذه العلاقة البيـنية الضـرورية للتعـلم
وتمكن خصوصية المقاربات البيداغوجية المقترحة فـي هذه الدراسة في كونها
تتوخى هدفا مزدوجا:
- التمكن من الفكر المجرد
(الأهداف المعرفية).
- اكتساب المعارف (أهداف
المحتوى).
2- تبنى انطلاقا من بحث
وتجريب بيداغوجـيين، يتمثـل مرجعهما في عـلم النفس المعـرفي (أعمال
برونير بشكل خاص).
3- تندرج في إطار بيداغوجيا
الإتقان التي تستهدف الكفايات ويتعين على التلاميذ إتقانها.
4- تستلزم موقفا إنسانيا
اتجاه المتعلم الذي يتواجد في مركز هذه البيداغوجيا.
هذه الانشغالات في
قلب النقاش البيداغوجي وهي تستهدف تزويد المتعلمين بتكوين فكري وثقة في
قدراتهم يجعلان إمكانية التطور الشخصي قائمة فنحن بحاجة لمواطني
المستقبل قادرين على التعلم النقدي وتقييم المعلومات الواردة من مصادر
متنوعة، اكتساب دراية مفيدة في الحياة الواقعية واستعمالها بطريقة مرنة
في وضعيات جديدة أو صعبة، العمل عن طريق اخذ المبادرة وتحمل المسؤولية
في حل المسائل، إيجاد متعة في التعلم وبهذا الشكل يكتسبون الرغبة في
التعلم مدى الحياة، أو ليست قصدية المدرسة هي بالضبط تكوين بالغين
مستقلين وقادرين على التكيف مع معارفهم، واستعمالها في مجتمع
ديمقراطي يتميز بالتطور المستدام؟.
وتختم الباحثة كتابها هذا
بتبيان هدف البحث الذي هو توخي ملائمة أفضل بين البرامج الدراسية
وأهداف التعليم من جهة، ومن جهة أخرى بين قدرات التلاميذ من خلال غنى
وتركيب اشتغالهم الفكري ، والتعليم الجيد هو الذي يتكيف مع تنوع
التلاميذ، ويمنحهم فرص النجاح ويولد لديهم وعيا باشتغالهم الفكري،
ويسوي البيداغوجيا باليات التعلم، وهو تعليم من شأنه أن يتيح استقبالا
أفضل للمقررات الدراسية ومنهجيات التعليم والتقييم واتساقا فيما بينها،
وهذا التقييم يتم بمفهوم ما هو أساسي في عملية التعلم لا بمفهوم
الإقصاء.
واليوم فنحن نتوفر على
المعارف النظرية الضرورية لممارسة بيداغوجية تعد في الآن نفســه أكثر
إنسانية وأكثر اتسـاقا مع التقـدم العلمي، وهي تجعل في حسـبان الشخص
والسـيـرورات البيولوجية والسيكولوجية والسوسيولوجية
للـتعلم.
ويقتـضي الوضع قيد الاستعمال لهذه البيداغوجيا تعـديلا على مستوى
الموقف في مواجهة فعل التعلم، وأولويات جديدة في تكوين المدرسين ومن
هذا المنظور يبقى من حقنا أن نتفاءل بشأن التعلم في المستقبل.