في فضيلة التفلسف

" وكنت أبغي بعد ذلك  أن أوجه النظر إلى منفعة الفلسفة و أن أبين أنه ما دامت تتناول كل ما يستطيع الذهن الإنساني أن يعرفه ، فيلزمنا أن نعتقد أنها هي وحدها تميزنا من الأقوام المتوحشين و الهمجيين، و أن حضارة الأمم  و ثقافتها إنما تقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها ، و لذلك فإن أجل نعمة ينعم الله بها على بلد من البلاد هو أن يمنحه فلاسفة حقيقيين. و كنت أبغي أن أبين فوق هذا أنه بالنسبة إلى الأفراد، ليس فقط من النافع لكل إنسان أن يخالط من يفرغون لهذه الدراسة، بل إن الأفضل له قطعا أن يوجه انتباهه إليها و أن يشتغل بها، كما أن استعمال المرء عينيه لهداية خطواته و استمتاعه عن هذه الطريق بجمال اللون و الضوء أفضل بلا ريب من أن يسير مغمض العينين مسترشدا بشخص آخر..."           ديكارت


 

الموت الرحيم من وجهة نظر فلسفة القيم

محمد الخشين

 تقديم

إن فلسفة القيم أو الأكسيولوجيا أصبحت في زمننا المعاصر تستجيب أكثر فأكثر لانشغالات الفكر الراهن. وبالفعل فإن عددا من القيم أصبحت مهددة في زمننا المعاصر : فصدمة الحضارات، والفكر النقدي ،كلاهما يجعلنا نشك في وحدة القيم وصلابتها. فنحن لسنا محمولون  على الإرتياب فيها وإقصاء بعضها،ولكننا نشهد فقط قيما معارضة وأخرى ممزقة.

هكذا يتم الإنشغال ببنية القيم.يحيل مفهوم البنية إلى صورة يتعذر تبسيطها، حيث تكون زاخرة بالدلالة.فحينما يتحدث غورفيتش مثلا عن بنية التجربة الأخلاقية، فهو يباشر وصفا نسقيا يسعى إلى استخلاص خصوصيتها.يتعلق الأمر بإظهار صورة معينة :إن القيمة التي نستحسنها أخلاقيا تكون متطابقة كما لو كانت ماهية تتجسد في مواد مختلفة.لقد كان مفهوم القيمة متداولا تحت أسماء الخير والكمال.وقد انبعث تدريجيا منذ القرن الثامن عشر.إن فلسفة كنط فلسفة حول القيمة بشكل خالص.فبالنسبة لصاحب "نقد العقل العملي" ليس هناك موضوع للتأمل،فالعقل يقترح عالما يتعين علينا صنعه، وبالتالي فإن القانون الأخلاقي يصبح غاية لامشروطة، ومن أجل هذه الغاية تصبح كل الأشياء وسائل.وقد عمل نيتشة على الإسهام في نشر فكرة القيمة بحديثه عن قلب القيم، أو عن الفيلسوف الذي يفرض قيمه.

إن البعض لا ينظر إلى القيم إلا من خلال طابعها النفسي،هنا يتم إدخال علاقاتنا ذات الطبيعة الإنفعالية والعاطفية إلى هذا الموضوع، وبهذا المعنى ستكون القيمة هي ما نرغب فيه ونشتهيه كما قال سبينوزا.لكن الطابع السوسيولوجي للقيم أمر لايقبل الجدل.وبالنسبة لدوركايم كل قيمة عبارة عن حكم تصدره ذات معينة ، وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الحكم ينطوي على نوع من الموضوعية.هذا التركيب بين الذاتية والموضوعية لايفسر إلا بالمجتمع الذي يعد أصلا لكل القيم.

أما بالنسبة للمادية التاريخية فإن أحكام القيمة ليست سوى معتقدات محضة تختزل مصالح طبقة اجتماعية معينة.ويمكن القول بأن تكون القيم صيورة تاريخية يضفي فيها ثقل الماضي على القيم نزوعا لاعقليا.إ، القيمة مرتبطة بتقاليد جماعة معينة، غير أن التعدد المتنامي للجماعات الإجتماعية يؤدي إلى فك ارتباط بعض القيم عن التقاليد الخاصة.وهكذا يتم الإتجاه إلى قيم عليا وكونية، مستقلة عن الأسباب الخاصة بتكونها.إن انتقالا للقيم يشكل ترفيعا أو إعلاء للقيم.

يمكن أن نتساءل أولا عما إذا كان القتل الرحيم موضوعا للبيوإتيقا. ألم يكن أفلاطون قد تخيله في "الجمهورية" ؟أو لم يطبق القتل الرحيم في مجتمعات ذات ثقافات مختلفة جدا عن ثقافتنا ؟

إشكال الموت الرحيم

ارتبط القتل الرحيم إذن بالأخلاق التقليدية وبالحق، بالطب وعلم الأخلاق الطبي. والتطور الذي عرفته خدمات الإنعاش في سنوات الخمسينات،والتقدم الذي شهدته زراعة الأعضاء والتفكير في تعريف الموت الذي ينجم عنها، كل هذا أدى إلى طرح مشكلات من نفس نوع تلك التي خلقتها في الآونة الأخيرة الطرق الجديدة للنسالة سواء عن طريق الاستنساخ أو بواسطة التعديلات الجينية، وهي المواضيع التي تنتمي بالتأكيد إلى مجال البيوإتيقا.

غير أنه من المستبعد أن يكون تقدم الطب هو السبب الوحيد للاهتمام مجددا بالقتل الرحيم.إذ يبدو هذا الأخير راجعا إلى تيار عام ظهر منذ حوالي عشرين سنة : يتعلق الأمر بعودة الموضوع كموضوع يحتكره السوسيولوجيون، علماء التاريخ علماء النفس الأنثروبولوجيون والأطباء.إنه رد فعل حيال "إنكار الموت الذي كانت علاماته الأولى قد ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر والذي يبدو أنه امتد إلى غاية اواسط القرن العشرين. ففي بضع عشرات السنين تركبت بعض المواقف في عاداتنا وسلوكاتنا بحيث أن وقفة المأتم أو الحداد أوشكت على الاختفاء.لقد حل الموت "التقني" في المستشفي الذي عادة ما يكون مسبوقا ب"صراع مرير بدون جدوى  مع المرض في محل موت الإنسان في بيته ،محاطا بأقربائه.

من الناحية الإتيمولوجية تدل كلمة أوطانوس اليونانية على الموت المريح أو الميسر.وبالمعنى الحديث يدل "الموت الرحيم" على إثارة الموت وتعجيله من أجل تلافي معاناة مريض ما.وثمة شرطان لابد من استيفائهما لكي يكون هناك موت رحيم: يجب أن يكون الموت محدثا .كما أن الذات التي تتعرض له يجب أن تكون شخصا حيا.أما أشكاله فه مختلفة وتتراوح بين شكل فاعل،منفعل،إرادي، أو مساعدة على الإنتحار.وبحسب الدلالة الإتيمولوجية فإن الأوطانازيا هي الفن الذي يمنح موتا مريحا أو موتا سعيدا.

الموت الرحيم الفاعل يقصد به التدبير الإرادي للمواد المستعملة في التنفيذ بهدف تحقيق الموت سواء بطلب من المريض أو أحد أقاربه، أو بدون موافقة المريض، وبمبادرة من الطبيب.

الإرادي: فعل ينفذ بناء على طلب من المريض.

اللاإرادي: فعل يتم تنفيذه، حينما لا يملك المريض القدرة الفيزيائية والعقلية ، بطلب من أحد أقاربه أو من قبل عضو من الفريق الطبي، أو بناء على طلب متوقع من المريض.

المساعدة على الإنتحار: حيث ينفذ المريض نفسه هذا الفعل بمساعدة شخص ثالث يزوده بمعلومات حول الوسائل التي يمكن استعمالها أو حول طريقة تنفيذ الفعل.

إن قصة فانسان هومبيرت توضح كل التعقيدات التي تنطوي عليها قضية الموت الرحيم، فعلى إثر حادثة سير أصبح هذا الشاب الذي يبلغ الثانية والعشرين من عمره مشلولا، أخرس وتقريبا أعمى.وسيلته الوحيدة للتعبير أصبحت هي إبهامه، وقد استعمله في طلب الموت.وفي مثل هذه الحالة يجب اتخاذ مسافة إزاء هذه الوضعية لكي نفكر في الدعم والمساعدة الضروريين للأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة ولأسرهم. ومهما كان الأمر، فقد استوعبت أم فانسان رغبة ابنها وعملت من أجل أن يحقق رغبته هذه. وهذه القصة لا يمكن أن تمر دون تذكر قصة سو رودريغيز التي يبلغ عمرها سن الثانية والأربعين المصابة بداء التصلب الجانبي الضموري، وهو مرض غير قابل للشفاء. هذه المرأة طالبت بمساعدتها على وضع حد لحياتها. وبعد طول انتظار رفضت المحكمة العليا طلبها. وبمساعدة أحد الأطباء الذي بقيت هويته غير معلن عنها استطاعت الموت كما كانت تتمنى ذلك.

في قلب الجدل والخلافات العديدة حول هذا الموضوع منذ سنوات، يقود الموت الرحيم إلى التفكير في قيمة الحياة وفي المعنى العميق للموت.والسبب الذي يجعل الموت الرحيم مطروحا بقوة هو كونه يثير التفكير في موضوع محرم أي في أحد الطابوات، وهذا الموضوع هو الموت. وعدم فهم الموت يولد على هذا النحو تساؤلا حول "أحسن" طريقة للموت وحول قيمة الحياة. هذه المناقشات عملت على تدخل القيم المختلفة والمعايير الأخلاقية التي عادة ما تكون في صراع مع بعضها البعض.ومن بين هذه القيم نجد : الرغبة، معاناة الآخر، قيمة وجمال الحياة. لكن هناك أيضا قيم عديدة مملاة من قبل العقائد، مثل: "ضرورة" تطهير الذات وتهذيبها بتجاوز العوائق التي تواجهها هذه الذات في الحياة. وفيما يخص المعايير الأخلاقية، يمكن التفكير في : حرية الإختيار، احترام اختيارات الشخص وكرامته، والحق في أن تحترم حقوقه.وإذن الكثير من هذه القيم تتصادم مع بعضها البعض في مثل  هذا الجدل الذي يسعى إلى تسليط الضوء على موضوع جوهري يعتبر بمثابة طابو هو الموت ، بهدف احترام حقوق الكل، وحقوق كل فرد.

وفي الأخير فإن الموت الرحيم يثير العديد من الأسئلة مثل: هل حق الشخص في الكرامة سبب كاف لاقتراف القتل رغم أن هذا يتعارض مع حق آخر ، هو حق حماية الحياة؟ وبالفعل فإن الموت الرحيم رغم كونه رسميا غير شرعي، فإننا لانستطيع أن نرد حق أحد ما في الكرامة والحرية. وعلى خلاف ذلك ، لماذا لا تميز القوانين بين بين جرائم القتل والمساعدة على الإنتحار؟ لأنه رغم أن هذه الأخيرة وضعت من أجل حفظ حق كل فرد في الحياة، فإنه ليس هناك من بينها ما يحمي حرية الشخص.وإذا كان كل فرد سيد ومالك جسده، فكيف يمكن لنا أن نحكم على ما يجب أن يفعله مع جسده هذا ؟ لكن من جانب آخر أليست الرغبة في وضع حد للحياة الخاصة ناتجة عن مشكلة الإكتئاب؟

إن تعدد القيم والمعايير الأخلاقية هو الذي يحول الموت إلى شيء يعد عبارة عن طابو ويجعل منه أمرا خلافيا."إن الله لم يخلق العالم حيث كل المحن تجد منفذا" كما قال أوجين دريويرمان. وفضلا عن ذلك، رغم تقدم الموارد التكنولوجية، ليس هناك مجتمع استطاع أن يقيم نظاما للصحة بإمكانه أن يشفي كل الأمراض ويريح كل آلام البشر وأن يضمن لهم نهاية حيات مرضية.

إذا كان الطب عاجزا عن الإشفاء وعن التقليل من حدة المعاناة، أليس بإمكانه تقديم المساعدة إلى ذلك الإنسان الذي يظهر إرادته الصارمة للموت؟

منذ الوهلة الأولى يبدو أن المساعدة على الانتحار تمنح ضمانات أكبر من الموت الرحيم لاحترام إرادة المريض.وتدخل الطب يعود هنا مقصورا على المساعدة المهنية التي يطلبها المريض بصورة حرة. على عكس ذلك، إذا وجد الشخص نفسه أمام استحالة فيزيائية أو سيكولوجية لإنجاز هذا الفعل بنفسه، أوليس بإمكان الطبيب أن يقدم مساعدته، مثلا عن طريق حقنة قاتلة؟ في هذه الحالة الأخيرة نتحدث عن الموت الرحيم الذي يعد هو الآخر شكلا للموت الإرادي وفي مقاصده ونتائجه فهو لا يختلف أبدا عن المساعدة على الانتحار. فكلاهما ينتج عن قرار إرادي للمريض ويتطلب تدخلا من الطبيب.إن هذا التدخل إما أن يكون مباشرا في حالة الموت الرحيم وإما غير مباشر في حالة المساعدة على الانتحار.

سيكون لنا الحق بدون شك في أن نقول بأن هذا المشكل لا يخص سوى مجموعة قليلة من المرضى الذين لا يمكن معالجة ألمهم الفيزيائي. لكن مع ذلك فهذه المجموعة القليلة تؤثر على عدد كبير من أفراد المجتمع. وإذا لم يتم التخفيف من ألمهم فإننا نخلق نوعا من اللامساواة في العلاج.هنا يصبح الموت الرحيم خلاصا وفعلا من أفعال الشفقة والعطف من قبل المتدخل المهني بالنسبة للأشخاص الذين لا يجدون علاجا لمعاناتهم ويعبرون عن طلبهم للموت.

واليوم لم يعد الانتحار فعلا إجراميا يعاقب عليه القانون.وينتج عن ذلك أن الأشخاص الذين لا قدرة لهم على أن يميتوا أنفسهم بحيث أنهم مكرهين على الإستعانة بطبيب أو بأحد أقاربهم لمساعدتهم يتعرضون للتمييز بالقياس إلى القادرين على نزع الحياة عن ذواتهم بدون وساطة من أحد.

 

المقاربة الأفلاطونية في محاورة قريطون

لقد دون أفلاطون محاورة دارت بين سقراط وصديقه قريطون، وهي تطرح أسئلة وتتضمن حججا هدفها تحديد ما إذا كان سقراط يملك مبررات للفرار من السجن. كان السؤالان المطروحان من قبل قريطون يتعلقان بمعرف كيف يمكن تنظيم فرار صديقه، وكيف يمكن إقناعه بالهروب. لكن السؤال بالنسبة لسقراط كان مختلفا، وهو : هل الهروب موقف صائب؟إن الجواب عن هذا السؤال يفرض تحديد الموقف الذي يجب اتباعه بحسب المبادئ، علما أن هذه المبادئ لا تتغير بحسب الشروط ولا تبعا للمصالح الآنية. هنا نجد سقراط في مواجهة مع وفائه واختبار انسجام مبادئه الخاصة.

 

حسب القواميس، يعتبر الواجب مجرد إكراه مفروض على شخص معين عن طريق قانون أو نظام من القواعد.في هذا السياق يوضح سقراط مفهوم الواجب بصفته اكثر من مجرد إكراه، بحيث أنه الأساس الأخلاقي لأفعالنا. وحسب سقراط، لا ينبغي علينا أن نتبع الرأي العام دائما، مخافة من أن نتخذ لأنفسنا مجموعة كبيرة من المبادئ التي يعتبر بعضها لاعقليا. ذلك أنه إذا كان هناك من المبادئ بقدر عدد الرجال، النساء والأطفال، وبقدر الظروف بحيث يصلح كل مبدأ لظرف ما، فلن يكون لدينا أي مبدأ، وفي آخر المطاف ستكون الأخلاق بدون أي اساس، وهذا يطول الواجب أيضا باعتباره قيمة من القيم الأخلاقية.

أن يحدد المرء واجبه هو أن يفكر تفكيرا أخلاقيا عميقا، وهذا التفكير ينصب حول السؤال: كيف نتصرف بشكل صائب؟ أو ما هو الشيء الصائب الذي يجب فعله؟ والجواب عن هذا السؤال يجب أن يكون واحدا.فأن نقدم أجوبة كثيرة عن هذا السؤال من شأنه أن يجرد هذا السؤال من معناه العميق والعقلاني. يتعلق الأمر بأن نأخذ المبادئ المنشأة كنقط للإنطلاق بالنسبة للتفكير،لكي ننتهي إلى استخلاص صلاحية قضية معينة، أي لبلوغ الحقيقة. وهذا المسار أنجز في محاورة حول الحكمة والتفكير، دون الإحتكام إلى الدين، ولا إلى التقاليد، ولا إلى الوعي الجمعي.

يتمظهر الواجب حسب قريطون في أفعالنا، فحسبه يعتبر سقراط مطالبا بأن يهتم بأبنائه وحمايتهم، كما يتعين عليه أيضا  أن ينشغل بصورته ومظهره وبمظهر الآخرين المحيطين به. أين يكمن واجب سقراط إن لم يكن هنا ؟ إن الواجب يتركز حول شخص أو جماعة من الأشخاص وليس بالكل.هذا هو ما يسمح بالبرهان على عدم دقة تأوييل قريطون أمام هذا المفهوم مادام أنه لم يعتبره مفهوما كونيا.فهو يستعمل فقط من أجل غايات مصلحية تتمركز حول الذات، فهو اعتقد بأن القيمة الأولى بالنسبة لسقراط هي إنقاذ حياته، وأن القيمة البيولوجية للحياة تعلو على اتباع العقل.

كان مفهوم الواجب في مدينة أثينا يبرز في سياق محدد يحيل إلى العدالة. وهذه العدالة بالنسبة للروح مثل الصحة بالنسبة للجسد، وهي توجه إلى النظام، التوازن، الملاءمة والتناسق. وقد أجاب سقراط عن الإقتراح المقدم من طرف قريطون المتمثل في الفرار من السجن ،بشكل يتناسب مع تصوره حول واجبه حيال القوانين. مما يفرض اتخاذ موقف من القانون.ورغم أنه من الصعوبة بمكان أن نتخيله، بسبب أننا نعيش في المجتمع الحالي، فإن الإغريق في تلك المرحلة كانوا يحسون بأنفسهم جزءا لا يتجزأ من المدينة، وناضلوا من أجل حقوقها وحريتها.فكل فرد كان وفق هذا المنظور امتدادا وانعكاسا لمدينته.إن سقراط مدين لمدينته بحريته، ومن ثم يجب عليه أن يبرهن لها عن امتنانه الذي لا يمكن التعبير عنه انطلاقا من فعل غير شرعي.

تدل معطيات المعجم على أن قانونا ما يكون بوصفه كذلك من حيث أن السلطة ذات السيادة سنته وفرضته على كل أفراد مجتمع معين.إن قوانين المدينة وديموقراطيتها يصنعان أنفتها، وكبرياء مواطن ما يتوقف على كبرياء مدينته. مثلما أن الكون منظم طبقا لقوانين عقلانية، يجب على المدينة أن تعيد إنتاج هذا الإستقرار لنفسها وهذه ألعقلانية وهذا الإنسان العادل والشريف من خلال الانسجام والعدالة.ومدينة أثينا اليونانية مستقلة ذات سيادة وتخضع غلى قوانين يتساوى أمامها كل المواطنين. فهي، على عكس العشائر البربرية، تجد مبدأ نظامها في ذاتها وفي مواطنيها.وبالتالي فإن التمرد على القوانين سيكون دليلا على اللامعقول والظلم. كل مواطن مرتبط بالقوانين بطريقتين : فهر من جهة عبد لها، ويجب عليه الخضوع لها خضوعا تاما، مادام أن القوانين والمدينة هما اللذان تولياه وسمحا له أن يعيش حرا.ومن جهة أخرى، ونظرا لكون المواطن قبل العيش في مدينة ما، فهو يقبل بصفة غير مباشرة العيش راضيا بنظامها القضائي، ولا ينبغي عليه أن ينتقده. وإذن، عليه أن يخضع إلى قوانينها بشكل إرادي. ومن ثم بمقدار ما تجعل المدينة من المواطن عبدا لها، بقدر ما تعطيه حريته وتمنحه حمايتها.

وبالنسبة لسقراط فإن وجود القوانين هو ما يشكل المدينة وما ينظم العلاقة بين المواطنين. وغياب القوانين يقود إذن إلى العشوائية.إن سعادة المدينة تستند إلى المسؤولية الفردية لمواطنيها أمام الجماعة. وقوانين المدينة هي التي تصنع من فرد ما ما هو عليه، وهكذا فإن هذا الأخير مطالب بأن يحترمها بقدر ما يكن الإحترام لأحد أبويه. وإذا حدث أن أصبحت القوانين ظالمة، فيجب تحمل ذلك، لا العمل على تدمير النظام القانوني.وذلك لأن القوانين ليست هي التي تظلم، بل الحكم الصادر هو الذي يعد ظالما في هذه الحالة.

خاتمة

إن المشروع الأساسي للإتيقا هو التفكير في الإقامة البشرية على الأرض.أن نوجد هو أن نكون في العالم من بين آخرين.وبخصوص الموت الرحيم خاصة و الموت الإرادي عامة ، ليست كرامة المريض هي موضع السؤال، بل مهانة حالته الفيزيائية والعقلية التي تجد نفسها مقصية من الإعتبار.

في نظرة الآخر يمكن أن أقرأ، كما قال إيمانويل ليفيناس، طلبا صامتا، هو"لا تقتلني".لكن أليس من الممكن أن نقرأ بين شفتي الآخر:"ساعدني على الموت".إن الغير هو ذلك الذي أنظر إليه، أصغي إليه أو ألاحظه.والغير هو أيضا من ينظر إلي، يصغي إلي أو يلاحظني. وهو ذلك الذي أبتكره والذي أبتكر فكره، رغباته وإرادته انطلاقا من ذاتيتي.لكن في ماذا يرغب، ماذا يطلب وماذا يريد على وجه التحديد؟ لا أعرف.لتلافي كل سوء فهم بين الغير وبيني، يجب أن نجد مكانا للالتقاء أو أخلاقا مشتركة ولغة مشتركة، حيث يستطيع أن يعبر عن نفسه، وأن يكشف عبر الكلام،الحركة والكتابة، وانطلاقا من تاريخه الشخصي، اقتناعاته، رغباته وقراراته- ليس تلك التي أبتكرها أنا بحسب ما أقدر أنه خيرله، وإنما بحسب نظرته حول نهاية حياته وإرادته وحدها. ليس العيش هو ما ينبغي تثمينه، بل العيش الحسن للغير هو الذي يهمني هنا والآن

بيبليوغرافيا :

1-Lucien Gerphagnon Dictionnaire de grandes philosophies. Privat 1973.

2- L’euthanasie, une controverse morale et juridique euthanasietpe.canalblog.com

3- Carl Nolet.l’euthanasie. www.carlnolet.com/euthanasie.html

4- Carl Nolet.le Criton de Platon. www.carlnolet.com/euthanasie.html

5- E.Volant « Quand la mort devient un bien »Frontières, printemps- été 1995 ;texte modifié en 2010 . agora.qc.ca/thématique/mort/dossier/euthanasie-éthique

   

 

مع تحيات موقع تفلسف

tafalsouf.com

---

من نحن | راسلونا | بحث

----

عودة إلى صفحة الدراسات

---

رجوع إلى صفحة الاستقبال