يتأطر
موضوع السؤال ضمن مجال فلسفي يتناول مسألة العنف وهو يدخل ضمن مجزوءة
السياسية، ويطرح السؤال إشكال مشروعية العنف ومبرراته.
فهل
للعنف ما يبرره؟ هل يوجد هناك عنف مشروع ومبرر؟ أم أن العنف في جميع
أشكاله يعتبر عملا لا مشروعا ولا مبررا. يجب رفضه والتنديد به؟
بادي دي
بدء لا بد من تحليل الألفاظ والمفاهيم الواردة في السؤال، ف "هل" حرف
استفهام يطلب به التصديق أو عدم التصديق ويحتمل الإجابة بنعم (قبول
الأطروحة) أو لا (رفض الأطروحة وقبول ما يعارضها)، فالسؤال حول إمكانية
تبرير العنق ومحاولة إعطاءه المشروعية يحتمل عدة تأويلات. فالعنف ارتبط
بتاريخ البشرية، فالإنسان حسب فرويد عدواني وشرس، والحضارة بكل ما
يميزها من إنجازات ثقافية لم يكن بمقدورها سوى كبح أو تأجيل شهوات
العنف دون القضاء عليها، وكلما قامت الجماعات البشرية بإلغاء الزجر أو
التراخي في تطبيق القواعد، كما عاد العنف إلى الظهور بقوة. خاصة في
فترات الحرب. وقد كشف فرويد في كتابه "أفكار الأزمنة الحرب والموت" كيف
أن العنف يتحول إلى قوة إيجابية حين يقود إلى نشأة الحق. باعتباره قوة
الجماعة فالحق والعنف ليس نقيضين، بل إن النظرة التاريخية، تكشف أن
الواحد منهما قد نشأ عن الثاني، بل إن التطور الماركسي. يذهب إلى أكتر
من ذلك. أي اعتبار العنف يشكل مرحلة أساسية في التاريخ. هي مرحلة
"الصراع الطبقي" بوصفه سمة للحالة الاجتماعية التي أفسدها الاستئثار
بوسائل الإنتاج. وقد بين انغلز كيف يلعب العنف دورا حاسما في التطور
الاقتصادي للشعوب، فالعنف الاقتصادي هو الذي يحدد العنف السياسي
ويوجهه، لكن رغم هذه التأويلات المتعددة للعنف، فإن هذا الأخير بسبب
طبيعة العنيفة و تعارضه مع الفكر يبقى بدون معنى، فمن الصعب تبرير
العنف وإعطاؤه والمشروعية نظرا لما يترتب عنه من آثار مادية ومعنوية
غير مقبولة من العقل.
لكن كيف
يمكن تقنين العنف وتنظيمه والتحكم فيه؟ هل يمكن للدولة أن تستغني عن
ممارسته؟
-
يعطي
ماكيافيلي لرجل السياسية أو رئيس الدولة الحق في استخدام كل الوسائل
المشروعة وغير المشروعة، حيث يتسم التبرير الماكيافيلي للعنف بالواقعية
والبراغماتية السياسية. فالمحافظة على وحدة المجتمع وتماسكه تقتضي
استخدام العنف ضد من يهدد تلك الوحدة.
كما
اعتبر كانط أن عنف الدولة، كيفما كانت درجته، هو عنف مشروع ولا يجوز
مواجهته بعنف غير مشروع، لأن ذلك بدون معنى ونتائجه وخيمة .
رغم ما
يمكن تقديمه من تبريرات للعنف الصادر عن الدولة سواء كانت هذه
التبريرات سياسية أو قانونية. فإن العنف يبقى دائما مشروعية لأنه يوجد
خارج نطاق العقل، لذلك ينبغي فهم العنف ومواجهته بخطاب عقلي متماسك، هو
الذي يؤسس الأعنف ويثبته. وكما بين إيريك ڤايل تقوم الفلسفة بتوجيه نوع
من العنف هو عنف العقل، الذي هو عنف مشروع. ضد العنف غير المشروع، الذي
هو العنف المدمر لحياة الإنسان، إن "عنف" الفلسفة يتمثل في اعتماد خطاب
عقلي متماسك يخرج العنف الأول من نطاق لا معنى إلى نطاق المعنى، بحيث
يجعله يتكلم ويدخل إلى الخطاب أي يحول العنف إلى الأعنف.
يتبين
لنا مما سبق تحليله ومناقشته، أن الفكر يرفض العنف ويواجهه، كما قد نجد
للعنف ما يبرره عندما نتحدث عن عنف مشروع تفرضه الشروط التاريخية
الخاصة بمجتمع ما. كمواجهة العنصرية والاضطهاد والاستعمار
والإمبريالية، وحيث تعتبر المقاومة التي في لبنان أو في فلسطين، شكلا
من أشكال ردود فعل عقلانية ومنطقية كما ترى "حنا أرندت" ولكن مشروعية
العنف تطرح صعوبات كبيرة بالنظر إلى نتائجها وآخرها المدمرة.
فرغم
إمكانية تبرير العنف بدعوى الدفاع عن النفس أو مقاومة الاضطهاد فإنه
يبقى بدون معنى، مستعصيا على العقل، ولا يجوز استعماله سواء من طرف
الدولة أو من طرف الأفراد، لأن مهما كانت آثاره إيجابية على المدى
القصير فإنه مدمر على المدى البعيد.