في فضيلة التفلسف

" وكنت أبغي بعد ذلك  أن أوجه النظر إلى منفعة الفلسفة و أن أبين أنه ما دامت تتناول كل ما يستطيع الذهن الإنساني أن يعرفه ، فيلزمنا أن نعتقد أنها هي وحدها تميزنا من الأقوام المتوحشين و الهمجيين، و أن حضارة الأمم  و ثقافتها إنما تقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها ، و لذلك فإن أجل نعمة ينعم الله بها على بلد من البلاد هو أن يمنحه فلاسفة حقيقيين. و كنت أبغي أن أبين فوق هذا أنه بالنسبة إلى الأفراد، ليس فقط من النافع لكل إنسان أن يخالط من يفرغون لهذه الدراسة، بل إن الأفضل له قطعا أن يوجه انتباهه إليها و أن يشتغل بها، كما أن استعمال المرء عينيه لهداية خطواته و استمتاعه عن هذه الطريق بجمال اللون و الضوء أفضل بلا ريب من أن يسير مغمض العينين مسترشدا بشخص آخر..."           ديكارت


 

إنشاء فلسفي من اقتراح عبد الرحمان حيدا

 

القولة :

 "إن الشخص لا يولد عبدا لكن يصير كذلك ، و الحرية هي مصيره و عليه أن يختار السير في طريقها ."

 إلى أي حد يمكن تأكيد صحة هذا القول؟

 الامتحان التجريبي لسنة /2009/ نيابة انزكان –  أكادير

 

  يندرج السؤال ، الإشكال ، ضمن أطروحة أساسية ترى بان ، مفهوم ، الشخص ، يتأسس على الحرية ، التي هي مصير الإنسان .  من داخل إشكالية عميقة ، تخص    مجالي ، الوضع البشري و الأخلاق . أي تتعلق بطبيعة العلاقة ، بين مفهومي الشخص    و الحرية . هذه الإشكالية ، تفرز عدة  تساؤلات ، نذكر منها ، بأي معنى يصبح الشخص حرا ؟  و هل هناك حدود لحرية الشخص ؟ و ما حدود هذا التصور ؟

         بعد هذه  المحاولة ، المتواضعة ، لفهم القولة الإشكال ، التي تخص طبيعة العلاقة ، بين مفهوم الشخص و مفهوم الحرية . من داخل طرح ، يرى ، أن الشخص يتمتع بالحرية الكاملة ، بل هي قدره و مصيره .

 سنحاول ، الانتقال ، إلى مرحلة أخرى ،  لا  تقل أهمية ، و تخص إمكانية ، تفسير ، هذا الطرح . و ذلك عبر ، استدعاء ، بعض الأطروحات ، التي تعالج ، الإشكال  نفسه .

 و في هذا السياق ، تتضمن القولة الإشكال ، مفهوم أساسي ، هو مفهوم الشخص ، حيث ترى ، أن  الإنسان ، يصبح حرا و لا يولد حرا ، بل تؤكد ، أن الحرية ، هي حتمية  ، كل شخصا ، بوصفه ذات إنسانية حرة وواعية .

 و هنا نقف ، على أن ، هذا الطرح ، يرى أن ، حرية الشخص حتمية ، وليست هذه الحرية مقيدة  بحدود أو شروط .

هذه الأطروحة ، نجد ، لها تبلور ، في بعض التيارات الفلسفية ، نذكر من هنا ، موقف الفيلسوف الوجودي ، الفرنسي جون بول سارتر  ، الذي يشدد ، أن الإنسان مشروع ، أي أن الذات الإنسانية ، هي مشروع ذاتي ، يتمتع ، بحرية الوجود  على الطريقة ، التي تناسب كل شخص على حيدة .

 هذا المشروع ، هو في حد ذاته ، إرادة الشخص ، لتحقيق و جوده ، حريته و إنسانيته .

و هذا ،  لا يتم ، إلا عبر الأنشطة ، التي يمارسها ، الشخص ، في حياته اليومية ، مثل ،  "الشغل ، الفعل و الحرية " .

كما يرفض ، سارتر ، أن تكون ، هذه الحرية ، التي يتمتع  بها ، الشخص ، في  إبداع   ذاته ، هي حرية للممارسة و الإنتاج ، على غرار الآلات و الثقافة الصناعية ، التي تنمط   الإنسان .

 علاوة على ذلك ، يرفض ، سارتر ، الاختزال الفينومينولوجي ، أو تطهير الوعي ـ الذي يقتضي التعامل مع كل الظواهر المرتبطة بالإنسان ، على أساس ، أنها  أشياء ،             و بالتالي ، ينبغي ، دراستها بهذه الطريقة .

 و في نفس الصدد ، الذي يخص ، إشكالية الشخص بين الضرورة و الحرية ، ننفتح ، على موقف ايمانويل  مونيي  ، الذي يرى أن حرية الشخص ، هي حرية الإنسان . لان    الشخص ، هو مصدر كل القيم ، و هو في حد ذاته سيرورة  نحو الغير . أي ، الأخر الإنساني ، و بالتالي حرية الشخص ، هي حرية لها حدود و شروط ، و ليست حرية  مطلقة .

 و يعتبر ، مونيي ، أن غاية حرية الشخص ، هي تحقيق التحرر ، أي بعبارة أخرى ، تحقيق ذاته . و بالتالي ، نستنتج ، مع مونيي ، أن الشخص يتمتع بحرية مقيدة بحدود الوضع الواقعي للإنسان . ولكن ، هذه الحرية ، ليست مطلقة و ليست أيضا حتمية من جهة الخضوع لها .

 هذه إشكالية ، التي تخص طبيعة العلاقة ، مفهوم الشخص و مفهوم الحرية . و ذلك ، من  خلال علاقة الحرية و الحتمية بالنسبة للشخص  أو الذات الإنسانية .

 وفي السياق ذاته ، نستدعي ، الفيلسوف ، ابن رشد ، حيث يؤكد ، أن الفعل الإنساني  ،   لا يمكن أن ، يكون فعل بشكل مطلق ، و  لا مسير بشكل مطلق ، لان الفعل الإنساني ، يعود إلى  القدرة الإلهية و حرية  الاختيار الإنسانية .

 و هذه الحرية  الإنسانية ، مقيدة ، بأسباب الطبيعية ، التي لا يمكن للحرية الإنسانية  ،    أن تخرج عنها .  وحسب ، ابن رشد ، يكتسب الإنسان  أفعاله  سواء  ،  كانت  خيرا       او  شرا .  و الفعل الإنساني ، يتم ، أولا ، حسب موافقته للشروط من خارج  ، التي هي القوانين و القواعد  الطبيعية ، التي حددها الله تعالى . و ثانيا ، يتم ، الفعل الإنساني ،    وفق حرية الإرادة  عند  الشخص .

 وفي نفس المسألة ، ننفتح ،على طرح أخر ، لفيلسوف ، ميرلوبنتي ، الذي يرى ان اعتبار الحرية مطلقة ، هو وهم ، و نفي الحرية ، هو خطأ . لان ، الإنسان يوجد داخل العالم  ، في وضع أولي  ،  تلقائي و يخضع لحدود في علاقته مع الآخرين .

 و في ظل ذلك ، يمكن  للإنسان أن يعطي ، لوجوده معنى ، و يحدث ، تغيرات على وضعه كشخص .  و يؤكد ، ميرلوبنتي ،  أن حرية الشخص ، ليس لها منطق تنائي . أي ، اما ان تكون حرية مطلقة ، او ان لا تكون أصلا .

 و يميز ميرلوبنتي ، بين نوعين ، من التفكير ، الأول ، هو التفكير الموضوعي ، المرتبط بالعلوم الإنسانية ، التي جعلت الإنسان شيء  ، وترى ، بان حرية  الإنسان  تخضع للجوانب السوسيولوجية و السيكولوجية .

 إما ، الثاني ، هو التفكير التحليلي – التأملي ، الذي ، يحاول فهم التجربة الفكرية للذات الإنسانية .

 و عليه ، نكون مع التفكير الأول ، تمام أفعال تصدر من خارج . أما مع التفكير الثاني ، نكون أمام ، أفعال تصدر من داخل .

 و يستنتج من ذلك ، مع الفيلسوف ميرلوبونتي ، إن نظام الوقائع في علاقته بالإنسان ، حيث هناك ، انسجام بين العالم و الغير . و بالتالي ، حسب ميرلوبنتي ، ليست  هناك ، حرية بالمعنى المطلق ، و ليس هناك أيضا ، غياب للحرية بالمعنى المطلق .

 و يذهب ، إلى أن ، الأفعال الإنسانية لا تخضع كلها  لقاعدة واحدة . بل ، كل فعل  ما ، يخضع لاختيار معين  أو وضع معين ، بحسب تناسبه ، مع طبيعة الفعل و الإمكانات المتوفرة .

 لا ينكر ، ميرلوبونتي ، إمكانية توجيه الأفعال من طرف الذات الإنسانية ، و ذلك  وفق اختياراتها .

 و هذا ، لا يلغي ، إمكانية التراكم ، الذي يحصله الإنسان من تجربته الحياتية .  و عليه ،  يصبح فهم الأفعال الإنسانية ، يقتضي استحضار معطيات ، مثل ، الماضي ، الطباع ، الوسط الاجتماعي  ، المنظومة السيكولوجية و التاريخية .

                    عودا على بدء ، و بعد هذه المحاولة ، المتواضعة ، المكانية تفسير أطروحة  القولة الإشكال ، التي تتعلق ، بطبيعة العلاقة بين مفهوم الحرية و مفهوم الشخص . و ذلك ، بالانفتاح ، على عدة مواقف ،  تختلف  في  النظر إلى  هذا            الإشكال .

 إما من  منظور ، الشخص بين الحرية و الضرورة . أو من منظور الحرية و الحتمية بالنسبة للشخص .

 و قد تبين ، لنا ،  حسب ما سلف ذكره ، أن  مفهوم الشخص ، مفهوم  مركب  و  معقد بشكلا ، يكشف عن إبعاده و جوانبه الإشكالية . و القول نفسه ، نقوله عن مفهوم الحرية ، الذي ، يرتبط بالشخص ، على أساس ، انه انه ذات واعية حرة ، تسعى لاكتشاف ذاتها .

 و ما يمكن التأكيد عليه ، هو أن إشكالية الشخص ، في علاقتها ، بإشكالية الحرية ، هي  إشكالية تنتج ، عدة إشكاليات ، لا تقل أهمية ، منها ، ما طبيعة العلاقة بين الشخص و الغير ، على ضوء الحرية الإنسانية ؟    

 

 

مع تحيات موقع تفلسف

tafalsouf.com

---

من نحن | راسلونا | بحث

----

عودة إلى صفحة الإنشاءات

---

رجوع إلى صفحة الاستقبال