يندرج
السؤال ، الإشكال ، ضمن أطروحة أساسية ترى بان ، مفهوم ، الشخص ، يتأسس
على الحرية ، التي هي
مصير الإنسان . من داخل إشكالية عميقة ، تخص مجالي ، الوضع البشري
و الأخلاق . أي تتعلق بطبيعة العلاقة ، بين مفهومي الشخص و الحرية .
هذه الإشكالية ، تفرز عدة تساؤلات ، نذكر منها ، بأي معنى يصبح الشخص
حرا ؟ و هل هناك حدود لحرية الشخص ؟ و ما حدود هذا التصور ؟
بعد هذه المحاولة
، المتواضعة ، لفهم القولة الإشكال ، التي تخص طبيعة العلاقة ، بين
مفهوم الشخص و مفهوم الحرية . من داخل طرح ، يرى ، أن الشخص يتمتع
بالحرية الكاملة ، بل هي قدره و مصيره .
سنحاول ، الانتقال ، إلى
مرحلة أخرى ، لا تقل أهمية ، و تخص إمكانية ، تفسير ، هذا الطرح . و
ذلك عبر ، استدعاء ، بعض الأطروحات ، التي تعالج ، الإشكال نفسه .
و في هذا السياق ، تتضمن
القولة الإشكال ، مفهوم أساسي ، هو مفهوم الشخص ، حيث ترى ، أن
الإنسان ، يصبح حرا و لا يولد حرا ، بل تؤكد ، أن الحرية ، هي حتمية
، كل شخصا ، بوصفه ذات إنسانية حرة وواعية .
و هنا نقف ، على أن ، هذا
الطرح ، يرى أن ، حرية الشخص حتمية ، وليست هذه الحرية مقيدة بحدود أو
شروط .
هذه الأطروحة ، نجد ، لها
تبلور ، في بعض التيارات الفلسفية ، نذكر من هنا ، موقف الفيلسوف
الوجودي ، الفرنسي جون بول سارتر ، الذي يشدد ، أن الإنسان مشروع ، أي
أن الذات الإنسانية ، هي مشروع ذاتي ، يتمتع ، بحرية الوجود على
الطريقة ، التي تناسب كل شخص على حيدة .
هذا المشروع ، هو في حد
ذاته ، إرادة الشخص ، لتحقيق و جوده ، حريته و إنسانيته .
و هذا ، لا يتم ، إلا عبر
الأنشطة ، التي يمارسها ، الشخص ، في حياته اليومية ، مثل ، "الشغل ،
الفعل و الحرية " .
كما يرفض ، سارتر ، أن تكون
، هذه الحرية ، التي يتمتع بها ، الشخص ، في إبداع ذاته ، هي حرية
للممارسة و الإنتاج ، على غرار الآلات و الثقافة الصناعية ، التي
تنمط الإنسان .
علاوة على ذلك ، يرفض ،
سارتر ، الاختزال الفينومينولوجي ، أو تطهير الوعي ـ الذي يقتضي
التعامل مع كل الظواهر المرتبطة بالإنسان ، على أساس ، أنها أشياء
، و بالتالي ، ينبغي ، دراستها بهذه الطريقة .
و في نفس الصدد ، الذي يخص
، إشكالية الشخص بين الضرورة و الحرية ، ننفتح ، على موقف ايمانويل مونيي
، الذي يرى أن حرية الشخص ، هي حرية الإنسان . لان الشخص ، هو مصدر
كل القيم ، و هو في حد ذاته سيرورة نحو الغير . أي ، الأخر الإنساني ،
و بالتالي حرية الشخص ، هي حرية لها حدود و شروط ، و ليست حرية مطلقة
.
و يعتبر ، مونيي ، أن غاية
حرية الشخص ، هي تحقيق التحرر ، أي بعبارة أخرى ، تحقيق ذاته . و
بالتالي ، نستنتج ، مع مونيي ، أن الشخص يتمتع بحرية مقيدة بحدود الوضع
الواقعي للإنسان . ولكن ، هذه الحرية ، ليست مطلقة و ليست أيضا حتمية
من جهة الخضوع لها .
هذه إشكالية ، التي تخص
طبيعة العلاقة ، مفهوم الشخص و مفهوم الحرية . و ذلك ، من خلال علاقة
الحرية و الحتمية بالنسبة للشخص أو الذات الإنسانية .
وفي السياق ذاته ، نستدعي ،
الفيلسوف ، ابن رشد ، حيث يؤكد ، أن الفعل الإنساني ، لا يمكن أن ،
يكون فعل بشكل مطلق ، و لا مسير بشكل مطلق ، لان الفعل الإنساني ،
يعود إلى القدرة الإلهية و حرية الاختيار الإنسانية .
و هذه الحرية الإنسانية ،
مقيدة ، بأسباب الطبيعية ، التي لا يمكن للحرية الإنسانية ، أن
تخرج عنها . وحسب ، ابن رشد ، يكتسب الإنسان أفعاله سواء ، كانت
خيرا او شرا . و الفعل الإنساني ، يتم ، أولا ، حسب موافقته
للشروط من خارج ، التي هي القوانين و القواعد الطبيعية ، التي حددها
الله تعالى . و ثانيا ، يتم ، الفعل الإنساني ، وفق حرية الإرادة
عند الشخص .
وفي نفس المسألة ، ننفتح
،على طرح أخر ، لفيلسوف ، ميرلوبنتي ، الذي يرى ان اعتبار الحرية مطلقة
، هو وهم ، و نفي الحرية ، هو خطأ . لان ، الإنسان يوجد داخل العالم ،
في وضع أولي ، تلقائي و يخضع لحدود في علاقته مع الآخرين .
و في ظل ذلك ، يمكن
للإنسان أن يعطي ، لوجوده معنى ، و يحدث ، تغيرات على وضعه كشخص . و
يؤكد ، ميرلوبنتي ، أن حرية الشخص ، ليس لها منطق تنائي . أي ، اما ان
تكون حرية مطلقة ، او ان لا تكون أصلا .
و يميز ميرلوبنتي ، بين
نوعين ، من التفكير ، الأول ، هو التفكير الموضوعي ، المرتبط بالعلوم
الإنسانية ، التي جعلت الإنسان شيء ، وترى ، بان حرية الإنسان تخضع
للجوانب السوسيولوجية و السيكولوجية .
إما ، الثاني ، هو التفكير
التحليلي – التأملي ، الذي ، يحاول فهم التجربة الفكرية للذات
الإنسانية .
و عليه ، نكون مع التفكير
الأول ، تمام أفعال تصدر من خارج . أما مع التفكير الثاني ، نكون أمام
، أفعال تصدر من داخل .
و يستنتج من ذلك ، مع
الفيلسوف ميرلوبونتي ، إن نظام الوقائع في علاقته بالإنسان ، حيث هناك
، انسجام بين العالم و الغير . و بالتالي ، حسب ميرلوبنتي ، ليست هناك
، حرية بالمعنى المطلق ، و ليس هناك أيضا ، غياب للحرية بالمعنى المطلق
.
و يذهب ، إلى أن ، الأفعال
الإنسانية لا تخضع كلها لقاعدة واحدة . بل ، كل فعل ما ، يخضع
لاختيار معين أو وضع معين ، بحسب تناسبه ، مع طبيعة الفعل و الإمكانات
المتوفرة .
لا ينكر ، ميرلوبونتي ،
إمكانية توجيه الأفعال من طرف الذات الإنسانية ، و ذلك وفق اختياراتها
.
و هذا ، لا يلغي ، إمكانية
التراكم ، الذي يحصله الإنسان من تجربته الحياتية . و عليه ، يصبح
فهم الأفعال الإنسانية ، يقتضي استحضار معطيات ، مثل ، الماضي ، الطباع
، الوسط الاجتماعي ، المنظومة السيكولوجية و التاريخية .
عودا
على بدء ، و بعد هذه المحاولة ، المتواضعة ، المكانية تفسير أطروحة القولة
الإشكال ، التي تتعلق ، بطبيعة العلاقة بين مفهوم الحرية و مفهوم الشخص
. و ذلك ، بالانفتاح ، على عدة مواقف ، تختلف في النظر إلى
هذا الإشكال .
إما من منظور ، الشخص بين
الحرية و الضرورة . أو من منظور الحرية و الحتمية بالنسبة للشخص .
و قد تبين ، لنا ، حسب ما
سلف ذكره ، أن مفهوم الشخص ، مفهوم مركب و معقد بشكلا ، يكشف عن
إبعاده و جوانبه الإشكالية . و القول نفسه ، نقوله عن مفهوم الحرية ،
الذي ، يرتبط بالشخص ، على أساس ، انه انه ذات واعية حرة ، تسعى
لاكتشاف ذاتها .
و ما يمكن التأكيد عليه ،
هو أن إشكالية الشخص ، في علاقتها ، بإشكالية الحرية ، هي إشكالية
تنتج ، عدة إشكاليات ، لا تقل أهمية ، منها ، ما طبيعة العلاقة بين
الشخص و الغير ، على ضوء الحرية الإنسانية ؟