تندرج القولة التي نحن بصدد تحليلها و مناقشتها ضمن مجال الوضع البشري
و بالضبط ضمن درس التاريخ كمفهوم مركزي في هده القولة التي تعالج
إشكالية دور الإنسان في التاريخ و من تم يمكن أن نطرح التساؤلات
التالية :هل
الإنسان فاعل في التاريخ أم منفعل به ؟بمعنى هل يمكن اعتبار أن الإنسان
هو صانع التاريخ أم انه مربوط بحتمية تاريخية تفرض عليه غاياتها ؟و
مامدى قدرة الإنسان على فرض غاياته على التاريخ؟
التاريخ يشكل ذاكرة الإنسانية التي تختزل أفكارها وانجازاتها و
نشاطاتها و يهتم أيضا بدراسة ماضيها من خلال مجتمع ما أو حضارة ما،حيث
يعمل على تسليط الضوء على دلك الجانب المظلم في حياة الكائن البشري ألا
وهو الماضي لدلك يرى صاحب القولة بان التاريخ كصيرورة ودينامية ليس له
أهداف مسطرة و محدد سلفا وسابقة في وجودها على وجوده بحيث أن التاريخ
وحسب صاحب القولة ليس له أهداف و غايات يسير نحو تحقيقها وما الإنسان
إلا وسيلة في يده يفعل بها ما يشاء من اجل بلوغ هدا الهدف أو تلك
الغاية بل العكس من دلك فان صاحب القولة يرى بان التاريخ سيرورة وان
الإنسان هو الذي يتدخل في بناءها ورسم مسارها حسب غايته و أهدافه
فالتطور الذي نشهده اليوم هو ليس من فعل التاريخ بل الإنسان يجعل
قدراته العقلية وغاياته نحو تحسين وتطوير وضعه هو الذي جعل التاريخ في
هدا المسار فادا كان صاحب القولة يرى بان التاريخ هو من صنع الإنسان
وانه نتج برغبته وهدف فهل يمكن معرفة التاريخ معرفة موضوعية أم أن
معرفته تبقى معرفة نسبية؟وهل التاريخ تابت و مستقر أم تحكمه دينامية
التقدم؟وهل الإنسان دور في صناعة هدا التاريخ؟
إن التطرق لموضوع المعرفة التاريخية يثير إشكالا منهجيا يتعلق بالماضي
الذي انقضى وولى و التعامل معه في الوقت ذاته كموضوع للمعرفة و من تم
فكيف يمكن الحكم على المعرفة التاريخية؟
يؤكد ريمون ارون
R.ARON
علي أن المعرفة التاريخية هي معرفة نسبية لأنها لا يمكن أن تدرك الماضي
بصفة نهائية ما دام انه لا وجود لماضي خالص فكل ماضي فهو ماضي مستحضر و
معرفته لاتاتي إلا عبر البحث و التنقيب و التحقيق كما ان المعرفة
التلقائية التي نعرفها بطريقة مباشرة هي سمة أساسية لواقعنا الذي نعيش
فيه،بحكم أننا نفهم جميع دلالته في حين أن المجتمعات التي عاشت قبلنا
لا يتسنى لنا أن نعرف دلالتها دون توسط منهج المؤرخ و بدلك تنعدم شروط
المعرفة التلقائية بها،بالإضافة إلى كون تجربتنا في الماضي لا يمكن أن
تكون هي تجربتنا في الحاضر.و انطلاقا من دلك فالمعرفة هي إعادة بناء
لما كان موجودا و لم يعد و هي عملية تخص زمانا و مكانا محددين.ادا كان
ريمون ارون يرى بان معرفتنا بالتاريخ هي معرفة نسبية لنظرا لصعوبة
إعادة بناء الواقعة التاريخية فما هو موقف بول ريكول؟
على خلاف ما ذهب التي ارون يرى ريكور بان الاعتماد على الآثار
الوثائق الخاضعة للمسائلة والاستنطاق من طرف المؤرخ تعتبر موقفا
موضوعيا وعمل منهجيا يجعل من الآثار التاريخية وثيقة دالة ما خلالها
المؤرخ ممتلكا للقدرة على بناء الوقائع التاريخية بالاعتماد على
الوثائق والملاحظة المنهجية ومن هنا فالواقعة التاريخية تختلف عن
الواقعة العملية وهنا تكمن الموضوعية كنتيجة للممارسة المنهجية واد
كانت المعرفة التاريخية ممكنة بهدا المنطق من خلال هو السيرورة فهل
منطق التاريخ يحكمه التقدم التكرار ؟هل هو تقدم محكوم بحتمية معنية أم
انه يسير بشكل تلقائي؟
يرى هيغل أن حركة التاريخ هي حركة متصاعدة ومتقدمة نحو الوعي المطلق
الذي دون وعي البشر ودلك حسب إيقاع ديالكتيكي جدلي يقع على مستوى
الأفكار انطلاقا من الأطروحة(الوجود المطلق) إلى نقيضها (الاوجود أو
العدم)وصول إلى الترتيب (الصيرورة).
وهده هي النقطة التي سوف ينطلق منها كارل ماركس في انتقاده للصيرورة
الهيغيلية المثالية والمجردة وبدلك سيرفض ماركس ما اعتقده هيغل تفسير
عقلاني للتاريخ فأنزل دلك الحبل الذي اعتمده هيغل على مستوى الأفكار
إلى ارض الواقع ليصبح التاريخ هو تاريخ الإنسان العامل والمنتج وليس
تاريخيا ويستعرض مراحل تطور الأفكار. ومن تم فالتفسير العقلاني العلمي
والجدلي للتاريخ يجب أن يطلب في الواقع الاقتصادي أو ما يسميه ماركس
بالبنية التحتية والتي تتألف من قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ونمط
الإنتاج ويرى ماركس أن التغير الذي يطرأ على قوى الإنتاج يصطدم غالبا
بعلاقات الإنتاج التي لا تستوعب في بداية الأمر التغير الذي حصل على
مستوى قوى الإنتاج ، ومن هنا يولد التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات
الإنتاج والدي يتولد عليه بشكل جدلي الصراع الطبقي الذي يعتبره كارل
ماركس بمثابة المحرك الأساسي للتاريخ ، ادن فالتاريخ البشري محكوم
بتقدم هو في حقيقته مثال لأنماط إنتاج تفهم باعتبارها مراحل تقود إلى
بعضها البعض عبر النفي انطلاقا من قوانين الجدل التي تحكم الطبيعة
والمجتمع والإنسان فادا كان منطق التاريخ هو التقدم والتطور فما هو دور
الإنسان في هدا المنطق ؟ هل يمكن اعتبار الإنسان صانع التاريخ ؟
على غرار ما دهب إليه صاحب القولة يرى كارل ماركس بان الإنسان هو صانع
التاريخ ؟ عبر فلسفة البراكسيس التي تتجلى من خلال الصراع الطبقي
المحرك الجوهري للتاريخ الذي يعترض عليه ميرلوبونتي الذي حافظ على
مسافة نقدية مع الماركسية في تصورها للتاريخ حيت يصبح الإنسان منفذ
لبرنامج محدد سلفا .
مما تقدم يمكن أن نستنتج بان مفهوم التاريخ هو مفهوم شائك تعددت حوله
الآراء والتصورات بدا من إمكانية المعرفية التاريخية التي يرى البعض
بأنه تبقى نسبية. والتاريخ كما يرى الكثير من الفلاسفة والمؤرخين يغلب
عليه منطق التقدم الذي يلعب فيها الإنسان دورا كبيرا وجوهريا بحيث بان
الإنسان هو الذي يفرض ويوجه التاريخ نحو غاياته وأهدافه مع مرور الوقت.