في فضيلة التفلسف

" وكنت أبغي بعد ذلك  أن أوجه النظر إلى منفعة الفلسفة و أن أبين أنه ما دامت تتناول كل ما يستطيع الذهن الإنساني أن يعرفه ، فيلزمنا أن نعتقد أنها هي وحدها تميزنا من الأقوام المتوحشين و الهمجيين، و أن حضارة الأمم  و ثقافتها إنما تقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها ، و لذلك فإن أجل نعمة ينعم الله بها على بلد من البلاد هو أن يمنحه فلاسفة حقيقيين. و كنت أبغي أن أبين فوق هذا أنه بالنسبة إلى الأفراد، ليس فقط من النافع لكل إنسان أن يخالط من يفرغون لهذه الدراسة، بل إن الأفضل له قطعا أن يوجه انتباهه إليها و أن يشتغل بها، كما أن استعمال المرء عينيه لهداية خطواته و استمتاعه عن هذه الطريق بجمال اللون و الضوء أفضل بلا ريب من أن يسير مغمض العينين مسترشدا بشخص آخر..."           ديكارت


 

إنشاء فلسفي من اقتراح عادل بوصيلة

 

النص:

الثانوية التأهيلية الحسن الثاني/تطوان/الامتحان التجريبي لموسم

2008-2009

 

    يندرج النص الذي نتناوله بالتحليل و المناقشة ضمن مجال نظري فلسفي عام يتمثل في الفلسفة السياسية و التي حاولت منذ أفلاطون و أرسطو أن تقيم لنا فهما لطبيعة العلاقات الاجتماعية و السياسية داخل ما كان يسمى بالدولة المدينة حيث عملت الفلسفة على تحليل علاقة الفرد بالجماعة و علاقة الحاكم بالمحكومين و كذلك النظام المدني السياسي الذي تنتظم فيه هذه العلاقات من خلال تفكيك طبيعة السلطة القائمة على خضوع الجماعة و الأغلبية للأقلية و قد تعمقت هذه الدراسات التحليلية لطبيعة النظم السياسية خاصة على يد ما يسمون بفلاسفة العقد الاجتماعي و الذين يعتبرون عن حق رائدوا الفلسفة السياسية في العصر الحديث حيث كان همهم هو البحث عن الأساس الذي يقيم المشروعية لاستمرارية الدولة و كذا الغاية التي تنشدها بالإضافة إلى طبيعة العلاقة القائمة و المرجوة ما بين الشعب و الحاكم أي بين السلطة السياسية و مجموع المواطنين و يعتبر المفهوم المركزي الذي شغل بال فلاسفة العقد الاجتماعي هو مفهوم الدولة نظرا لما يجسده من انتقال الإنسان مما سموه بحالة الطبيعة إلى ما أصبح يسمى منذ حينه بحالة المدنية إذن على أي أساس تقوم مشروعية الدولة؟ و ما هو الغاية التي ترجوها و تنشدها؟

       بالاتجاه صوب مضمون النص و بالنظر إلى الأطروحة التي يقدمها لنا صاحبه يتضح أنها تقدم لنا جوابا مفاده أن الدولة تتأسس على الاتفاق و التعاقد و غايتها تتجه نحو تحقيق سلامة الناس و ضمان خيراتهم و ممتلكاتهم.

و تنتظم لنا هذه الأطروحة وفق بنية مفاهيمية تساعد على فهم هذا الموقف الفلسفي، اذ ينطلق صاحب النص من إعطاء دلالة لمفهوم الدولة باعتبارها تنظيم سياسي مدني يتكون من جماعة من الناس هدفها تحقيق ما سماه بالخيرات المدنية المتعلقة بالفرد و بحياته و ضمان الخيرات الخارجية المتجهة نحو الفرد و ممتلكاته.

و مادامت الدولة تنظيم سياسي كان لا بد أن تتأسس على القوانين باعتبارها قواعد إلزامية تنظم العلاقات داخل الدولة،  يسهر على تنظيمها حاكم مدني، المكلف بتطبيق القوانين من خلال ما يملكه من سلطة تنفيذية و قضائية استمدها من الجماعة التي فوضته من أجا السهر على ضمان تلك الخيرات و الحفاظ عليها و إذا كان الحاكم قد استمد مشروعيته من القوة المجتمعية، فدوره يتجسد بالإضافة إلى ما قيل، في تطبيق القانون إذا ما أراد شخص الخروج عن ما تعاقدت عليه الجماعة، و قد جسد صاحب النص هذا التطبيق للقانون داخل النص، في مفهوم العقاب الذي يفيد الحرمان من تلك الخيرات التي كانت من حقه فيما سبق و بالتالي يكون الحاكم في هذه الحالة تابعا لإرادة الجماعة لا لأهواء الفرد و بالتالي فهذه الدولة تتأسس على الميثاق و غرضها الأساسي هو خدمة الأفراد دون المس بمقتضيات التعاقد.

لقد أستند صاحب النص من أجل تدعيم أطروحته على أساليب حجاجية منها الاستنباط, الاستنتاج, التفسير, العرض, حيث انطلق صاحب النص من فرضية أولى بمثابة مقدمة عامة "يبدو لي أن الدولة..." عنها تتفرع باقي الأفكار المؤثثة للأطروحة، والتي يمكن القول على أنها استنتاجات مستنبطة من المقدمة الأولى و تتجلى آلية العرض و التفسير في استعماله لأدوات الشرح " أنا أقصد..." و قد استعمل صاحب النص أسلوب حجاجي آخر يتجسد في إدراجه للمثال " إذا أراد أحد انتهاك القوانين..." من أجل الإثبات. وتفيد هذه الأساليب الحجاجية أن صاحب النص يقدم لنا موقفا جديدا عن مفهوم الدولة، منظورا إليها من حيث الأسس و الغايات هو ما سبقت الإشارة إليه أعلاه. و تتجسد القيمة الفلسفية لهذا النص في كون لا حديث عن الدولة الحديثة دون ميثاق التعاقد الذي يمنحها المشروعية، و دون النظر إلى الفرد و خدمته فيما يخص الغايات. و الملاحظ أن هذه الأطروحة لا تخرج عن ما جاء به فلاسفة العقد الاجتماعي من أمثال جون لوك و توماس هوبز، اللذان أكدا على أن أساس الدولة ينبني على التعاقد المفضي إلى إخراج الإنسان من حالة الطبيعة بما هي حالة خوف و توحش، و إدخالهم في حالة المدنية المتسمة بالشرعية القانونية و التنظيم للعلاقات الاجتماعية، و إحلال للسلم و الأمن و الملكية الفردية. لكن رغم أهمية هذا الطرح الذي ينظر للدولة باعتبارها وسيلة من أجل خدمة الفرد، فانه يبقى نسبيا اذا ما انفتحنا على مواقف أخرى أدلت بدلوها فيما يخص مشروعية قيام الدولة و غاياتها، حيث نجد الفيلسوف الألماني " فردريك هيغل " قد نظر إلى الدولة باعتبارها كيانا عقليا يحيل إلى نظام متماسك يقع فوق إرادة الأفراد، مادام الأمر يتعلق بالتجسيد العقلي التاريخي لفكرة الدولة التي شكلت التحقق الفعلي للعقل الكوني في تطوره و تقدمه، و بالتالي تصبح مشروعية الدولة قائمة حسب هذا الفيلسوف على الضرورة التاريخية، في حين ليس لها أي غاية سوى ذاتها.

كذلك نجد الفيلسوف الألماني الآخر " كارل ماركس " يناقش مفهوم الدولة و يعطي لنا تفسيرا آخر لقيام الدولة حيث يعتبرها قائمة على أساس خدمت الطبقة المسيطرة "البرجوازية" و ضمان سيادتها و الحفاظ على ملكيتها لوسائل الإنتاج، و بالتالي تكون غايتها الأساسية هي تكريس الطبقية و المساهمة في استغلال الطبقات الكادحة "البروليتاريا"، الأمر الذي يترتب عنه أن الدولة هي وسيلة للهيمنة لا غير، لا غاية لها سوى الحفاظ على الهوة الفاصلة بين من يسود و يحكم و بين بقية الشعب الكادح.

ادن، فمجمل القول أن إشكالية الدولة، منظورا لها من حيث المشروعية و الغاية، قد أفرزت لنا مواقف و اطوحات متمايزة فيما بينها، قد يكون مردها الى التطور الذي عرفته الدولة عبر التاريخ حيث كانت في البداية تستهدف الجماعة ثم انتقلت لتستهدف ذاتها ،و صولا إلى احتكارها من طرف جماعة محددة قصد استغلالها في السيادة و الضبط و ضمان المصالح الفئوية.               

 

 

مع تحيات موقع تفلسف

tafalsouf.com

---

من نحن | راسلونا | بحث

----

عودة إلى صفحة الإنشاءات

---

رجوع إلى صفحة الاستقبال