في فضيلة التفلسف

" وكنت أبغي بعد ذلك  أن أوجه النظر إلى منفعة الفلسفة و أن أبين أنه ما دامت تتناول كل ما يستطيع الذهن الإنساني أن يعرفه ، فيلزمنا أن نعتقد أنها هي وحدها تميزنا من الأقوام المتوحشين و الهمجيين، و أن حضارة الأمم  و ثقافتها إنما تقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها ، و لذلك فإن أجل نعمة ينعم الله بها على بلد من البلاد هو أن يمنحه فلاسفة حقيقيين. و كنت أبغي أن أبين فوق هذا أنه بالنسبة إلى الأفراد، ليس فقط من النافع لكل إنسان أن يخالط من يفرغون لهذه الدراسة، بل إن الأفضل له قطعا أن يوجه انتباهه إليها و أن يشتغل بها، كما أن استعمال المرء عينيه لهداية خطواته و استمتاعه عن هذه الطريق بجمال اللون و الضوء أفضل بلا ريب من أن يسير مغمض العينين مسترشدا بشخص آخر..."           ديكارت


 

إنشاء فلسفي من اقتراح إكرام بن موسى

 

القولة:

 '' بإمكان العنف أن يدمر السلطة لكنه بالضرورة عاجز عن خلقها ''

انطلاقا من القولة ، ما طبيعة العلاقة بين العنف والسلطة ؟

 الامتحان الوطني للباكلوريا / مسلك العلوم الإنسانية 2008/ الدورة العادية

 

     بعد قراءتنا لهذه القولة وفهمنا لما تصرح به وما تضمره ، يتضح أننا أمام قولة تنفتح  على مفهومين مختلفين ومتجاورين هما : مفهوم العنف كمفهوم  مركزي  مرتبطا بمفهوم الدولة ضمن مجزوءة السياسة :وانطلاقا من القولة ومن السؤال المرفق بها ينبري الإشكال الآتي : ما علاقة العنف بالسلطة السياسية ؟ وهل بإمكان العنف تدمير هذه السلطة في حين أنه عاجز عن تأسيسها ؟

للإجابة عن الإشكال المطروح ،ننطلق من تعريف المفاهيم المحورية التي تنتظم حولها أطروحة القولة ،وهي مفهوم العنف الذي نعني به الإفراط في استعمال القوة بهدف إخضاع الآخر وهناك أشكال عديدة للعنف ،المتمثلة في العنف الفردي ، الجماعي ، المادي ، الرمزي وهناك عنف صادر عن الدولة وعنف موجه ضدها ...ومفهوم السلطة كما عرفها عالم الإجتماع  الألماني ،ماكس فيبر ''بأنها قدرة A  على إخضاع B وجعل B تقوم بفعل لم تكن ستفعله من تلقاء نفسها '' .ويمكن اعتبار هذه المفاهيم  بمثابة شبكة مترابطة يحاول من خلالها صاحب القولة إبراز أطروحته المركزية التي تؤكد على الطابع التدميري للعنف الذي يمكن أن يهدم السلطة في حين أنه عاجز عن خلقها لأنه يفتقد المشروعية .

      إذا كان صاحب القولة يذهب إلى التأكيد على أن العنف ذو طابع تدميري للسلطة وعاجز عن خلقها ،فهل علينا نحن أن نقف عند هذا الحد أم من الضروري استحضار آراء فلاسفة آخرون تناولوا الموضوع بالدرس والتحليل ؟

للإجابة عن هذا السؤال نستحضر زمرة من الآراء المؤيدة والمعارضة لأطروحة صاحب القولة .ومن المؤيدين لهذه القولة نجد '' جاكلين روس'' التي تعتبر أن العنف مدمر ولا يمكن أن يكون مؤسس للسلطة  أو خالقا لها ، بل ترى أن الديمقراطية والمساواة والحقوق هي التي تجعل السلطة قائمة ومستمرة وهذا ما يذهب إليه أيضا عالم  الإج الفرنسي إميل دوركايم صاحب كتاب '' قواعد المنهج في علم الإجتماع '' حيث يؤكد أنه لا يمكن لمجتمع أو لسلطة معينة أن تكون لها قائمة إلا في ظل وجود تضامن آلي وتضامن عضوي أما المعارضين لهذه  القولة : نجد '' كارل ماركس'' يؤكد أن العنف هو المؤسس الحقيقي للسلطة فلا وجود لدولة إلا في ظل وجود صراع طبقي ،وبالتالي الصراع الطبقي هو المصدر الأساسي في التطور التاريخي ،كما نجد أيضا '' توماس هوبز'' يؤكد على دور العنف في تأسيس الإجتماع السياسي ، فلا يمكن للدولة أن تقوم إلا في ظل وجود حاكم قوي يتمتع بكل السلطات التي تخول له أن يحكم ويسود (حق القوة) ،كما نجد أيضا ''ماكس فيبر'' يؤكد على أن جوهر السلطة هو ممارسة العنف وأن لها وحدها الحق والمشروعية في استعماله ، فالتعاقد الإجتماعي يعني التنازل للدولة عن حق في استعمال العنف في إطار نظام سياسي حديث.

مما تقدم يتضح أن إشكالية علاقة العنف بالسلطة تتجاذبها عدة أطراف فمن قائل بأن العنف تأسيس للسلطة ،إلى قائل بأن العنف يدمر السلطة ومن ثمة هو عاجز عن خلقها .وهذا ما يجعلنا إزاء موقف توفيقي ينبري من خلال هذه القولة ''إن الإفراط في العنف أو التفريط فيه كلاهما تطرف''

 

 

مع تحيات موقع تفلسف

tafalsouf.com

---

من نحن | راسلونا | بحث

----

عودة إلى صفحة الإنشاءات

---

رجوع إلى صفحة الاستقبال