يتأطر
النص الذي بين أيدينا ضمن مجزوءة الوضع البشري، وتحديدا ضمن مفهوم
الشخص وشروطها الفعلية، وتتحدد أطروحته في كون حرية الشخص محصورة في
نطاق الوضع الذي يعيشه هذا الشخص، وضمن المجال الواقعي لوضعه بمعنى أن
حرية الشخص محدودة ومشروطة وقيمته كشخص تتحدد في استجابته لهذه الشروط
والتفاعل معها مما يجعل من حريته تحرراً، ومن هنا يمكن التساؤل حول كيف
تكون حرية الشخص ممكنة وفعلية بحيث تمكنه من التوجه نحو التحرر أكثر
فأكثر؟ وهل تشكل الاستجابة للشروط والحدود الملازمة للحرية بداية
للتحرر؟.
ينطلق
النص الذي بين أيدينا من اعتبار حرية الشخص تشكل مركبا وموجودا في ذاته
وفي هذا العالم، وأمام القيم، مما يفترض أن تكون هذه الحرية ملازمة
لوضعنا الواقعي ومحصورة ضمن نطاقه، ويرى صاحب النص أن معنى الحرية
يتحدد في أن تقبل بذلك الوضع وبتلك الظروف غير أن الحرية تشكل قوة
حينما لا تكون ضيقة جدا،إذ يمكن القول أن الحرية ملزمة ضمن شروط ،
والوعي بهذه الشروط هو كما يرى صاحب النص يشكل بداية للتحرر، لذلك فقبل
إعلان الحرية في الدساتير وتمجيدها في الخطابات، لابد من توفير وتأمين
الشروط اللازمة لها، وهذه الشروط هي سياسية واقتصادية واجتماعية، وحيت
تسمح للكل بأن يشارك في النداء بالحرية أو نداء الإنسانية كما يسميه
صاحب النص.
ويستخدم
صاحب النص مفاهيم أساسية لبناء أطروحته فهو يوظف مفهوم الشخص الذي يشير
إلى الإنسان بما هو ذات مفكرة وواعية، وتتحمل مسؤولية أفعالها
واختيارها، كما يتوقف صاحب النص عند مفهوم الحرية والذي يشير في دلالته
العامة إلى قدرة الشخص على الفعل أو الامتناع عنه، بعيدا عن كل إكراه
كيفما كان مصدره، هذه المفاهيم المحورية والعلاقات التي بينهما هي التي
تحدد أطروحة النص. لذلك يلتجئ لتوضيح هذه الأطروحة إلى بنية حجاجية
تتمثل في حجة بالتأكيد اللغوي وذلك حينما استخدم "إن" للتأكيد ويشير
بها للتأكيد على أن حرية الشخص هي حرية مشروطة بوضعنا وبواقعنا الذي
نعيشه داخل المجتمع، كذلك يستعمل حجة بالنفي وذلك لينفي حرية مطلقة
للإنسان حيث يقول "ليس كل شيء ممكناً وهو كذلك في كل لحظة". ويوظف حجة
بالتشبيه ليشبه الحرية بالجسم الذي لا يتقدم إلا بالحواجز والاختيار
والتضحية.
هكذا
يتمكن صاحب النص من إبراز أن أهمية الوعي بالشروط ومحددات الحرية تمكن
الشخص من التحرر. وأن لشخص حرية مشروطة بالوضع الواقعي للإنسان إلا أن
هذا الوضع المشروط لا يعني الخضوع للضرورة، وفي نفس السياق يرى
الفيلسوف ميرلو بُنتي أن كل قول بحرية مطلقة وهم، وكل نفي للحرية هو
قول خاطئ، إن الإنسان في هذا العالم يوجد في وضع معطى أولي وتلقائي،
ومحدد بعلاقات مع الآخرين، وفي هذا الوضع يستطيع الإنسان أن يدخل
تعديلات إرادية واعية على الوضع المعطي كما يستطيع أن يمنح وجوده معنى،
غير أن "جون بول سارتر" على خلاف كل من إمانويل مونيي وميرلو بونتي
يذهب إلى أن الإنسان مشروع يواجه مصيره الخاص لوحده بل يختاره هو كشخص
منفرد.
نخلص
إذن إلى أنه إذا كان صاحب النص يرى أن الاستجابة لشروط الواقعية
والملازمة لوضعنا يمثل شرطا أساسيا للتحرر فإن هناك من يشك كما هو
الحال بالنسبة للفيلسوف الفرنسي جون بُول سارتر في هذه الحرية
المشروطة، بل يذهب أبعد من ذلك حيث يؤكد أن الإنسان مشروع يختار مصيره
بنفسه. ويواجه هذا المصير كشخص منفرد، ويمكن تحديد قيمة هذا النص
الفلسفية في كونها تطرح إشكالية حرية الشخص ضمن الشروط الملازمة لها
والتي يُشكل الوعي بها بداية للتحرر.